التوبة الى الله

التوبة الى الله

التوبة ال الله ( باب التوبة مفتوح )


مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد : لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتوبة إليه ، والاستغفار من ذنوبنا ، في آيات كثيرة من كتابه الكريم ، وسمى ووصف نفسه بالغفار ، وغافر الذنب ، وذي المغفرة ، وأثنى جل جلاله على المستغفرين ووعدهم بجزيل الثواب ، وكل ذلك يدلنا على أهمية التوبة ، وحاجتنا إلى التحدث عن موضوع التوبة حاجة ماسة ، بل إن ضرورتنا إليها ملحة ؛ فنحن نذنب كثيراً ، ونفرط في جنب الله ليلاً ونهاراً ، فنحتاج إلى ما يصقل القلوب ، وينقيها من رين الذنوب.

ثم إن كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون كما أخبر الرسول ﷺ ؛ فالتوبة تجب ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، يغفر الذنب ويمحو الله الخطايا لمن طلبها وسعى إليها ، مصداقا لقوله تبارك وتعالى : ﴿وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهتَدى﴾ [طه: ٨٢]

قال السعدي رحمه الله : " ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي ، فلهذا قال : ( وإني لغفار ) أي : كثير المغفرة والرحمة ، لمن تاب من الكفر والبدعة والفسوق ، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وعمل صالحا من أعمال القلب والبدن ، وأقوال اللسان . ( ثم اهتدى ) أي : سلك الصراط المستقيم ، وتابع الرسول الكريم ، واقتدى بالدين القويم ، فهذا يغفر الله أوزاره ، ويعفو عما تقدم من ذنبه وإصراره ، لأنه أتى بالسبب الأكبر ، للمغفرة والرحمة ، بل الأسباب كلها منحصرة في هذه الأشياء فإن التوبة تجب ما قبلها ، والإيمان والإسلام يهدم ما قبله ، والعمل الصالح الذي هو الحسنات ، يذهب السيئات ، وسلوك طرق الهداية بجميع أنواعها ، من تعلم علم ، وتدبر آية أو حديث ، حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به ، ودعوة إلى دين الحق ، ورد بدعة أو كفر أو ضلالة ، وجهاد ، وهجرة ، وغير ذلك من جزئيات الهداية ، كلها مكفرات للذنوب محصلات لغاية المطلوب".

أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة فقال عز وجل : ﴿... وَتوبوا إِلَى اللَّهِ جَميعًا أَيُّهَ المُؤمِنونَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [النور: ٣١]
، ووعد بالقبول عليها ، فقال عز وجل : ﴿وَهُوَ الَّذي يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبادِهِ وَيَعفو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعلَمُ ما تَفعَلونَ﴾ [الشورى: ٢٥].

وقال النبي ﷺ فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : « يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ »

( إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ )

يتودد سبحانه في خطابه للعاصين ، منادياً إياهم سبحانه : « يا عبادي » ، « فاستغفروني أغفر لكم » ، وأي كرم هذا ؟ يدلهم على طريق المغفرة ليغفر لهم ، سبحانه من كريم ، سبحانه من لطيف ، سبحانه من رحيم ، أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ، ومن كرمه أن جعل للعصاة المذنبين المعتدين باب التوبة مفتوح أمامهم ، لا يغلق دونهم ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو ما لم تغرغر الروح ، فالله سبحانه وتعالى يحب أن يسأله العباد ويستغفرونه.

باب التوبة مفتوح

لقد فتح الله سبحانه وتعالى – بجوده وكرمه – باب التوبة ؛ وأمر عباده بها ، وحض عليها ، ووعد بقبولها ، سواء كانت من الكفار أو المشركين ، أو المنافقين أو المرتدين ، أو الطغاة ، أو الملاحدة ، أو الظالمين ، أو العصاة المقصرين ؛ وما ذاك إلا لعظيم جوده وكرمه جل جلاله . فمهما بلغت الذنوب وقبحت ، ومهما أسرف العبد وأذنب ؛ فإن رحمة الله تسعه ، ومغفرة الله تشمله ، سبحانه من رب كريم غفار رحيم ، قابل التوبة غافر الذنب ، غفور رحيم.
بين سبحانه بعض المسائل عن التوبة في كتابه وفي سنة نبيه ﷺ منها :

١-أن الله عزوجل أمر بالتوبة : قال تبارك وتعالى: ﴿وَأَنيبوا إِلى رَبِّكُم وَأَسلِموا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذابُ ثُمَّ لا تُنصَرونَ﴾ [الزمر: ٥٤]

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : " أي : ارجعوا إلى الله واستسلموا له ، ﴿مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذابُ ثُمَّ لا تُنصَرونَ﴾ أي : بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة ".

٢- أن الله وعد بقبول التوبة مهما عظمت الذنوب : قال سبحانه وتعالى : ﴿وَهُوَ الَّذي يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبادِهِ وَيَعفو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعلَمُ ما تَفعَلونَ﴾ [الشورى: ٢٥] ، وقال سبحانه وتعالى : ﴿وَمَن يَعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفورًا رَحيمًا﴾ [النساء: ١١٠]، وقال عزوجل في حق المنافقين : ﴿إِنَّ المُنافِقينَ فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُم نَصيرًا۝إِلَّا الَّذينَ تابوا وَأَصلَحوا وَاعتَصَموا بِاللَّهِ وَأَخلَصوا دينَهُم لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ المُؤمِنينَ وَسَوفَ يُؤتِ اللَّهُ المُؤمِنينَ أَجرًا عَظيمًا﴾ [النساء: ١٤٥-١٤٦]

وقال في شأن النصارى : ﴿لَقَد كَفَرَ الَّذينَ قالوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِن إِلهٍ إِلّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِن لَم يَنتَهوا عَمّا يَقولونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذينَ كَفَروا مِنهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [المائدة: ٧٣]

ثم قال جل جلاله داعياً لهم إلى التوبة : ﴿أَفَلا يَتوبونَ إِلَى اللَّهِ وَيَستَغفِرونَهُ وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤]

وقال تبارك وتعالى في حق أصحاب الأخدود الذين خدوا الأخاديد لتعذيب المؤمنين وتحريقهم بالنار : ﴿إِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ثُمَّ لَم يَتوبوا فَلَهُم عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذابُ الحَريقِ﴾ [البروج: ١٠]

قال الحسن البصري رحمه الله : " انظروا إلى هذا الكرم والجود ، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة "

٣- أن الله حذر من القنوط من رحمته : قال سبحانه وتعالى : ﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]

قال ابن كثير رحمه الله : " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما – في هذه الآية- قال : قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله ، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله ، ومن زعم أن عزيزا ابن الله ، ومن زعم أن الله فقير ، ومن زعم أن يد الله مغلولة ، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة ، يقول الله تعالى لهؤلاء: ﴿أَفَلا يَتوبونَ إِلَى اللَّهِ وَيَستَغفِرونَهُ وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤]

٤- أن الله يبسط يده بالليل ؛ ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ؛ ليتوب مسيء الليل : قال النبي ﷺ : « إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها »رواه مسلم في صحيحه.

٥- أن الله رتب الثواب الجزيل على التوبة ووعد من تاب بالخير الكثير : فبالتوبة والاستغفار تستنزل الرحمات ، وتبارك الأرزاق ، وتكثر الخيرات ، ويعطي الله الأموال والبنين ، ويغفر الذنب ، ويمنح القوة والسداد والرشاد يقول الرب جل جلاله : ﴿فَقُلتُ استَغفِروا رَبَّكُم إِنَّهُ كانَ غَفّارًا۝يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا۝وَيُمدِدكُم بِأَموالٍ وَبَنينَ وَيَجعَل لَكُم جَنّاتٍ وَيَجعَل لَكُم أَنهارًا﴾ [نوح: ١٠-١٢]

، وقال سبحانه وتعالى : ﴿وَيا قَومِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمينَ﴾ [هود: ٥٢]

فالله عفـو غـفـور تـواب ، يقبل التوبة ويغفر الذنب ، يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، فضلاً منه سبحانه وإحسانا ؛ يعصي المخلوق الخالق ويدله الله على طريق المغفرة ليغفر له . ثم إن التوبة في الإسلام ليست بالطريق الوعر ، بحيث لا يصل إليها مريدها إلا بعد تعب ومشقة ، أو اعتراف أمام أحـد غير الله سبحانه وتعالى كمـا هـي عنـد بعـض الأديان ، بل إنها سهلة وميسرة ، فبابها مفتوح في كل لحظة ، يطرقه من يشاء ليتطهر من ذنبه ، فليس بين المذنب وبين ربه وسيط مهما أسرف على نفسه ؛ قال عز وجل : ﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]

فمن أرد الرجوع إلى الطريق المستقيم فما عليه إلا أن يبادر بالتوبة ويقلع عن الذنوب من قبل أن يأتي يوم يحال فيه بينه وبينها ، فيتحسر على ما فرط ، ويندم ولات ساعة مندم ؛ فالمسلم يبادر ولا يتوانى عن التوبة ، ويلحقها بالإيمان والهدى والعمل الصالح ، عل الله يقبـل عثرته ، ويغفـر ذنبه ، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : ﴿وَإِنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهتَدى﴾ [طه: ٨٢]

والله يفرح بتوبة عبـده مـع غنـاه عنهـا ، فـعـن عبـد الله بن مسعود رضي الله عنه عـن النــي ﷺ قال : « لله أفرح بتوبة عبده مـن رجـل نـزل منزلا وبه مهلكة ، ومعه راحلته ، عليها طعامه وشرابه ، فوضع رأسه فنام نومة ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته ، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله ، قال : أرجع إلى مكاني ، فرجع فنام نومة ، ثم رفع رأسه ، فإذا راحلته عنده ».


والعجيب كل العجب أن من العصاة من هم يعرفون الله ويعصونه! يعصون الله على مرأى من الله ومسمع وهـم يعلمـون بـل يحفظون في قلوبهم قبـل ألسـتهـم قـول الله عزوجل : ﴿أَلَم يَعلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرى﴾ [العلق: ١٤]

قال الفضيل بن عياض رحمه الله : " العجـب كـل العـجـب لمـن عـرف الله ثم عصاه بعد المعرفة "
بادروا بالتوبة قبل فوات الأوان ، وتقربوا إلى الملك الديان قبل أن يأتي هازم اللذات ، ويتحسر الإنسان على فوات الأوان ، فتوبوا إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي ، كبيرها وصغيرها ، والتوبة الحقيقية من المعاصي تكون بتركها والابتعاد عنها ، مع الندم على فعلها ، والعزم على عدم الرجوع إليها ، وليست التوبة تكون فقط باللسان كما هي حال أغلب الناس ، ما أكثر من يتوب لكن توبة الكذابين ، توبة الكذابين هم الذين يتركون الذنوب لفترة مؤقتة لسبب ما ، فإذا جاءتهم الفرصة رجعوا إلى معاصيهم ، أو الذين يقولون أستغفر الله باللسان وهم مصرين على الذنوب ، كما قال القاضي عياض ، وغيره ، هذه توبة الكذابين ، فالاستغفار بلا توبة لا يوجب الغفران بل توجب الخسران.

التوبة واجبة على الفور ، قال النووي رحمه الله : " قال العلماء : التوبة واجبة من كل ذنب، والتوبة الحقيقية هي التوبة النصوح ، وهذه هي التوبة التي سماها الله عزوجل في القرآن الكريم بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا توبوا إِلَى اللَّهِ تَوبَةً نَصوحًا عَسى رَبُّكُم أَن يُكَفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدخِلَكُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ....﴾ [التحريم: ٨]

شروط التوبة

قال النووي رحمه الله : " قال العلماء : التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي ، فلها ثلاثة شروط :
أحدها : أن يقلع عن المعصية ، والثاني : أن يندم على فعلها ، والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.

وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها.

ويجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب ، وبقي عليه الباقي ".

فإذا أتى التائب بتلك الشروط تقبل توبته ، ويغفر ذنبه ، وقد يبدله الله سيئاته حسنات ، سيئاته كلها حسنات إن صدق من الله ، حتى وإن كانت من أكبر الكبائر ، حتى من الشرك والسحر والزنى ، وإن كانت من قتل النفس ، بل وإن قتل أنفس كثبيرة يغفر الله سبحانه وتعالى له إن صدق عبده . عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله ﷺ قال : «كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ علَى راهِبٍ، فأتاهُ فقالَ: إنَّه قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ به مِئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ علَى رَجُلٍ عالِمٍ، فقالَ: إنَّه قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومَن يَحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ، فانْطَلَقَ حتَّى إذا نَصَفَ الطَّرِيقَ أتاهُ المَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ، فقالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جاءَ تائِبًا مُقْبِلًا بقَلْبِهِ إلى اللهِ، وقالَتْ مَلائِكَةُ العَذابِ: إنَّه لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فأتاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بيْنَهُمْ، فقالَ: قِيسُوا ما بيْنَ الأرْضَيْنِ، فَإِلَى أيَّتِهِما كانَ أدْنَى فَهو له، فَقاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أدْنَى إلى الأرْضِ الَّتي أرادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ».رواه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه

قال النووي رحمه الله : " قال العلماء في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين ومن يقتدي بهم وينتفع بصحبتهم وتتأكد بذلك توبته ". شرح النووي على مسلم

فالصحبة السيئة سبب صارف عـن كـل خير ، وهناك صـوارف أخرى عن التوبة ترجع لعدة أسباب فمنها :

الأسباب الصارفة عن التوبة

أولاً : اعتماد العبد على سعة رحمة الله وكرمه وعفوه
حتى إن بعض المذنبين من الناس إن كلمته ناصحا أو زاجرا له عن الآثام رد عليك بأن رحمة الله واسعة ، وغفرانه يسع الذنوب كلها ، ويشير إلى قلبه ويقول التقوى ها هنا ! ونسي هذا المسكين أن الله عز وجل كما أنه واسع المغفرة ؛ فهو تبارك وتعالى شديد العقاب ، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، ومن ما رمی إليه الحسن البصري اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند المكابر . نسي هذا المسكين أن القلب إذا صلح صدقته الجوارح ، وهذا هو رحمه الله من قوله : " ليس الإيمان بالتمني ولا بالتخلي ، ولكن بما وقر في القلب وصدقة العمل " ( شرح العقيدة الأصفهانية ) .

وقال ابن رجب رحمه الله : " من استقام ظاهره مع باطنه ؛ ختم له بالإيمان ". مذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان : أن الإيمان قول باللسان وتصـديق بالقلب وعمل بالجوارح ، وأنه يزيد وينقص . قال الآجري رحمه الله : " باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمنا إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث " ( الشريعة للآجري ) .

ثانياً : التسويف والاغترار بالأماني
قد حذر الله من ذلك في غير ما آية من كتابه الكريم ، كما قال جل وعلا : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تُلهِكُم أَموالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَمَن يَفعَل ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ﴾ [المنافقون: ٩]

التوبة إلى الله عزوجل من جميع الذنوب واجبة على كل مكلف كل لحظة ، قال سبحانه وتعالى : ﴿.... وَتوبوا إِلَى اللَّهِ جَميعًا أَيُّهَ المُؤمِنونَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [النور: ٣١]

فمن الناس من يدرك خطأه ، ويعلم حرمة ما يقع فيه ، ولكنه يؤجل التوبة ، ويسوف فيها ؛ فمنهم من يؤخرها إلى ما بعد الزواج ، أو التخرج ، ومنهم من يؤجلها ريثما تتقدم به السن ، إلى غير ذلك من دواعي التأجيل . وهذا خطأ عظيم ؛ لأن التوبة واجبة على الفور ؛ فأوامر الله ورسوله ﷺ على الفور ما لم يقم دليل على جواز تأخيرها ، بل إن تأخير التوبة ذنب يجب أن يستغفر منه . وقال ابن القيم رحمه الله : " المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ، ولا يجوز تأخيرها ، فمتى أخرها عصى بالتأخير ، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى ، وهي توبته من تأخير التوبة ، وقل أن تخطر هذه ببال التائب ، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر ، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة " (مدارج السالكين).

أخرج ابن أبي الدنيا رحمه الله عن عكرمة رحمه الله في قوله سبحانه وتعالى : « ويقذفون بالغيب من مكان بعيد » قال : " إذا قيل لهم : توبوا ، قالوا : سوف " ( قصر الأمل لإبن أبي الدنيا ) . فعلى العبد أن يعجل بالتوبة ؛ لوجوب ذلك ؛ ولئلا تصير المعاصي راناً على قلبه ، وطبعاً لا يقبل المحو ، أو أن تعاجله المنية مصراً على ذنبه . ثم إن ترك المبادرة للتوبة سبب لفعـل ذنـوب أخرى ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : « إن المؤمن إذا أذنب ، كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ، فإن زاد زادت ، فذلك الزان الذي ذكره الله في كتابه : « كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون » ( رواه أحمد).

فكثرة الذنوب تقسي القلب وتسود القلب ، الذنوب تترك في القلب أثر ، نقطة سوداء من المعصية ، فكثرة الذنوب والمعاصي تحول القلب إلى السواد الخالص نسأل الله السلامة والعافية ، لكن من فضل الله أن التوبة تحلوا هذا السواد وتزيل أثر الذنوب والمعاصي ، فلماذا التأخير لأن الإنسان لا يدري متى يفجعه الموت فيجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل من كل ذنب ، العاقل لا يؤخر التوبة فربما لا يدركها عقوبة له.

قال ابن الجوزي رحمه الله : " يا بطال إلى كم تؤخر التوبة وما أنت في التأخير معذور ؟ إلى متى يقال عنك : مفتون مغرور ؟ يا مسكين ! قد انقضت أشهر الخير وأنت تعد الشهور ، أثرى مقبول أنت أم مطرود ؟ أثرى مواصل أنت أم مهجور ؟ أثرى تركب النجب ( جمع نجيب وهي الناقة الجيدة ) غدا أم أنت على وجهك مجرور ؟ أثرى من أهل الجحيم أنت أم من أرباب القصور ؟ " (بحر الدموع).

وقال رحمه الله : " ما هذه الغفلة وأنتم مستبصرون ؟ ما هذه الرقدة وأنتم مستيقظون ؟ كيف نسيتم الزاد وأنتم راحلون ؟ کم آب من قبلكم ألا تتفكرون ؟ أما رأيتم كيف نازلهم نازل المنون ؟ فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " ( رؤوس القوارير لابن الجوزي).

إن التسويف وتأجيل التوبة من أهم أسباب سوء الخاتمة ، كان بعض السلف يقول : " أنذركم سوف ، فإنها أكبر جنود إبليس " ( تلبيس ابليس لإبن الجوزي ) ، وما أكثرهم الذين كانوا غارقين في الشهوات والشبهات ، وهم قد أجلوا التوبة يوما بعد يوم ، حتى أتاهم ملك الموت فجأة ، فيصطرخون ويقول كل واحد منهم : ﴿حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ رَبِّ ارجِعونِ۝لَعَلّي أَعمَلُ صالِحًا فيما تَرَكتُ كَلّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِن وَرائِهِم بَرزَخٌ إِلى يَومِ يُبعَثونَ﴾ [المؤمنون: ٩٩-١٠٠]

فهؤلاء لما نزل بهم الموت بسبب تسوفيهم أغلق دونهم باب التوبة ، كما قال عز وجل : ﴿وَحيلَ بَينَهُم وَبَينَ ما يَشتَهونَ كَما فُعِلَ بِأَشياعِهِم مِن قَبلُ إِنَّهُم كانوا في شَكٍّ مُريبٍ﴾ [سبأ: ٥٤]

وقد حذر الله جل جلاله في كتابه عباده من التسويف في عدة آيات ؛ ليستعدوا للموت قبل نزوله بالتوبة والعمل الصالح قبل المفاجآت ، ملك الموت يأتي بلا استئذان ، لا يطرق الأبواب حتى نتهيأ لاستقباله ، بين الله لنا ذلك في كتابه ، قال عزوجل : ﴿وَأَنيبوا إِلى رَبِّكُم وَأَسلِموا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذابُ ثُمَّ لا تُنصَرونَ۝وَاتَّبِعوا أَحسَنَ ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذابُ بَغتَةً وَأَنتُم لا تَشعُرونَ۝أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتا عَلى ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السّاخِرينَ۝أَو تَقولَ لَو أَنَّ اللَّهَ هَداني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقينَ۝أَو تَقولَ حينَ تَرَى العَذابَ لَو أَنَّ لي كَرَّةً فَأَكونَ مِنَ المُحسِنينَ﴾ [الزمر: ٥٤-٥٨]

وقال عز وجل : ﴿وَأَنفِقوا مِن ما رَزَقناكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصّالِحينَ۝وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفسًا إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ [المنافقون: ١٠-١١]

فإياكم والتسويف فالعمر قصير ، والباقي منه هو يسير ، وإن الإنسان يموت على ما عاش عليه ، ويحشر على ما مات عليه ، فمن استقام في هذه الحياة الدنيا ، لختم له بخاتمة سعيدة ، ومن أصر وكابر وحارب ربه ، فسيكون مآله ما سمعنا الآن رب العالمين نسأل الله حسن الخاتمة ، نسأل الله أن يوفقنا إلى التوبة النصوحة قبل الممات ، وأن يوفقنـا للصالحات ولا يلهينا عن التوبة ولا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا.

ثالثاً : استصغار الذنب مما يسبب عدم الخوف من الله
انتشرت ظاهرة استصغار الذنوب بشكل مريع في هذا الزمن ، عن أنس رضي الله عنه قال : " إنكم لتعملـون أعمـالا ، هي أدق في أعيـنـكـم مـن الشـعر ، إن كنا لنعـدهـا علـى عـهـد النبي ﷺ من الموبقات " (رواه البخاري في صحيحه)

الله أكبر ، تلك الأعمال التي يراها الصحابة من المهلكات ، ويراها التابعون أصغر من الشعر وأدق منه : فما هو حالنا اليوم ؟ قال ابن عباس رضي الله عنها : « يا صاحب الذئب لا تأمن سوء عاقبته ، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته ، قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال – وأنت على الذنب – أعظم من الذنب ، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب ، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب ، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب ، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظـم مـن الذنب » ( الجواب الكافي)

انظروا إلى التساهل في الكبائر في هذه الأزمنة ؟ التبرج ، الاختلاط ، شرب الخمر والمخدرات ، أكل الربا وكثرة الزنا ، وأما الكذب والغيبة فحدث ولا حرج ، الكاسيات العاريات ما أكثرهم اليوم ؟ والمجاهرة بالذنوب والمعاصـي بـلا أدنى حيـاء مـن الله اليـوم ؟ أيـن هـؤلاء هـم مـن قـول رسـول الله ﷺ : « كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين ، و إنَّ من الجِهارِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا ثم يُصبِحُ و قد ستره اللهُ تعالى فيقولُ : عملتُ البارحةَ كذا و كذا ، و قد بات يسترُه ربُّه ، و يُصبِحُ يكشفُ سِترَ اللهِ عنه» (أخرجه البخاري ومسلم)

قال الصالحون : " لا تنظر إلى صغر الذنب وانظر إلى عظم من خالفت " ، فالمعصية الصغيرة هي معصية أيضاً الله عز وجل ، والتساهل بها يجعلها كبيرة عند الله ، لإصراره ، فلا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنها مرفوعاً : « لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار » ، ولكنه لا يثبت ( ضعيف الجامع الصغير للألباني).

ومن كرم رب العباد على العباد أن جعل لهم التوبة مفتوحة بعد كتابة الذنب إلى ما قبل حضور الأجل ، لكن مصيبة كثير من الناس أنهم يعصون الله بأنواع الذنوب ليلاً ونهاراً ، ولا يرجعون إليه بالتوبة ولاستغفار ، والحقيقة والواقع المرير أن كثير من الناس ابتلوا باستصغار الذنوب ، وأكثر منهم الذين ابتلوا بالكبائر وكأنها من المباحات والعياذ بالله.

والله لا نتألم اليوم على فعل الصغائر إنما على فعل الكبائر والمجاهرة بها ، كيف حال الناس اليوم مع الصلاة ؟ مع عمود الدين ؟ مع الركن الثاني من أركان الصلاة؟ تأخير الصلوات عن أوقاتها ، ترك الجماعات في المساجد ، الصلاة بلا خشوع ولا روح فيها ، النوم عن صلاة الفجر ، عدم الطمأنينة فيها ، بل وصل الأمر إلى ترك الصلاة بالكلية والعياذ بالله!

إنها الصلاة ، التي من حفظها وحافظ عليها فقد حفظ دينه ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ، بل من ترك صلاة مكتوبة متعمدا برأت منه ذمة الله.

ألم يعلم هؤلاء أن العهد الذي بين الإنسان وبين ربه الصلاة ؟ ألم يعلموا أنه من لا صلاة له فقد قطع صلته بربه!

ما أكثرهم الذين يتهاونون في الصلاة اليوم ، أو يؤخرو عن أوقاتها بلا عذر ، ما معنى شهادة أن لا إله إلا الله لرجـل تـؤخره تجارته ، أو وظيفته ، أو عمله ، أو منصبه ، أو اجتماعه عن الصلاة ، أو مباراة ، أو نوم بسبب السهر على الشاشات ومتابعة الأفلام والمسلسلات؟

اللهم سلم ، اللهم سلم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها ، فلننظر نحن الآن في صلاتنا ، هل هي تؤثر في حياتنا فنزداد بها طمأنينة وراحة ، أم أن حياتنا المؤثرة فيها فأصبحنا نصليها ولتخلص من همها ولنرتاح منها حتى نعود إلى حياتنا وملهياتها بأسرع وقت نستطيع ؟ لينظر كل واحد إلى حاله مع الصلاة ، لنقف وقفة تأمل مع الصلاة التي هي عماد الدين ، حتّى نقيمها كما يحب الله ويرضى ، في خشوع وخضوع وإقبال وإنابة ، نسأل الله أن يجعل الصلاة قرة أعيننا وقرة أعين ذرياتنا والمسلمين والمسلمات أجمعين.

رابعاً : الغفلة والانشغال بالدنيا والافتتان بها
يقـول الله سبحانه وتعالى لنـا في كتابه العزيز :﴿يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنيا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الغَرورُ﴾ [فاطر: ٥] ، هذه تذكرة لكل من انشغل بالدنيا عن الآخرة ، وحذر سبحانه وتعالى من الاغترار بها ، أو الركون إليها ؛ فقال عزوجل : ﴿يا قَومِ إِنَّما هذِهِ الحَياةُ الدُّنيا مَتاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دارُ القَرارِ﴾ [غافر: ٣٩] ، فالدنيا لیست دار قرار ولا استقرار ، وإنما هي دار تزود عبور ومع علم البعض بذلك إلا أنهم انشغلوا بها ، اشغلتهم دنياهم عن الآخرة.

قال رسول الله ﷺ : « فَوَاللَّهِ ما الفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ»( صحيح البخاري).

وهل التنافس الآن في هذه الأزمان على طلب العلم أم طلب الدنيا ؟ وهل التنافس على بناء قصور الجنة في الآخرة أم على بناء قصور في الدنيا ؟ هل التنافس الآن على جمع الحسنات أم على جمع المال؟

إن الرغبة في الآخرة لا تأتي إلا بالزهد في الدنيا ، والاستعداد ليوم المعاد ، قال عز وجل : ﴿المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦].

خلقنا فيها لعبادته وليس للافتنان بها ، يكفينا حالنا مع الجوالات الآن ، كم من ساعة يقضي الإنسان على جواله في اليوم؟

الله المستعان ، كم من الوقت يقضي الناس على شاشات التلفاز ؟ على الأخبـار والمباريات ؟ على المسلسلات ؟ أو في الأسواق والمقاهي والمطاعم وغيرهـا ؟ يقول الرسول ﷺ : «كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو كعابرِ سبيلٍ » ( صحيح متفق عليه ) ، هـل هـذا هـو حالنا ؟ والله نعيش فيها وكأننا سنعمر قروناً من طول الأمل ، الدنيا دار فناء ، ولم يجعلها دار بقاء.

يقول ابن القيم رحمه الله : " النّاس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين وليس لهم حط عن رحالهم إلا في الجنة أو النار " (الفوائد).

لا تبيعي النفيس بالرخيص ، الجنة سلعة الله الغالية ، الجنة مقر أولياء الله الطائعين ، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

نسأل الله الفردوس الأعلى ، ونسأل الله أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يخرجنا من هذه الدنيا وهو راض عنا ، وأن يجعل أوقاتنا في مراضيه.

تنبيهات مهمة قد تذهل عن البعض

أولاً : الغفلة عن التوبة مما لا يعلمه العبد من ذنوبه
فكثير من الناس لا تخطر بباله هذه التوبة ؛ فتراه يتوب من الذنوب التي يعلم أنه قد وقع فيها ، ولا يظن بعد ذلك أن عليه ذنوباً غيرها . وهذا من الأخطاء التي تقع في باب التوبة ، والتي قل من يتفطن لها ؛ فهناك ذنوب خفية ، وهناك ذنوب يجهل العبد أنها ذنوب . قال ابن القيم رحمه الله : " ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة ، ما يعلم من ذنوبه وما لا يعلم ، فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه ، ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكنا من العلم ، فإنه عاص بترك العلم والعمل ، فالمعصية في حقه أشد " (مدارج السالكين).

وجاء عن النبي ﷺ أنه كان يدعو في صلاته : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ. » (صحيح البخاري).

وفي الحديث الآخر : « اللَّهمَّ اغفِر لي ذنبي كُلَّهُ دِقَّهُ، وجِلَّهُ، وأوَّلَهُ وآخرَهُ وعلانيتَهُ وسِرَّهُ» (اسناده صحيح).

فهذا التعميم ، وهذا الشمول ؛ لتأتي التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه ، وما لم يعلمه.

ثانياً : ترك التوبة مخافة الرجوع للذنب
فمن الناس من يرغب في التوبة ، ولكنه لا يبادر إليها ؛ مخافة أن يعاود الذنب مرة أخرى . وهذا خطأ ؛ فعلى العبد أن يتوب إلى الله ، فلربما أدركه الأجل قبل أن يتوب . كما عليه أن يحسن ظنه بربه جل وعلا ، ويعلم أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه ، وأنه سبحانه وتعالى عند ظن عبده به.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : « يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي» ( أخرجه البخاري ومسلم).

ثم إن على التائب إذا عـاد إلى الذنب أن يجـدد التوبـة مـرة أخـرى وهكذا ، فعن أبي هريرة رض الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ، فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ» (صحيح مسلم).

قال النووي رحمه الله في معنى الحديث : " قوله عز وجل للذي تكرر ذنبه ( اعمل ما شئت فقد غفرت لك ) معناه : ما دمت تذنب ثم تتوب ؛ غفرت لك " (شرح صحيح مسلم)

ثالثاً : ترك التوبة خوفاً من لمز الناس
فمن الناس من تحدثه نفسه بالتوبة ، ولزوم الاستقامة ، ولكنه يخشى لمز بعض الناس ، وعيبهم إياه ، ووصمهم له بالتشدد والوسوسة ، ونحو ذلك مما يرمى به بعض من يستقيم على أمر الله ، حيث يرميه بعض الجهلة بذلك ؛ فيترك التوبة ؛ خوفاً من اللمز والعيب.

وهذا خطأ فادح ؛ إذ كيف يقدم خوف الناس على خوف رب الناس ؟ وكيف يؤثر الخلق على الحق ؟

فالله أحق أن يخشاه . ثم إن ما يرمى به إذا هو تاب إنما هو ابتلاء وامتحان ، ليمتحن أصادق هـو أم كاذب ؛ قال تبارك وتعالى : ﴿أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ۝وَلَقَد فَتَنَّا الَّذينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقوا وَلَيَعلَمَنَّ الكاذِبينَ﴾ [العنكبوت: ٢-٣] ، فإذا صبر في بداية الأمر هون الله عليه ، وهان عليه ما يقال له ، وإن حسنت توبته ، واستمر على الاستقامة أجله من يعيره ، بل ربما اقتدى به ، أضيفي إلى ذلك أن الإنسان سيذهب إلى قبره وحيداً ، وسيحشر إلى ربه وحيداً ؛ فماذا سينفعه فلان وفلان ممن يثبطونه؟

رابعاً : الاغترار بإمهال الله للمسيئين
فمن الناس من يسرف على نفسه بالمعاصي ؛ فإذا نصح عنها ، وحذر من عاقبتها قال : ما بالنا نرى أقواماً ملؤوا الأرض بمفاسدهم ، وظلمهم ، وقتلهم الأنفس بغير الحق ، وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه ، ومع ذلك نراهم وقد ذرت عليهم الأرزاق ويعيشون في رغد ونعيم؟

ولا ريب أن هذا القول لا يصدر إلا من جاهل بالله ، وبسننه عز وجل.

ويقال لهذا وأمثاله : الله عز وجل يعطي الدنيا لمن أحب ، ولمن لا يحب ؛ وهؤلاء المذكورون متبر ما هم فيه ، وباطل ما كانوا يعملون ؛ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ؛ فما الذي هم فيه من النعيم إلا استدراج ، وإمهال ، وإملاء من الله عز وجل حتى إذا أخذهم، أخذهم أخذ عزيز مقتدر.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ وكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ، إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ».(صحيح مسلم)

وعن عقبة بن عامر رض الله عنه عن النبي ﷺ قال : « إذا رأيتَ اللهَ يُعطي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ فإنما هو اسْتدراجٌ ثم تلا : " فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ » (إسناده قوي).

قال ابن الجوزي رحمه الله : " الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي ؛ فإن نارها تحت الرماد ، وربما تأخرت العقوبة ثم فجأت ، وربما جاءت مستعجلة " ( صيد الخاطر).

خامساً : التمادي في الذنوب اعتماداً على سعة رحمة الله
فمن الناس من يسرف في المعاصي ، فإذا زجر على ذلك قال : إن الله غفور رحيم ، لا شك هذا السفه ، ومن الجهل ، وغرور ؛ فرحمة الله قريب من المحسنين لا من المسيئين ، ولا من المفرطين المعاندين من المصرين.

ثم إن الله عزوجل مع عفوه وسعة رحمته ؛ شديد العقاب ، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، قال سبحانه وتعالى : ﴿نَبِّئ عِبادي أَنّي أَنَا الغَفورُ الرَّحيمُ۝وَأَنَّ عَذابي هُوَ العَذابُ الأَليمُ﴾ [الحجر: ٤٩-٥٠]

قال ابن القيم رحمه الله في شأن المتمادين في الذنوب اتكالاً على رحمة الله : " وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص من الرجاء ، واتكل عليها وتعلق بها بكلتا يديه وإذا عوتب على الخطايا والاسماك فيها ، سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء ، وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب ".(الجواب الكافي)

سادساً : اليأس من رحمة الله
فمن الناس من إذا أسرف على نفسه بالمعاصي ، أو تاب مرة أو أكثر فعاد إلى الذنب مرة أخرى ؛ أيس من رحمة الله ، وظن أنه ممن كتب عليهم الشقاوة ؛ فاستمر في الذنوب ، وترك التوبة إلى غير رجعة.

وهذا ذنب عظيم ، وقد يكون أعظم من مجرد الذنب الأول الذي ارتكبه ؛ لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ؛ فليجدد التوبة ، وليجاهد نفسه في ذات الله حتى يأتيه اليقين.

فمن ذا الذي أخبر هذا بأن الله لن يغفر لذلك العاصي ؟ ثم كم من الناس من تمادوا في الغي والإجرام ، حتى يظن أنهم يموتون على ذلك ، ثم يتداركهم الرحمن الرحيم بنفحة من نفحاته ، فإذا هم من الأبرار الأخيار.

فعن جندب رض الله عنه أن رسول الله ﷺ حدث : «أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، أوْ كما قالَ » ( صحيح مسلم ) . ومعنى ( يتألّى عليّ ) : أي : يقسم ويحلف.

سابعاً : الشماتة بالمبتلين
فمن الناس من إذا رأى مبتلى بمعصية من المعاصي ، أو رأى أبناء فلان من الناس قد أسرفوا على أنفسهم ؛ أخذ يشمت بهم ، وينتقصهم ، ويذمهم.

هذا من المحرمات ، من الغيبة المحرمة ، ومن تزكية النفس بذم الآخرين ، ويخشى على من كانت هذه حاله أن يبتلى بمثل ما ابتلي به من سخر منهم ، على المسلم أن يكون أرجى الناس للناس ، وأخوف الناس على نفسه ، وإذا رأى مبتلى أو سمع به أن يسأل ربه العافية ، وأن يحمده حيث عافاه.

قال ابن سيرين رحمه الله : " عيّرت رجلا بالإفلاس ، فأفلست " ( الآداب الشرعية لابن مفلح ) وقال آخر : " عبتُ شخصا قد ذهب بعض أسنانه ، فذهبت أسناني " ( الآداب الشرعية لابن مفلح).

قال ابن القيم رحمه الله : " تغييرك لأخيك بذنبه أعظم إنما من ذنبه وأشد من معصيته ، لما فيه من صولة الطاعة ، وتزكية النفس ، وشكرها ، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب " (مدارج السالكين).

الخاتمة

في الختام : لقد أعطانا الله سبحانه وتعالى الفرصة الواسعة في ما بقي لنا من عمر ، حتى نستعجل التوبة ولا نسوفها ؛ لأن الشيطان يعمل على جعل الإنسان يسوف التوبة ، فيقول له : غداً تتوب أو بعد غد أو بعد أن يمضي سن الشباب ، فإذا مضى من الشباب يدعوه إلى أن يؤخر التوبة إلى مرحلة الشيخوخة ، وهكذا يموت قبل أن يتوب.

أعطانا ربنـا عزوجل فرصـة لاستبدال السيئات بالحسنات ، فالتوبة إلى الله تقلـب السيئات حسنات ، قال عزوجل : ﴿إِلّا مَن تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا﴾ [الفرقان: ٧٠]

سئل ابن باز رحمه الله : كيف يكون التبديل المذكور في قوله تعالى : « فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات » ؟ فأجاب : " على ظاهره ، إذا تاب المؤمن من سيئاته وآمن وعمل صالحا جعل الله مكان كل سيئة حسنة ، فإذا كان عنده مئة سيئة وتاب منها ، أعطاه الله مكانها مئة حسنة ، بدل سيئاته حسنات : « إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات » ، فكل سيئة الله يعطي مكانها حسنة ؛ لتوبته منها ، أتى بالحسنة وهي التوبة ، فصارت محل السيئة " ( موقع الشيخ رحمه الله).

فيبغي للمسلم أن يجلس مع نفسه وينظر : هل أكل أو شرب من حرام ؟ هل نظر نظرة حرام ؟ هل تكلم بكلام حرام ؟ يستعرض كل ما فعله ، ثم يقول : يا رب إني تائب ، ويصدق في توبته.

كلنا نحتاج إلى توبة يمحو الله بها الخطايا وما اقترفناه في حق أنفسنا وحق غيرنا.

فلنبادر بالتوبة وفعل الخيرات ، ولنركب سفينة النجاة ، فمازال هناك متسـع مـن الـوقـت ، ولا يغلبنـا الشـيطان ويخــدعنا بأن معاصـيـنا كـثــــيرة ، فـالله غـفـور رحــيم ، يقبـل التوبـة فالتوبة لا يعظم أمامها معصية ولا حتى الإشراك بالله ، فالله أكبر على نعمه العظيمة.

ربنا آت أنفسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ؛ ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا اغفر وارحم ، وتجاوز عما أنت به أعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم ، وأنت أعلم وغيرك لا يعلم وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبته : هيفاء بنت عبدالله الرشيد
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية