الجود في رمضان

الجود في رمضان
الفئة: رمضانيات

الجود في رمضان


عظم جود النبي في رمضان


وَصَفَ الصَّحَابَةُ عِبَادَةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ، وَذَكَرُوا هَدْيَهُ فِيهِ، إِلَّا أَنَّهُمْ وَصَفُوا عِبَادَةً مِنَ العِبَادَاتِ بِوَصْفٍ عَجِيبٍ وَغَرِيبٍ، وَهِي عِبَادَةُ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ، فَعَلَى مَا عُرِفَ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جَمِيعِ السَّنَةِ مِنَ البَذْلِ وَالسَّخَاءِ وَالكَرَمِ، إِلَّا أَنَّهُمْ وَجَدُوهُ فِي رَمَضَانَ أَنْدَى كَفًّا وَأَعْظَمَ بَذْلًا؛ وَلِهَذَا وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الـمُرْسَلَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَمِنْ أَخَصِّهِ الجُودُ وَالبَذْلُ.

بَلْ إِنَّ الصَّدَقَةَ دَلِيلٌ عَلَى إِيـمَانِ العَبْدِ, قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ»، إِنَّـهَا رِقَّةُ القَلْبِ وَالرَّحْمَةُ الفَيَّاضَةُ الَّتِي تَدْفَعُ الـمُسْلِمَ لإِسْدَاءِ الـمَعْرُوفِ، وَإِغَاثَةِ الـمَلْهُوفِ، وَمُعَاوَنَةِ الـمُحْتَاجِ، وَالبِرِّ بِالفُقَرَاءِ وَالـمَسَاكِينِ، وَالعَطْفِ عَلَى الأَرَامِلِ، وَمَسْحِ دُمُوعِ اليَتَامَى، وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى نُفُوسِهِمْ, قَالَ -تَعَالَى-: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾[الحديد: 18].

أَيُّ حَافِزٍ لِلصَّدَقَةِ أَوْقَعُ وَأَعْمَقُ مِنْ شُعُورِ الـمُعْطِي بِأَنَّه يُقْرِضُ الغَنِيَّ الحَمِيدَ؟! وَأَنَّهُ يَتَعَامَلُ مَعَ مَالِكِ الـمُلْكِ، وَأَنَّ مَا يُنْفِقُهُ فَاللهُ يُخْلِفُهُ وَيُضَاعِفُهُ، وَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْرٌ كَرِيمٌ؟! قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[سبأ: 39]، قَالَ الـمُفَسِّرُونَ: "يُخْلِفُ عَلَيْكُمُ فِي الدُّنْيَا بَالبَدَلِ، وَفِي الآخِرَةِ بِالجَزَاءِ وَالثَّوَابِ"، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا عِنْدَ البُخَارِي وَمُسْلِم: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُـمْسِكًا تَلَفًا».

من فضل الصدقة


  • الصَّدَقَةُ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ وَالخَطَايَا, كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي صَحِيحِ البُخَارِي، قَالَ: قَالَ رُسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ"، إِذَا حُشِرَ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَاشْتَدَّ الكَرْبُ، وَدَنَتِ الشَّمْسُ مِنْ رُؤوسِ الخَلَائِقِ؛ فَإِنَّ الـمُتَصَدِّقِينَ يَتَفَيَّؤونَ ظِلَّ صَدَقَاتِهِمْ, كَمَا ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ"، وَذَكَرَ مِنْهُمْ: "وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا, حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ".

  • مِنْ فَضْلِ الصَّدَقَةِ: أَنَّـهَا تُرَبَّى لِصَاحِبِهَا حَتَّى تَكُونَ كَالجَبَلِ, كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ".

  • مِنْ فَضْلِ الصدقة: أَنَّـهَا تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ وَغَضَبَ الرَّبِّ, كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ الطَّوِيلِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ".

  • وَفِي الصَّدَقَةِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الـمَسَاكِينِ, وَمِنْ آَثَارِهَا العَجِيبَةِ فِي الدُّنْيَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ! مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ -لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ- فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ! لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟! قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ".

تُجَّارُ الـمُسْلِمِينَ البَاذِلُونَ، أَيَادِيهمْ مَشْهُودَةٌ وَمَذْكُورَةٌ، صَفَقَاتُـهُمْ مَعَ اللهِ رَابِحَةٌ وَعَظِيمَةٌ؛ لأَنَّ الصَّدَقَةُ تَدْفَعُ البَلَاءِ، وَتُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، وَتُزَيِّنُ القَلْبَ بِالإِيـمَانِ لِـمَنْ صَلحَتْ نِيَّتُهُ فِي نَفَقَتِهِ.

حث القرآن على الصدقة


إِنَّ الـمُتَأَمِّلَ لِنُصُوصِ القُرْآنِ لَيَجِد مِئَاتِ الـمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا الأَمْرُ بِالصَّدَقِةِ وَالحَثُ عَلَيْهَا، بَلْ وَيَتَنَوَّعُ الحَثُّ عَلَيْهَا، فَمَرَّةً بِالأَمْرِ بِـهَا، وَمَرَّةً بِذِكْرِ أَجْرَهَا: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ واللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 261], ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً واللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[البقرة: 245], وَمَرَّةً يَحُثُ عَلَيْهَا وَيَذُمُّ الَّذِينَ لَا يَبْذُلُونَ وَلَا يَنْفُقُونَ؛ كَمَا فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الجَنَّةِ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ واللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 268].

من صور النفقة في سبيل الله


إِنَّ مِنَ التَّوْفِيقِ أَنْ يَتَكَفَّلَ الـمُسْلِمُ بِنَفَقَاتِ مُعَلِّمِي القُرْآنِ، أَوْ بِعَمَارَةِ دُورٍ لَهُ، أَوْ بِبِنَاءِ الـمَسَاجِدِ، أَوْ بِسَدَادِ الدُّيُونِ، أَوْ بَدَفْعِ الدِّيَةِ وَفَكِّ الرَّقَبَةِ، أَوْ بِالتَّكَفُّلِ بِعِلَاجِ الـمَرْضَى، أَوْ بِدَفْعِ إِيجَارِ البُيُوتِ، أَوْ بِسَدَادِ دُيُونِ الـمَسَاجِينِ، أَوْ تَزْوِيجِ الأَيَامَى، وَنَحْوِهَا مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ.

وَلْيَعْلَم البَاذِلُ أَنَّ أَلْسِنَةَ النَّاسِ تَلْهَجُ مِنْ وَرَائِهِ بِالدُّعَاءِ لَهُ، فَهُمْ يَحُوطُونَهُ بِدُعَائِهِمْ وَشَفَاعَتِهِمْ، الصَّغِيرُ وَالكَبِيرُ، وَالـمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ، مَنْ يَعْرفُكَ وَمَنْ لَا يَعْرفُكَ، فَهَنِيئًا لِكُلِّ مَنْ سَخَّرَ مَالَهُ لِلْخَيْرِ، هَنِيئًا لِـمَنْ بَذَلَ هَذَا الـمَحْبُوبَ وَجَاهَدَ نَفْسَهُ، فَوَاللهِ إِنَّ فَرَحَهُ بِأَجْرِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ فَرَحِهِ بِجَمْعِهِ فِي الدُّنْيَا، وَعِوَضُهُ فِي الآخِرَةِ أَعْظَمُ مِنْ عِوَضِهِ فِي الدُّنْيَا.

وَلْيُعْلَمُ أَنَّ الصَّدَقَةَ كُلٌّ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، فَاجْتَهِدُوا فِي الخَيْرِ وَتَلَمَّسُوا الـمُحْتَاجِينَ؛ فَإِنَّ غَضَبَ الرَّبِّ يُدْفَعُ بِالصَّدَقَةِ، وَإِنَّ الفِتْنَةَ تُدْفَعُ بِالنَّفَقَةِ.

ابْحَثْ عَنْ جَارَكَ الفَقِيرِ عِنْدَ دُكَّانِ حَارَتِكَ، وَسَتَعْلَمُ أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ تَسْدِيدِ مَا عَلَيْهِ، ابْحَثْ عَنْهُ فِي أُجْرَةِ سَكَنِهِ، ابْحَثْ عَنْهُ عِنْدَ غَرِيمٍ يُلَاحِقُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ قَدْ نَغَّصَ عَلَيْهِ عِيشَتَهُ؛ فَدَعْوَةٌ صَادِقَةٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَنْ نَلُمَّ الشَّعَثَ، وَنَسْدَّ الحَاجَةَ؛ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ، وَالعَبْدُ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




الفئة: رمضانيات
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية