الحب في الله فضله وثماره

الحب في الله فضله وثماره

✨الحب في الله فضله وثماره✨


الحب والبغض من طبيعة الإنسان


حدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً، فقال: "بأَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا -أي أقعده يرقبه في طريقه- فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ -تَحْفَظُها وتُراعيها- قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ -عز وجل-، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ"

الحب والبغض من طبيعة الإنسان، ومن صفاته المتأصلة، ولن يخلو إنسان من حب أو بغض، وفي الغالب يُسَيْرُ الحبُ والبغضُ النفسَ، فتصدر الأعمال والأقوال تبعاً لهما.

فالحب؛ يورث الائتلاف والمودة، والتعاون والرحمة، فتسعد الجماعات والأمم والأفراد.

أما البغض، فيورث القطيعة والهجر، والفرقة والاختلاف والقسوة، فتفترق الجماعات والأفراد، وتفسد علاقات الأمم.

الميزان الحق في الحب والبغض


ولما للحب والبغض من أثر على الأمة وضع الإسلام لهما ميزاناً، وحدَّ لهما حدوداً، حتى لا يشقى الناس بين حب أعمى وبغض عقيم.

فالميزان الحق أن يكون حبك وبغضك لله، تحب المؤمنين ولو خالفوا رأيك، وتبغض الكافرين المفسدين ولو وافقوك أحيانا، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ"

حث الإسلام على كل ما يقوي الحب بين المسلمين وينميه


ويدعو الإسلام لكل ما يقوي الحب بين المسلمين ويزيده، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ"

دوافع الحب في الله


والحب في المجتمع الإسلامي دافعه الإخلاص لله وحده لا شريك له، لا المجاملة الكاذبة والرياء، ولا المصالح الدنيوية.

بعض فضائل الحب في الله


وجعل رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الحبَ في اللهِ سبباً من الأسباب الجالبة لتذوقِ حلاوة الإيمان، فقَالَ رَسُولُ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ" وذكر منها: "وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ"

ثمرات الحب في الله ووسائل تنميته


وإذا أحب المسلم أخاه المسلم لله ذاق أثر ذلك في نفسه راحة واطمئناناً، ونال في الآخرة الأجر العظيم الذي أعده الله للمتحابين فيه، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي"

وعند أحمد: "فِي ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي".

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ"

ومن أعظم آثار الحب في الله -تعالى-: أن الله يلحق المحب بمحبوبه في الآخرة ولو لم يوازيه في العمل، فقد جاء رجل إلى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ، وَلَمَّا يلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"

وفي رواية: "قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".

قَالَ أَنَسٌ: "فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ".

قال ابن بطال: دل هذا الحديث على أن من أحب عبدًا في الله فإن الله جامع بينه وبينه في جنته ومدخله مدخلة وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله: "ولم يلحق بهم" يعنى في العمل والمنزلة.

وبيان هذا المعنى -والله أعلم-: أنه لما كان المحب للصالحين إنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملاً من أعمال القلوب واعتقادًا لها أثاب الله معتقدَ ذلك ثواب الصالحين، إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء.

وفي الحديث المتفق عليه أيضاً: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم: "رجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه".

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ" قِيلَ: مَنْ هُمْ لَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ؟ قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِنُورِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَرْحَامٍ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، وُجُوهُهُمْ نُورٌ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ" ثُمَّ قَرَأَ: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنون﴾ [يونس: 62]

ومما يجعل هذا الحب واقعاً ملموساً يعيشه المسلم، ويتبادله مع إخوانه ليستلذ به في هذه الدنيا، ما أمر به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بقَولِه: "إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ"

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَعْلَمْتَهُ؟" قَالَ: "لَا" قَالَ: "أَعْلِمْهُ" قَالَ: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ" فَقَالَ: "أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ"

وفي إخبار المسلم لأخيه بحبه له توكيداً لهذا الحب، ودعوة له بأن لا يكون الحب من طرف واحد، وحتى يشيع الحب بين الجميع ليكون مجتمعاً متحاباً متآلفاً.

بل جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه، فقال: "مَا تَحَابَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ، إِلَّا كَانَ أَفْضَلَهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ"

وهذا يورث التنافس في المحبة والحرص منهما لبلوغ أعلى منازل المحبة والعطاء.

علامات الحب في الله


ليس الحب كلمة تقال، وإنما هو واقع يعيشه المحب لحبيبه، يورث نصحاً وإرشاداً، وبذلا وعطاءً، وتضحيةً وإيثاراً، وتفقداً ودعاءً، إنها معانٍ عظيمة تظهر بين المتحابين، ولهذا لما كان هذا العمل عظيماً كان الجزاء عليه كبيراً من الرحيم الرحمن؛ بأن يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

وأوجب على نفسه كرماً وجوداً منه محبتهم، فقال كما في الحديث القدسي فيما رواه عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَقُولُ عَنْ رَبِّهِ -تبارك وتعالى-: حُقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحُقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَنَاصِحِينَ فِيَّ، وَحُقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَحُقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَهُمْ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ بِمَكَانِهِمْ"

حرص السلف على الحب في الله


كان السلف -رضوان الله عليهم- لا يتحرجون من اعلان حبهم ، بل كانوا يُعلمون من أحبوه بحبهم حتى ينالوا الأجر من الله، ولهذا السلوك أثر كبير على الناحية النفسية بين المتحابين.

فعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإِذَا فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا، طويل الصمت، وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْء أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، قَالَ: فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: إني وَاللَّهِ لأُحِبُّكَ لِلَّهِ، فَقَالَ: آلله؟ فَقُلْتُ: آلله، فَقَالَ: آلله؟ فَقُلْتُ: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله فَأَخَذَ بِحَبْوَةِ رِدَائِي، فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، "يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ -تبارك وتعالى-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتُحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ"

ومن فضل الله على المؤمنين ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد أحبّ عبدا لله إلا أكرمه الله -عز وجل-"

المرجع :

لا تنس ذكر الله
الحمدلله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية