اسم الله المقدم

اسم الله المقدم

اسم الله المقدم



ما في هذا الكون من شيئين متساويين تساويًا مطلقًا أبدًا، بل دائمًا ما تجد أحدهما مفضَّل على الآخر ومقدَّم عليه؛ فالذكر مفضَّل على الأنثى، والعالم مفضَّل على الجاهل، والتقي الصالح مفضَّل ومقدَّم على الفاجر الطالح، وليس هذا في أمور الآخرة فقط، بل إنك لتجده في أمور الدنيا أيضًا؛ فالإنسان مكرَّم ومقدَّم على جميع الكائنات على وجه الأرض، والحيوانات يفْضُلها ويقدَّم عليها الأسد، وفي الجمال قد فُضِّل عليها الغزال والزراف، وفي السرعة قُدِّم عليها الفهد الصياد، وفي الضخامة قدَّم عليها الفيل، وفي الصبر وقوة الاحتمال قُدِّم عليها الجمل، وقل مثل هذا عن عالم الأسماك وعن عالم الطيور وعن عالم الحشرات وعن عالم النباتات، وعن جميع الأحياء والجمادات.

معنى اسم الله المقدم


إن من أسماء الله الحسنى "المقدم"، وهو من الأسماء المتقابلة المزدوجة، فيقابله اسم الله المؤخر؛ فلا ينبغي أن يطلق أحدهما على الله إلا مقرونًا بالآخر؛ فإن في إطلاق أحدهما على الله دون الآخر شبة نقص لا تليق بكمال الله -تعالى-، ومعنى اسم الله المقدم، أي: المعطي لعوالي الرتب، والمؤخر هو الدافع عن عوالي الرتب، والمنزل للأشياء منازلها؛ يقدم ما شاء منها ويؤخر ما شاء، قدم المقادير قبل أن يخلق الخلق، وقدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق بعضهم فوق بعض درجات، وقدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين، وأخَّر من شاء عن مراتبهم وثبطهم عنها، وأخر الشيء عن حين توقعه لعلمه بما في عواقبه من الحكمة، لا مقدِّم لما أخَّر، ولا مؤخر لما قدم.

دليل أن المقدم من أسماء الله الحسنى


ولم يرد اسم الله المقدم في القرآن مطلقًا، وإنما ورد في السنة النبوية فقط، من ذلك ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: "أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت" ، وعن أبي موسى الأشعري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بهذا الدعاء: "أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير"

وعن علي بن أبي طالب أن آخر ما كان يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين التشهد والتسليم من الصلاة: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت"

تجليات اسم الله المقدم


إن المتأمل في حقيقة اسم الله المقدم ومعناه؛ سيتجلى له الكثير من المظاهر والصور، منها:

تقديمه -سبحانه- للأعمال الصالحة وتأخيره للأعمال الطالحة، قال -جل وعلا-: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات: 7].

وكذلك: تقديمه -سبحانه وتعالى- لبعض الأعمال الصالحات على بعض، فليست كلها في مرتبة واحدة، بل أجلها وأعظمها وأهمها توحيد الله -تعالى-، وهو عمل قلبي، ثم قدَّم الصلاة على سائر العبادات البدنية، وقدَّم صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وقدَّم الصف الأول في الجماعة على سائر الصفوف... وقدَّم العمل الصالح المتعدي النفع على غيره، وقدَّم بعض الأذكار على بعضها، وقدَّم عمل السر على عمل العلانية، وفي كل عمل صالح ترى المقدم -عز وجل- قد قدَّم بعضه على بعض.

ومنها: تفضيل بعض الرسل على بعض: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [البقرة: 253].

وكذا: تقديمه -عز وجل- الأنبياء على سائر البشر، بل وتقديمه الأنبياء على بعضهم البعض، قال -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: 55]؛ ومنه تقديمه -تعالى- لمريم على نساء العالمين، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 42]؛ ومن ذلك -أيضًا- تقديمه -عز وجل- المؤمنين على الكافرين، والصالحين على الفاسقين.

ومن ذلك: تقديم بعض الخلق على بعض فيما وهبهم من خصائص أو قدرات أو أرزاق، ويؤخر آخرين في ذلك، قال -عز من قائل-: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [النحل: 71].

وكذلك: تقديم الذكر على الأنثى قال -تعالى-: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: 32].

وكذا: تفضيل بعض الثمار على بعض قال -عز من قائل-: ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ [الرعد: 4].

ومن مظاهر تقديم المقدِم -سبحانه- تقديمه آجال بعض الخلق على آجال بعض فيموت هذا وهو صبي، ويؤخر أجل ذاك فيرد إلى أرذل العمر، وبين هذا وذاك درجات؛ فمنهم من يموت يافعًا أو شابًا أو كهلًا... قال -تعالى-: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ [الحج: 5].

وسائل الإنسان ليقدمه ربه


وإذا ما أراد العبد أن يقدمه ربه -عز وجل- فعليه أن يبذل الأسباب التي تعينه على نيل ذلك، ومنها:

الوسيلة الأولى: الإيمان بالله -تعالى-: فالمؤمن مقدَّم والكافر مؤخَّر، فقد استبعد الله -تعالى- أن يستوي هذا مع ذاك، فقال -عز من قائل-: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36]، وقد قرر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الأغبياء فقط من البشر هم من يكفرون بالله -عز وجل-، فعن عمرو بن عبسة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تستقل الشمس فيبقى شيء من خلق الله إلا سبح الله، إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بنى آدم"

الوسيلة الثانية: العبادة والطاعة والعمل الصالح: فالعابد الطائع الصالح مقدم على اللاهي العاصي الطالح، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: 28]؛ فالتقديم والكرامة والعزة في طاعة الله -عز وجل- يقول -سبحانه-: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: 10].

الوسيلة الثالثة: العلم والتعلم: فإن الله -عز وجل- قد قدم العلماء ورفعهم فقال -عز من قائل-: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]، ونفى -سبحانه- مساواة الجهلاء لهم، قائلًا: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9].

الوسيلة الرابعة: تزكية النفس وتطهيرها: فقد أبرم الله -عز وجل- القضاء مقسمًا: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 7-10]، فمن زكى نفسه وطهرها وسمى بها عن الأرجاس والأنجاس قدَّمه المقدم -سبحانه وتعالى-، ومن ارتضى أوحال الدنيا وارتكس فيها أخَّره المؤخر -جل وعلا-.

بركات الإيمان باسم الله المقدم


إنكم لترون المؤمن الحق بأن الله -تعالى- هو المقدم المؤخر يرتفع في منازل المعرفة كلما ازداد إيمانًا بهذين الاسمين، ومما يناله من فيوضاتهما ما يلي:

أولًا: السعي في الطاعات واجتناب المعاصي: فعلم العبد بأن الله -تعالى- يقدِّمه إذا أطاع ويؤخِّره إذا عصى، يجعله كرارًا إلى الطاعات، فرارًا عن المعاصي والذنوب، قال -تعالى-: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ [المدثر: 37]؛ أي: يتقدم في الخير والطاعة، أو يتأخر عنهما فيقع في الشر والمعصية.

ثانيًا: الرضا بما قسم الله للعبد من الأرزاق والمواهب؛ وذلك لعلمه أن المقدم المؤخر -عز وجل- قد قدمه في أشياء بفضله وأخره في أخرى بحكمته، فكان ما قدمه فيه امتحانًا وابتلاء له، وكان ما أخره فيه نجاة ومعافاة له، فيعلم أن التقديم والتأخير من أقدار الله ولحكمة بالغة، فيرضى بفعل المقدم المؤخر ويمتلئ قلبه إيمانًا.

ثالثًا: تقديم ما قدمه الله وتأخير ما أخره الله: فعلى العبد أن يكون تبعًا لربه فيما قدم وفيما أخر، فمن الأعمال يقدم العبد أحبها إلى الله، ومن ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل" ، وعن معاذ بن جبل، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله" ، وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي: العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله، وجهاد في سبيله"، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها"

ومن الأقوال ما دلنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"

فاعرفوا اسم الله المقدم وعيشوا في ظلاله تنعموا في الدنيا وتسعدوا في الآخرة.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية