البدعة في الإسلام

 البدعة في الإسلام

البدعة في الإسلام


خطورة البدع والمحدثات


إنَّ البدع شرٌ كلها وضررٌ جميعُها، ولهذا كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- في خطبه الجامعة ومواعظه البليغة يؤكد ويكرر تحذيرًا من البدع ونهيًا عنها وتبيانًا لخطورتها وعِظم مضرتها على الأمة.

كثرة تحذير الشرع من البدع


روى الإمام مسلم في كتابه الصحيح عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ... وَيَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".

وروى ابن ماجه وغيره عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوعظنا موعظةً بليغة وجِلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: "عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"

إن البدع لها أخطار عظيمة وأضرارٌ جسيمة وعواقب وخيمة على أهلها وأربابها في دنياهم وأخراهم، فيجب على كل مسلم أن يدرك خطورة البدع ومضرتها العظيمة ليكون منها على حذر، وليكون مجانبًا لها مبتعدًا عنها محاذرًا من اقترافها وارتكابها.

من أخطار البدع وأضرارها


من أخطار البدع وأضرارها: أنها موجبةٌ لرد العمل وعدم قبوله مهما كثُر العمل وتعدَّد وكبُر، وقد جاء في الصحيح عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"، وفي رواية: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" أي مردودٌ على صاحبه غير مقبولٍ منه.

ومن مخاطر البدع : أنها موجبةٌ لضياع السُّنن وخفائها وبُعد الناس عنها، فعن حسان بن عطية رحمه الله قال: «ما ابتدع قومٌ بدعة إلا نزع الله منهم من السنَّة مثلها؛ فإن الإقبال على البدع موجبٌ لضياع السنن وخفائها».

ومن مخاطر البدع أيها المؤمنون: أنها تنطوي على عقيدةٍ في نفوس أهل البدع؛ أنَّ في السنَّة نقصًا وعدم وفاء، وما أخطر ذلك، فإن الله -عز وجل- يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة:3].

ولهذا جاء عن الإمام مالك إمام دار الهجرة -رحمه الله تعالى- أنه قال: «من قال في الدين بدعة حسنة فقد زعم أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة، لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3]، فما لم يكن ديناً زمن محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فلن يكون اليوم ديناً إلى أن تقوم الساعة».

ومن أخطار البدع أنها توجِب التباس أمر الدين بين الناس، ولاسيما بين العوام وأشباههم؛ فيظن الناس من الدين ما ليس منه، وكذلك يظن المسيء أنه محسنًا، والله تعالى يقول: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾[الكهف:103-104].

ومن مخاطر البدع: أن صاحبها في الغالب لا يتوب منها، لأنه يعتقد أنها حق وصواب، ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله: «البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يُتاب منها والبدعة لا يتاب منها».

ومن مخاطر البدع العظيمة أنَّ البدع توجِب عقوبة الله -سبحانه وتعالى- والطرد يوم القيامة من الشرب من الحوض المورود؛ حوض نبينا المصطفى ورسولنا المجتبى صلوات الله وسلامه عليه. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " يُجَاءُ بِأَقْوَامٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي!! فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".

ومن أخطار البدع أيضا أنها موجبةٌ للتباغض والتدابر والفُرقة؛ ولهذا يقال «أهل السنة والجماعة»، ويقال «أهل البدعة والفرقة»؛ فإن السنَّة تجمع والبدعة تفرِّق، ولهذا قال أحد أهل العلم في معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- " لَا تَبَاغَضُوا": في ذلك نهيٌ عن البدعة؛ لأن وجودها يوجِد البِغضة.

أولى الناس بالابتعاد عن البدع


وإذا كان على كل مسلم في كل بلد من الدنيا أن يتقي البدع وأن يحذرها أشد الحذر، فإن هذا الأمر يتأكد على أهل المدينة تأكدًا أعظم من غيرهم؛ لأن المدينة مأرز الإيمان ومهبِط الوحي ومنطلق الدعوة.

ولهذا جاء في الصحيحين عن إبراهيم بن يزيد التيْمي عن أبيه قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان مما قال في خطبته قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا".

بعض صور البدع المعاصرة


لا شك أنه كلما ابتعد الناس عن زمان النبوة؛ تشعبت بهم السبل وفرقتهم الأهواء، فتحسُنُ عندهم البدعة، وتسري فيهم الخرافة، وتكثر فيهم البدع فيألفوها, وإن من هذه البدع المنتشرة في زماننا:

  • الاحتفال بالمولد النبوي؛ فالاحتفال بالمولد النبوي بدعة منكرة، لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان, وأول من أحدثها العبيديون الرافضة في القرن الرابع الهجري, وإن ادعى من يفعلها محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بفعلها, فمحبته -صلى الله عليه وسلم- إنما تكون باتباع سنته واقتفاء أثره, ولا تكون بفعل المحدثات والبدع, التي جاء التحذير منها والوعيد في فعلها.
    وإن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- هم أحب الناس (أشد الناس حبًّا) لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحرص الأمة على الخير، ولم يقوموا بهذا العمل, بل ولم يؤثر عن أحدهم أنه أشار إليه لا من قريب ولا من بعيد, وقد علم الصحابة يوم مولده -صلى الله عليه وسلم-, وكانوا يعظمون نبيهم تعظيمًا شديدًا نابعًا عن محبة عظيمة, قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : "مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحَمَّدًا"، وروى البخاري عن عروة بن الزبير قال : "وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ, وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحَمَّدًا".

    هؤلاء الصحابة، مع شدة حبهم وتعظيمهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يبتدعوا مثل هذه الموالد, لا في حياته ولا بعد مماته, أترى المبتدعة يزعمون أنهم أشد حبًّا لرسول الله من أصحابه؟ أم أنهم أهدى منهم سبيلًا؟ أم علموا شيئًا من الخير جهله الصحابة ولم يعلموه؟!
    وهذا الخير الذي يزعم من يبتدعه فعله محبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم -, مع كونه من البدع في الدين فلا يخلو من المنكرات والمحرمات, فالقصائد والمدائح التي يتغنى بها أهل المولد لا تخلو من ألفاظ الغلو في النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يصل إلى حد الشرك؛ بالاستغاثة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-, أو نسبة صفات لرسول الله لا تليق إلا بالله تعالى.

    وتبتذل المساجد بما يحصل فيها من الرقص والغناء, وربما أدخلوا آلات اللهو والطرب فضربوا داخلها الدفوف والطبول وتعالت فيها أصوات المزامير, فهل يقر ذلك عاقل؟! فضلًا أن يزعم شخصٌ أن ذلك عبادة وخير يقربه إلى الله القائل: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46].

  • ومن صور البدع المعاصرة: الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وهي من البدع المنتشرة، يتخذها أهل البدع عيدًا يحتفلون بها, ويخصونها بشيءٍ من الذكر والطاعة لم يرد في الشرع، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها, ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها, ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت".

    لم يثبت أن الإسراء والمعراج كان في السابع والعشرين من رجب, بل إنه مختلف في تعيينها: هل هو في رجب أو غيره؟ قال الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله-: "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها, وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أهل العلم بالحديث, ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه - رضي الله عنهم - لم يحتفلوا بها, ولم يخصوها بشيء, ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعًا لبينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأمة إما بالقول أو الفعل.

    ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر, ولنقله الصحابة -رضي الله عنهم- إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- كل شيء تحتاجه الأمة, ولم يفرطوا في شيء من الدين, بل هم السابقون إلى كل خير؛ فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه, والنبي هو أنصح الناس للناس, وقد بلَّغ الرسالة غاية البلاغ, وأدى الأمانة, فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام؛ لم يغفله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكتمه, فلما لم يقع شيء من ذلك، علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء".

  • ومن البدع -أيضا- الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وذلك بالاجتماع في ليلتها في المساجد، يقرؤون أذكارًا معينة بصوت جماعي, أو يصلون صلاة خاصةً بها, ويوردون في فضلها أحاديث ضعيفة لم تصح؛ فليلة النصف من شعبان لم يثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- شيء في تعظيمها أو إحيائها أو الاجتماع على الذكر فيها, قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن ذلك - أي من الأحاديث الضعيفة - أحاديث ليلة النصف من شعبان، كحديث: "من صلى ليلة النصف من شعبان مئة ركعة بألف: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة؛ ثم قال: "والعجب ممن يشم رائحة العلم بالسُنن ثم يغتر بمثل هذا الهذيان".

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية