العشر الأواخر من رمضان

العشر الأواخر من رمضان

العشر الأواخر من رمضان


فضل ليلة القدر وقيامها بالصلاة والدعاء


مضى من شهر رمضان أكثره، وبقي منه تاجه وأفضله.
العشر المباركة فرصة للعمل، وتعويض ما فات من نقص وخلل؛ نزل القرآن الكريم فيها، قال الله -تَعَالَى-: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[القدر: 6]، وقال عز وجل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾[الدخان: 3] فيها ليلة يقَدِّرُ اللهُ -سبحانه وتَعَالَى- فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ، قال تَعَالَى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [الدخان: 4-5].

ليلةٌ مُبارَكة عظيمة من حرم خيرها فقد حرم اختارها الله -تَعَالَى- لبدء تنزيل القرآن.

العبادةُ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ، قال تَعَالَى: ﴿(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)﴾[القدر: 3].

ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ بالخَيرِ والبَرَكةِ، قال تَعَالَى: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾[القدر: 4].

هي سلامٌ كُلُّها خاليةٌ مِنَ الشَّرِّ والأذى؛ تكثُرُ فيها الطَّاعاتُ وأعمالُ الخَيرِ والبِرِّ والقربات، وتكثُرُ فيها السَّلامةُ مِنَ العذابِ، قال تَعَالَى: ﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[القدر: 5].

يُشرَعُ في هذه الليلةِ الشَّريفةِ قيامُ لَيلِها بالصَّلاة؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وَيُشرَعُ الدُّعاءُ فيها والتقَرُّبُ به إلى اللهِ -تبارك وتَعَالَى-.

وَعَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللَّه عنْهَا- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِن عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: "قُولي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العفْوَ فاعْفُ عنِّي"

ليلةُ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهي في الأوتارِ أقرَبُ مِنَ الأشفاعِ؛ فعن عائِشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: "تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ"، وَعَنِ ابنِ عبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهما- أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: "التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى"

وهي لا تختَصُّ ليلةُ القَدرِ بليلةٍ مُعَيَّنةٍ في جميعِ الأعوامِ، بل تتنقَّلُ في ليالي العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهي موجودةٌ لم تُرفَعْ، وباقيةٌ إلى يومِ القِيامة.

علامات ليلة القدر


ومن علاماتِ ليلةِ القَدرِ: أنَّ الشَّمسَ تطلُعُ في صبيحَتِها صافيةً، ليس لها شُعاعٌ؛ كما في صحيح مسلم عن أبَيِّ بنِ كَعبٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- أنه قال: "وأمارَتُها أن تطلُعَ الشَّمسُ في صبيحةِ يَومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها".

فاتقوا الله عباد الله واغتنموا هذه الفرصة العظيمة، فو الله لا يدري أحدنا هل يدركها مرة أخرى أم لا؛ مع أن الإقبال على طاعة الله والتقرب إليه مطلوب في كل حال، ولكنه في العشر الأخيرة من رمضان أعظم فضلاً وأكثر أجرًا.

ولنا في رسول الله ﷺ خيرُ أسوةٍ وقدوة، فَقَدْ كَانَ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.

وَكَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ؛ كما حدّثت بذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.

الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان


إِنَّ الاعتكاف مِن السُّننِ المؤكدةِ في هذه العشرِ؛ جاء ذكره في كتاب الله -تَعَالَى- بقوله: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾[البقرة: 187]، وحافظ عليه المصطفى -ﷺ ولم يتركه حتى مات.

وكان ﷺ وأزواجه وأصحابه يعتكفون في هذه العشرَ؛ تفرغا للعبادة، وانقطاعا عن الدنيا ولذاتها وشهواتها.

فمن تيسّرت له هذه السُّنةُ فلا يَحْرِمْ نفسَه من هذه السُّنّةِ المحمديّة فإنَّها بَلسمٌ للقلوب، ودواءٌ لآفاتها، فإنْ لمْ يتيسرْ له اعتكافَ العَشرِ فلْيعتكفْ بعضَ الأيام ولو لليلة، فمن دخلَ المسجد قبل المغرب وخرج بعد الفجر كُتِبَ له اعتكافُ ليلةٍ.

فاتَّقُوا اللهَ عباد الله وأنِيبُوا إليه، وأخْلِصُوا لهُ، ولازِمُوا التوبةَ والاستغفار، واشكروا الله الذي هداكم للإيمان، وبلّغكم شهرَ الصيام، وأعانَكم على صيامه وقيامه.

واغتنموا هذه العشرَ الأواخرَ بالاجتهادِ في العبادة متأسّينَ بِرسولكم ﷺ وأصحابه من بعده، لتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾[الأحزاب: ٥٦]، وَقَالَ ‏ﷺ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :



المرجع:


عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية