التوبة الى الله سبحانه وتعالى

التوبة الى الله سبحانه وتعالى

التوبة الى الله سبحانه وتعالى


التوبة في القرآن والسنة

إن الله سبحانه وتعالى خلق بني آدم معرضًا للخطيئات ، وكذلك معرضًا للتقصير في الواجبات ، فضاعف الحسنات ، ولم يضاعف له السيئات ، قال الله تعالى : ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [الأنعام:١٦٠]

وقد جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي ﷺ قال : « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا ، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا ، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا ، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً »[ رواه البخاري ومسلم ] .

فشرع الله لكسب الحسنات ، طرقًا للخيرات ، وفرائض مكفرات للسيئات ، رافعة للدرجات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» [ رواه مسلم ]

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ : « أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا ، رَجَاءَ ثَوَابِهَا ، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ » قَالَ حَسَّانُ _ أحد رواة الحديث _ « فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ ، مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً » [ رواه البخاري ]

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الإِيمَانُ بِاللَّهِ ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ . قُلْتُ : أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَناً . قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ ؟ قَالَ : تُعِينُ صَانِعاً ، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ ؟ قَالَ : تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ » [ رواه البخاري ومسلم ]

وعَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لِيَ النَّبِيّ ﷺ : « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ » [ رواه مسلم ]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ : « إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا » [ رواه مسلم ]

وكما شرع الله كثرة أبواب الخير والحسنات ، سد أبواب الشر والمحرمات ؛ وحرم وسائل المعاصي والسيئات ، وكل ما يفضي إلى فعلها والوصول إليها ، ليثقل ميزان البر والخير ، ويخف ميزان الإثم والشر ، فيكون العبد من الفائزين المفلحين ، قال الله تعالى :6803 ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:٣٣]

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ » [رواه البخاري ومسلم]

وجماع الخير ، وملاك الأمر ، وسبب السعادة في الدنيا والآخرة ، التوبة إلى الله عز وجل ، قال الله تعالى : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ النور:٣١]

معنى التوبة

التوبة هي الرجوع إلى الله ، والإنابة إليه من فعل المحرم والإثم ، أو من ترك واجب ، أو تقصير فيه ، بصدق قلب ، وندم على ما كان .وقد أجمع علماء الأمة الإسلامية على وجوب التوبة ، قال القرطبي رحمه الله : "واتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين".

آن الأوان للتوبة

وقد آن الأوان للتوبة في عصر بَعُدَ فيه الكثير عن دين الله ، فاستصغروا الذنوب ، واستسهلوا أمرها ، وغفلوا عن تبعتها ، فلم يبالوا بما اقترفوه من ذنوب وآثام ، ولم يشعروا بالذنب ولا بتأنيب الضمير ، فعمّت المعاصي ، وانتشر الفساد .

عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَال : « إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً ، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُوبِقَاتِ» [ رواه أحمد ]

فإن كان هذا حالهم في ذلك الزمان، فما بالنا نحن في زماننا هذا؟

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : « إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلاً : كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاَةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِىءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِىءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَاداً _ أعواداً كثيرة _ فَأَجَّجُوا نَاراً ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا» [ رواه أحمد والطبراني من حديث ابن مسعود ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 2687 ]

فكذلك الذنوب إذا تكاثرت على العبد ، وأغرق نفسه في لججها وأهوالها ، فإنه ربما خُتم على قلبه والعياذ بالله ، فمات عليها ، فأهلك نفسه .

فضل التوبة النصوح

والتوبة النصوح يحفظ الله بها الأعمال الصالحة التي فعلها العبد ، ويكفر الله بها المعاصي التي وقعت ، ويدفع الله بها العقوبات النازلة والآتية ، قال تعالى : ﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس :٩٨]

فلا ينبغي أن ينظر المرء إلى صغر المعصية بل ينظر إلى عظمة من عصى، قال تعالى : ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ﴾ [الحجر:٥٠]

وقد روى ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية عن قتادة قال : " لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب فتركت إلا قوم يونس ؛ لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم قذف الله في قلوبهم التوبة ولبسوا المسوح ، وألهوا بين كل بهيمة وولدها _ أي فرقوا بينهما _ ثم عجوا إلى الله أربعين ليلة ؛ فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم " ، وقال تعالى : ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود:٣]

والتوبة واجبة على كل أحد من المسلمين ؛ فالواقع في كبيرة تجب عليه التوبة ، لئلا يبغته الموت وهو على المعصية ، والواقع في صغيرة تجب عليه التوبة ، لأن الإصرار على الصغيرة يكون من كبائر الذنوب ، والمؤدي للواجبات التارك للمحرمات تجب عليه التوبة أيضاً لما يلزم في العمل من الشروط ، ولما يلزم من انتفاء موانع قبوله ، وما يُخشى على العمل من الشوائب المُحذر منها كالرياء والسمعة .

فعن الأَغَرَّ _ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ _ يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ » [ رواه مسلم ]

والتوبة باب عظيم يتحقق به الحسنات الكثيرة العظيمة التي يحبها الله ؛ لأن العبد إذا أحدث لكل ذنب يقع فيه توبة ، كثرت حسناته ، ونقصت سيئاته ، قال الله تعالى في آياته وعظاته : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [الفرقان ٦٨-٧٠]

ثم اعلموا أيها الأخوة في الله ، أن سعة رحمة الله ، وعظيم فضله ، وحلمه وجوده وكرمه ؛ منة منه على عباده ، فهو سبحانه يقبل توبة التائبين ، ويقيل عثرة المذنبين ، ويرحم ضعف هذا الإنسان المسكين ، ويثيبه على التوبة ، ويفتح له أبواب الطهارة والخيرات ، عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا » [رواه مسلم]

والتوبة من أعظم العبادات وأحبها إلى الله تعالى ، من اتصف بها تحقق فلاحه ، وظهر في الأمور نجاحه ، قال تعالى : ﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [القصص:٦٧]

وكفا بفضل التوبة شرفاً ، فرح الرب بها فرحاً شديداً ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ، مِنْ أَحَدِكُمْ إِذَا اسْتَيْقَظَ عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فَلاَةٍ » [ رواه البخاري ومسلم ]

والتوبة من صفات النبيين عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين ، قال الله تعالى : ﴿ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ التوبة:١١٧] .

وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام : ﴿ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الأعراف:١٤٣] ، وقال تعالى عن داود عليه السلام : ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ ص :١٧] ، وقال تعالى : ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة :١١٢].

ألا ما أجل صفة التوبة التي بدأ الله بها هذه الصفات المُثلى من صفات الإيمان ، والتوبة تكون بالجوارح والقلب .

واليوم الذي يتوب الله فيه على العبد خير أيام العمر ، والساعة التي يفتح الله فيها لعبده باب التوبة ويرحمه بها أفضل ساعات الدهر ، لأنه قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً .

قد نزل بالمسلمين نوازل وزلازل ، وأصابتهم الفتن والمحن ، وإنه لا مخرج لهم من هذه المضايق وهذه الكربات إلا التوبة إلى الله والإنابة إليه ؛ فالتوبة واجبة على كل مسلم على وجه الأرض من الذنوب صغيرها وكبيرها ، ليرحمنا الله في الدنيا والآخرة ، ويكشف الشرور والكربات ، ويقينا عذابه الأليم ، وبطشه الشديد .

شروط التوبة

  • أن يقلع العبد عن المعصية فوراً .

  • أن يندم العبد على فعلها ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : « النَّدَمُ تَوْبَةٌ » [ رواه ابن ماجة عن ابن مسعود ، والطبراني من حديث أبي سعيد ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 6803 ] .

  • أن يعزم العبد على ألا يعود إليها .

  • أن يخلص العبد لله في توبته ، فمن أخلص لله قبل الله توبته ، ومحا خطيئته ، قال النبي ﷺ : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصاً وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ » [ رواه أبو داود والنسائي ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ] .

  • أن يصدق العبد مع الله ، فمن صدق الله ، صدقه الله عز وجل ، فالصدق ينجي من المهالك ، ولو كان في الظاهر أنه يودي بصاحبه إلى المهالك ، بل طريق إلى الجنة ، قال الله تعالى : ﴿ قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة:١١٩] ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : « إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً ». [ رواه البخاري ومسلم ]


وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي ، فلا بد مع هذه الشروط من شرط سادس وهو : أن يؤدي إليه حقه ، أو يستحله منه بالعفو عنه ، واحرص كل الحرص أن لا يبقى لإنسان عندك مظلمة في هذه الحياة الدنيا ، بل قبل ذلك احرص على ألا تظلم أحداً من خلق الله ، وإلا فستبوء بالخسارة يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة ، حيث هناك الحسنات والسيئات ، وهي رأس كل مسلم يوم القيامة ، إذ لا تنفع الأموال ولا العقارات ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ، قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي ، من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ». [ رواه مسلم ]

ويجب على من رغب في التوبة وخشي أن لا يغفر الله له أن يتأمل قوله تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر :٥٦]

فوائد التوبة

على العبد أن يتفكر في الفوائد التي سيجنيها من التوبة ، ومنها :

  • التوبة تمحو الذنوب ، فعن عبدالله بن مسعو رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ » [ رواه ابن ماجة عن ابن مسعود ، والطبراني من حديث أبي سعيد ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 3008 ] .

  • التوبة تبدل السيئات إلى حسنات ، قال تعالى : ﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [ الفرقان:٧٠] .

  • التوبة سبب في الفلاح في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : ﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [ القصص67 ] ، وقال سبحانه : ﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ [مريم:٦٠] .

والتوبة من جميع الذنوب واجبة ، وإن تاب من بعض الذنوب صحت توبته من ذلك الذنب ، وبقي عليه ما لم يتب منه ؛ فتوبوا إلى الله أيها المسلمون ، وأقبلوا إلى رب كريم ، أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ، وآتاكم من كل ما سألتموه ، ومد في آجالكم .

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية