اسم الله الشهيد

اسم الله الشهيد

اسم الله الشهيد


معنى اسم الله الشهيد


إننا في هذه اللحظات نعبد الله ونبتغي رضاه، إلا إنه وللأسف هناك عدد ليس بالقليل في أماكن الفسوق يلهون، وآخرون على الأسِرَّة نائمون، وغيرهم في النوادي يلعبون، وآخرون على الثغور مجاهدون، وآخرون في تكثير أموالهم غارقون، وآخرون قد غلقوا عليهم الأبواب وهو يعصون، وآخرون في الغفلات سادرون، وآخرون يطيعون، وآخرون يعصون... وفوق الجميع الإله الحق -سبحانه وتعالى- يطلع ويراقب ويحصي ويشهد، ولا يخفى عليه شيء من أحوالهم، قال -تعالى-: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس:61].

إنه الله الشهيد المُطَّلع على جميع الأشياء، يَسَع سمعه الأصوات خفيها وجليها، ويشمل بصره المخلوقات صغيرها وكبيرها، ويحيط علمه بالأشياء دقيقها وجليلها، الذي شهد لعباده، وعلى عباده بما عملوه.

وكما أن الله -تعالى- هو الشهيد، فكذلك هو الرقيب على ما يدور في الخواطر، وما تتحرك به اللواحظ، وما تقترفه الجوارح، المطلع على ما تكنه الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت... فالشهيد والرقيب اسمان لله مترادفان.

فقل لمن ينفرد في مكان بين أربعة جدران وحده، ثم يقلِّب في قنوات المجون والفسق على تلفازه، قل له: أنت لست وحدك! وقل لمن يدخل على المواقع الإباحية على الشبكة العنكبوتية: إنك لست وحدك! وقل لمن خلا بريبة في ظلمة وقد أَمِن من المراقب: إنك لست وحدك! إن معك الله! معك الله -تعالى- الذي لا تخفى عليه خافية، قال -عز وجل-: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَجوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم وَلا خَمسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُم وَلا أَدنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُم أَينَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة:7].

وكلما اتقدت فيك نار شهوة حرام، فقل لها: ويحك، عليَّ رقيب! وكلما خاطبك هواك أن قد خلوت فارتع! فقل له: ويلك، عليَّ شهيد! وكلما هممت بأكل مال حرام وقد سولت لك نفسك؛ أنه لن يطلع على ذلك أحد، فاصرخ فيها: بل عليَّ شهيد! وكلما استترت عن أعين الخلق وظننت أنه لم يعد يراك أحد فتذكر قول الله: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ [النساء:108]، فما أضيع عقولهم!

فهذا هو المعنى الأول من معاني اسم الله الشهيد، أما المعنى الثاني فهو الشهيد بمعنى الشاهد، فهو -عز وجل- خير من يشهد ويُستشهد، وهو -تعالى- يشهد على الخلق يوم القيامة، وكذا في الحياة الدنيا، ففي قصة التاجر الذي استلف ألف دينار من أخيه على أن يردها في موعد محدد، فإنه لما لم يجد سفينة تُقلُّه قال: "...وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك" ، وفي خطبة حجة الوداع استشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ربه قائلًا: "ألا هل بلغت؟... اللهم فاشهد"

وقد قال ابن كثير في قول الله -تعالى-: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ [الإسراء:96]، "أي: حسبي الله، وهو الشاهد علي وعليكم، شاهد عليَّ فيما بلغت عنه من الرسالة، وشاهد عليكم أيها المكذبون فيما تفترونه من البهتان".

الحياة في ظلال اسم الله الشهيد


ما أجمل الحياة في ظلال اسم الله الشهيد؛ فهي جنة الدنيا وروحها وريحانها، وهل هناك حياة أسعد ممن يعيش في معية الله؟! يستشعر نظر الله فيفعل ما إلى مولاه يقربه، ويهجر ما يسخطه ويغضبه؛ لا يجد في ذلك وحشة بل يحب الخلوة، وهل يستوحش من خلا بمولاه؟! لا يخلد أو يركن الدنيا بل هو زاهد في الحياة؛ يود منها فكاكًا لأنها تأسره عن لقاء ربه!

إن من عاش في ظلال اسم الله الشهيد فإنما يحيا في معية ربه، وأَنْعِم بها من معية! تلك هي الحياة التي قال فيها بعض من عاشها وذاقها: "إن كان أهل الجنة في نعيم مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب"، وقال آخر مفضِّلًا الحياة مع الله على حياة الملوك -وحُقَّ له ذلك-: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف"

فعلينا -أيها الأحباب- أن نعيش في ظلال هذا الاسم ونحيا به وعليه؛ فنخلص في أقوالنا وأعمالنا لأنه -تعالى- مطَّلع على قلوبنا، ونصلح أحوالنا في الخلوات لأنه -عز وجل- معنا في كل خلوة، ونضبط جوارحنا في كل أعمالنا لأنه -تعالى-: ﴿قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33]، ونعبد الله كأننا نراه تمامًا كما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"

ثمرات الإيمان باسم الله الشهيد


ذلكم هو اسم الله الشهيد وتلك هي الحياة في ظلاله؛ فدعونا الآن نعدِّد بعضًا من ثمار الإيمان بهذا الاسم في نقاط منها:

الأولى: كثرة الطاعات: فمن أيقن بأن الله شهيد عليه يرقب أعماله، سارع في مرضاته، كالعبد الرقيق أو كالخادم الأجير يعمل أمام عيني سيده -ولله المثل الأعلى-؛ فإنه يبذل الوسع وينتفي عنه الكسل والملل، قال ابن عطاء: "أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات".

الثانية: شدة المدافعة للمعاصي: فالمؤمن بمراقبة الله له، شديد النفور من الذنوب، يغالب شهواته ويقاتل نزواته ويصارع أهواءه ورغباته حتى يقهرها؛ فهو مستشعر أن الله يراقبه، فكيف يعصيه؟! وقد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: "ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله" ، وما يستطيع شاب أن يقاوم مثل هذا الإغراء إلا بمخافة الله، والنفس لا تخاف من أحد إلا إذا استشعرت مراقبته.

وهذا رجل يسأل الجنيد فيقول: بم أستعين على غض البصر؟ فقال: "بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه".

وقد حكى النبي -صلى الله عليه وسلم- مشهدًا من تلك المدافعة للذنب، وكيف كان ثوابها، قائلًا: "قالت الملائكة: رب، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة! -وهو أبصر به-، فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جراي" ، فالعبد يريد المعصية، لكنه يستحضر أن الله شهيد رقيب، فيملأ قلبه الخوف منه -تعالى-، فيدافع المعصية ويتركها، فتكون العاقبة أن تُكتب له حسنة لا سيئة!

الثالثة: دوام الاستقامة: لأن شهادة الله ومراقبته دائمة، فالله: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة:255]، وكما أن شهادة الله -تعالى- على العبيد دائمة، فإنها أكبر الشهادات قاطبة؛ فقد جاء أهل مكة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا محمد أرنا من يشهد أنك رسول الله؛ فإنا لا نرى أحدًا يصدقك، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام:19]، وهذا دافع إلى دوام التعبد والمراقبة والاستقامة؛ فإن شهادته -تعالى- لا تغيب، مع كونها أعظم الشهادات.

الرابعة: تزكية للنفس وطهارة للقلب: فإن شعور العبد المؤمن بأن الله -تعالى- شهيد على أعماله ورقيب على خطراته وكوامن قلبه، يدفعه دفعًا أن يطهر هذا القلب تطهيرًا، ومحال أن يتدنس قلب ملأه مراقبة الجليل -عز وجل-، وعن عبد الله بن معاوية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من فعلهن فقد ذاق طعم الإيمان"، وذكر منهن: "وزكى نفسه" فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: "أن يعلم أن الله -عز وجل- معه حيث كان" ، وقال سهل بن عبد الله التستري: "لم يتزين القلب بشيء أفضل ولا أشرف من علم العبد بأن الله شاهده حيث كان".

من قصص المراقبين لله


عاش أناس فطناء مع اسم الله الشهيد، واستحضروا معانيه، فكان من أمرهم عجبًا!

فمنهم راعٍ للأغنام، قصَّ علينا زيد بن أسلم قصته قائلًا: مر ابن عمر براعي غنم، فقال: يا راعي الغنم هل من جزرة؟ قال الراعي: ليس ها هنا ربها، فقال ابن عمر: تقول: "أكلها الذئب"، فرفع الراعي رأسه إلى السماء، ثم قال: فأين الله؟ فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم، فأعتقه وأعطاه الغنم"

وفي حديث الثلاثة الذين سدت عليهم الصخرة باب الغار فتوسلوا بأعمالهم، قال أحدهم: "قد عملت حسنة مرة كان لي فضل، فأصابت الناس شدة، فجاءتني امرأة تطلب مني معروفًا، قال: فقلت: والله ما هو دون نفسك، فأبت علي، فذهبت، ثم رجعت، فذكرتني بالله، فأبيت عليها وقلت: لا والله ما هو دون نفسك، فأبت علي، وذهبت، فذكرت لزوجها، فقال لها: أعطيه نفسك، وأغني عيالك، فرجعت إلي، فناشدتني بالله، فأبيت عليها، وقلت: والله ما هو دون نفسك، فلما رأت ذلك أسلمت إلي نفسها، فلما تكشفتها وهممت بها، ارتعدت من تحتي، فقلت لها: ما شأنك؟ قالت: أخاف الله رب العالمين!..." ، فما ارتعدت إلا لعلمها بشهادة الله عليها ومراقبته -تعالى- لها، وهو الذي أنتج خوفها.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية