اسم الله المجيد

اسم الله المجيد

اسم الله المجيد


كثير من الناس اليوم يبحث عن المجد والشهرة، وكثير من شباب الأمة سار في أوهام المجد الشخصي، بتقليد ممثل فاسق مغرور، أو لاعب كفور، ويقلدون حضارة غربية مفلسة, ونسي هؤلاء أن المجد والعظمة لا تتأتى إلا باتباع الشرع المعظم، فمن عظّم اللهَ وشرعَه واتبع رسولَه، أعزه الله ورفعَه؛ لأن الله -سبحانه- هو المجيد، فكل من يبحث عن المجد فليسأل ذلك من ربَّه المجيد.

اسم الله المجيد في الكتاب والسنة ومعانيه ودلالاته


لقد سمى الله نفسه بالمجيد، فقال تعالى: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: 73]، ووصف الله كتابَه بالمجد, قال -عز وجل-: ﴿ق* وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ [ق:1- 2], ولأن الله هو المجيد فقد اتخذ لنفسه عرشًا استوى عليه ووصفه بالمجيد، قال تعالى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: 15].

وقد أثنى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- على ربه، فوصفه بأنه المجيد، فعن كَعْب بْن عُجْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْنَا: "يَا رَسُولَ اللهِ: كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". (البخاري).

المجيد لغة: هو الكريم الفِعَال، ذو الشرف والمروءة، والكرم والسخاء. والمجيد -سبحانه-, هو المحمود في جميع أقواله وأفعاله، الجميل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، المختص بالتعظيم والإجلال في قلوب أوليائه المؤمنين به، الذي له المجد العظيم، والمجد هو عظمة الصفات وسعتها، فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه, فهو الماجد والمجيد في ذاته وصفاته وأفعاله، ومنه يستمد كل مجد وكرامة وشرف وعزة.

المجيد تعالى الجميل في أفعاله، الجزيل في عطائه، ذو المجد والكبرياء، والعظمة والجلال، أعظم من كل شيء، وأكبر من كل شيء، له المجد كله؛ لكثرة أسمائه وصفاته، وسعتها وعظمتها، وكمال أفعاله، وكثرة خيره ودوامه.

والمجيد -سبحانه- لكثرة إحسانه وأفضاله, فهو الكريم الذي لا يمكن إحصاء نعمه وفضله، ملأ الكون نعمًا, وكل شيء في الكون هو محض فضله وكرمه، فهو -سبحانه- كثير الخير، واسع العطاء، يعامل العباد بالجود والكرم، وعمَّ فضله الجميع، شمل فضله وإحسانه المؤمنَ والكافرَ، والبرَّ والفاجر، والإنسان والحيوان: ﴿كُلاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [الإسراء:20].

دلالة اقتران الحميد بالمجيد


جاء اسم الله "المجيد" في القرآن مقترنًا بالحميد في قوله تعالى: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: 73]، ووجه هذا الاقتران أن الله تعالى قد عظمت ذاته وتمجدت على وجه مطلق، وتمجدت كذلك أَسماؤه الحسنى، التي تضمنت جميع صفاته الكمال، ومن ثم فإن أفعال هذا الإله (المجيد) إنما هي جميعها أفعال عظيمة مجيدة في اختيارها، وتقديرها، وإنفاذها، ويستحق -سبحانه- على كل فعل منها كمال الحمد الذي لا يستحقه أحد غيره، فهو -جل وعلا- وحده المستحقُ لكافة أنواع الحمد رغم أنوف كل الجاحدين المعرضين, قال الشوكاني: "إِنَّهُ حَمِيدٌ أَيْ: يَفْعَلُ مُوجِبَاتِ حَمْدِهِ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى سَبِيلِ الْكَثْرَةِ, مَجِيدٌ كَثِيرُ الْإِحْسَانِ إِلَى عِبَادِهِ بِمَا يَفِيضُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَيْرَاتِ".

كيف يكون لاسم الله المجيد أثر في حياة المسلم؟


وليكون لاسم الله المجيد أثر في حياتك؛ عليك أن تكون كريم الأخلاق تعامل كل من حولك بالصفح والعفو، متغافلاً عن زلات الآخرين، تقيل عثراتهم، مترفعًا عن سفاسف الأمور، وبهذا تكتسب المجد والذكر الحسن.

وعلى المسلم أن يكون مجيد الذات، برفع الهمة لطلب رضا الله، فلا يبتغي سواه، ولا يرضى بدونه، وأن يكون مجيد الصفات بحسن أخلاقه، ومجيد الأفعال بالتزام الآداب والفضائل، ولهذا قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا" ، وأرشد من طلب الجنّة أن يطلب أعلاها: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ الْجَنَّة، فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ"

وينبغي للمسلم أن يكون في سلوكه وحياته متعاليًا عن النقائص، مترفعًا عن العيوب، سريع التوبة من الذنوب، يطلب الرفعة والمجد في طاعة مولاه، تتطلع نفسه للرفيق الأعلى مع الأبرار في عليين: ﴿كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين: 18].

وليحذر المسلم من الشهرة والمجد الزائف الذي يكتسبه بطريق الحرام, ومخالفة الشرع, فأي مجدٍ يكون في معصية الله؟! ومن هنا فلا ينبغي لمسلمٍ أن يمجد فاسقاً ينشر الفساد بالمجاهرة بفجوره كما هو حال أهل الفن والغناء, فضلا عن تمجيد كافر لا يؤمن بالمجيد -سبحانه-, قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْمُنَافِقِ يَا سَيِّدُ فَقَدْ أَغْضَبَ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى"

وعلى من رزقه الله علماً أو منصباً أو شهرة بين الناس أن يترك الاغترار والعجب بالنفس؛ فالعظمة والمجد الحقيقي للمجيد -سبحانه-.

كيف يمجد العبد ربه؟


إن التعظيم والإجلال لا ينبغي للمؤمن أن يُتوجه بهما إلا إلى الله وحده، وأن يعظّم المؤمن ما عظّمه العظيم، ويمجّد ما مجّده المجيد -سبحانه-, وهناك كثير من العبادات والأعمال الصالحة التي تغمر النفس وتملأها تمجيدا لله المجيد -سبحانه-، ومن أعظم ما يعظّم به العبد ربه ويمجده: تلاوة كتاب ربه آناء الليل وأطراف النهار، فلا أحد يستطيع أن يُحصي الثناء على ربه ولا يمجده كما أثنى الله على نفسه، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يناجي ربه وهو ساجد في ظلام الليل، ويقول: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"

فالقرآن الكريم مليء بتمجيد الله وتعظيمه، وقد سمى الله تعالى كتابه العظيم بالمجيد في آيتين من كتابه، في قوله تعالى: ﴿ ق* وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ [ق:1-2]، وقوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ﴾ [البروج:22]، وهو كلام الله تعالى البالغ النهاية في الشرف والرفعة، غزير المعاني عظيمها، كثير الخير والعلم.

والصلاة كلها تمجيد لله، فهي مبنية على الثناء والتعظيم، في أفعالها وألفاظها؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي.." ، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ -عليه الصلاة والسلام- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدّ"

فأول الصلاة حمد وتمجيد، وآخرها حمد وتمجيد، كما في حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا سَلَّمَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ" , وعند مسلم من حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- علمه الوضوء ثم قال: "فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلى فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بالذي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلبَهُ لِلهِ إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ".

ولا تغفل -عبد الله- عن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة، والاستغفار، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وهذه الحال هي حال أهل الذكر، من لا يشقى بهم الجليس، كما جاء في حديث: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ, فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ. قَالَ: فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا"

كلما كان العبد أكثر معرفة بالله كان أكثر تمجيدا له


أعرف العباد بربه هو أخشاهم وأكملهم له ثناءً وتمجيدًا, ولذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر تمجيداً وتحميداً وذكرا لربه المجيد –سبحانه-. فعَنْ عَائِشَة -رضي الله عنها- قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"

إن المؤمن يرى أن المجد والكرامة والرفعة في الدنيا والآخرة هي من الله تعالى, وفي كتابه ودينه واتباع رسوله، فإذا طلب أحد المجد والرفعة في غير ذلك, كان مجده وهماً وسراباً, ولم يزدد إلا ذلاً وبعدا عن المجيد -سبحانه-.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية