حكم سب الصحابة

حكم سب الصحابة

حكم من سب الصحابة رضي الله عنهم


النهي عن انتهاك حرمة الصحابة


إنَّ الله جل في علاه كرم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل لهم عنده مكانة وعظمة، فلذلك حرَّج أيما تحريج، وأغلظ أيما إغلاظ في النهي عن انتهاك حرمة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».

وقد قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فما بالكم بمن يأتي بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال بعض العلماء: يوم من أيام معاوية كتب فيه الوحي أو رأى فيه وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته أجمعين.

وقال أبو زرعة كلاماً في حق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب بماء الذهب بل بماء العين، وفيه نبراس للفرق بين الصف المؤمن والصف المنافق.

قال رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي -وأحداً نكرة في سياق الشرط تفيد العموم، أي أحد صغيراً أو كبيراً- فاعلم أنه زنديق؛ لأن علامة الزندقة الولوغ في أعراض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، والقرآن حق وما جاء به حق، وإنما نقل إلينا ذلك كله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد نقلوا إلينا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن وأفعاله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يريدون أن يطعنوا في شهودنا ليبطلوا كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجرحوا شهودنا، والجرح بهم أولى وهم زنادقة.

إذاً: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وأشهره بين الناس أنه على زندقة؛ لأنه تجرأ على عرض من أعراض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم من سب الصحابة برميهم بالكفر


لا يجوز سب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم لما بيَّن الله ورسوله من عدالتهم، والسب ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: السب في الدين كمن كفر الصحابة جميعاً إلا بضعة عشر، أي: ثلاثة عشر أو أربعة عشر نفراً هم الذين بقوا على الإسلام، وارتد الباقي، فمن قال بذلك أو لعنهم أو كفّر أبا بكر أو عمر أو لعنهما، فهذا كافر كفراً أكبر يخرج من الملة، ومن لم يكفره فهو كافر؛ لأنه رضي بالكفر ومن رضي بالكفر كمرتكبه ومن شك في كفره فهو كافر، وهذه هي المراحل الثلاث، والدلالة على ذلك من الكتاب والسنة فيما يلي: أولاً: من سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دينهم ولعنهم، أو كفرهم عن بكرة أبيهم آحاداً وأفراداً فهذا كفره من وجهين: الوجه الأول: تكذيب لله ورسوله، ومن كذب الله ورسوله فقد كفر، فقد عدَّل الله الصحابة من فوق سبع سموات، قال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح:١٨].

وقال أيضاً: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[التوبة:١٠٠].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» وقال أيضاً: «لا يا عمر! لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

فهذه كلها أدلة على عدالة صحابة رسول الله من كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم.

أما الوجه الثاني: أنه يدخل تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما» وهذا له تأويل عند الجماهير أي: فقد باء بوزره، أو باء بهذه الكبيرة، لكن في سب الصحابة ينطبق هذا الحديث على ظاهره، فمن قال لـ أبي بكر: يا كافر، فقد كفر، ومن قال لـ عمر: يا كافر، فقد كفر، ومن قال لـ عائشة: يا كافرة، فقد كفر، ومن قال لـ عثمان أو لـ علي: يا كافر، فقد كفر : «ومن قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما»، وفي الرواية الأخرى قال: «إن كان كذلك وإلا حارت» أي: رجعت عليه.

أما الأقوى من ذلك: فمن لم يكفر من كفر الصحابة فهو كافر؛ لأن الراضي بالمنكر كمرتكبه، وهذا الرضا الذي يظهر لنا عنده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه لا بد من الإنكار بالقلب، والإنكار بالقلب: ألا تبقى بالمكان الذي يسب فيه صحابة رسول الله، أما أن تضحك، وتقر بذلك، ولا ترد عليهم، وتجالسهم فأنت ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء:١٤٠]، والمثلية هنا على حالاتها التي فندها العلماء.

وأيضاً: من شك في كفره فقد كفر؛ لأنه يشك في كفر من كذب الله، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، فمن شك في كفر من يكذب الله جل في علاه فقد كفر؛ لأن هذا من باب المعلوم من الدين بالضرورة.

حكم من سب الصحابة باللعن والتقبيح


أما القسم الثاني: وهو أن يسبهم ويلعنهم بالتقبيح لكن لا يتهمهم بالكفر، كأن يقول: لعنة الله على ذلك الصعلوك وهو يقصد بذلك -والعياذ بالله- قول النبي صلى الله عليه وسلم (أما معاوية فصعلوك)، فمن لعن الصحابة أو سبهم فهل يكفر أم لا؟ قولان عند أهل العلم: القول الأول: أنه يكفر، فيخرج من الملة لعظم مكانة صحابة رسول الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والقول الثاني وهو قول جماهير أهل العلم: إنه يستحق التفسيق والتأديب والتعزير والتبديع بذلك، لكنه لا يكفر، والتعزير يكون من قبل ولي الأمر.

وتفصيل القولين فيما يلي: القول الأول: يكفر، فما هي وجهة الكفر هنا؟ فهم ما كفروهم بل سبوهم فقالوا: أبوه كذا وأمه كذا، وهو كذا، أو لعنة الله على فلان وفلان وأبيه وأمه، وهذا فيه تكذيب لله، الذي أنزل عدالتهم وهم لا يعدلونهم، فهؤلاء ما طعنوا فيهم، بل دعوا عليهم بالشر، ونحو: اللهم أهلكهم، اللهم اطردهم من رحمتك، وهذا هو الكفر باللازم، فالقاعدة عند أهل السنة والجماعة أن لازم القول ليس بقول، فلا يحكم على صاحبه بالكفر حتى يقر هو به.

ووجهة نظر الذين كفروهم هي: أن من سب صحابة رسول الله فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله فقد كفر، قال: «فبحبي أحبوهم وببغضي أبغضوهم»

فالنبي صلى الله عليه وسلم بين كثيراً النهي عن عدم إيذاءه في أصحابه فقال: «لا تسبوا أصحابي» وعند ما قال لـ عمر: «هلا تركتم لي صاحبي، لا تؤذوني في أصحابي» فهذا إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم بطريق لازم القول، وقد قيل: لا تسأل عن المرء، وسل عن خليله، فكيف يصاحب النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً ملعوناً؟ فلعن الصحابة أو سبهم إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم بل انتقاص من قدره صلى الله عليه وسلم من باب اللزوم.

ولازم القول ليس بقول حتى يقر به، فمن لعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى رسول الله وانتقص من قدره صلى الله عليه وسلم، ولازم هذا القول يعتبر قولاً إن أقروا به، فإن لم يقصدوا إيذاء رسول الله، ولا الانتقاص من قدره، فيعتبر هذا فسقاً، وصاحبه على شفير هلكة.

وهذا هو الراجح الصحيح.

حكم من سب الصحابة بالتنقص لهم


القسم الثالث: هو أن يسبهم بالتقبيح فقط، كأن يقول: يأكلون كثيراً ويشربون كثيراً، أو يقول مثلاً: إنهم ينامون كثيراً ويحبون النساء بمثل هذه الكلمات التي تحدث نقصاً في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بالإجماع لا يكفر، لكنه على شفير هلكه، بل هو فاسق؛ لأنه لم يعرف لأهل الفضل فضلهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر! لا يعرف لأهل الفضل فضلهم إلا أهل الفضل».

المرجع :

لا تنس ذكر الله
الله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية