الحج موسم الخيرات والرحمات

الحج موسم الخيرات والرحمات

الحج موسم الخيرات والرحمات


موسم الحج معدن الحسنات وتكفير السيئات


ها نحن على أعتاب الموسم الأَشْهَر، وأيام الحج الأَكْبَر، معدن الحسنات وتكفير السيئات، وتنزُّل الخيرات والطاعات، وينبوع المنافع المتكاثِرات، أيام قلائل وأُمَّة الإسلام قابَ قوسينِ أو أدنى من ميقات زمانيٍّ ومكانيٍّ محدَّد؛ لأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، الركن الخامس من أركان الإسلام، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾[آلِ عِمْرَانَ: 97]، فمرحبًا بكم حجاجَ بيت الله الحرام، حللتُم أهلًا ووطئتُم سهلًا، تشرُف بكم بلادُ الحرمينِ الشريفينِ، قيادتُها وشعبُها، هنيئًا لكم سلامةُ الوصول، وبلوغُ المأمول.

التوحيد أعظم ركن قام عليه الحج


إن أهمّ وأعظم القضايا التي قام عليها ركن الحج الركين، هو تجريد التوحيد، الذي هو حقُّ الله على العبيد وإفراده -سبحانه- بالعبادة دون سواه، يقول سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الْأَنْبِيَاءِ: 25]، فأعظمُ مقاصدِ الحجِّ ومنافعِه تحقيقُ التوحيد الخالص، وما التلبيةُ التي يلهَج بها الحجيجُ وتهتزُّ لها جنباتُ البلد الأمين، إلا عنوانُ التوحيدِ والإيمانِ والطاعةِ والإذعانِ، وقد وصَف جابرُ بنُ عبدِ اللهِ -رضي الله عنهما- إهلالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "أَهَلَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد؛ لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شريك لك لَبَّيْكَ، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والملكَ، لا شريكَ لكَ"، ولأجل التوحيد رُفِعَتْ قواعدُ هذا البيت المعظَّم، ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾[الْحَجِّ: 26]، فارْجُوا عبادَ الرحمن ربَّكم الواحدَ الدَّيَّانَ، فلا تَدْعُوا مع الله أحدًا.

نعمة أمن وأمان الحرمين الشريفين من أعظم النعم


وهذه الرحاب الطاهرة التي تقضون فيها أيامًا مبارَكاتٍ قد خصَّها المولى -سبحانه- بخصائص ليست لغيرها، أظهرُها نعمة الأمن والأمان والاطمئنان، ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾[الْبَقَرَةِ: 125]، وهذا الأمن الرباني المعجِز لكل محاولات البشرية في إيجاد منطقة حرام ممتدّ أثرُه إلى قيام الساعة، لا ينفكُّ عن هذا البلد الأمين بحال من الأحوال، وَمَنْ هَمَّ بالإخلال به أذاقَه اللهُ عذابًا أليمًا، ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[الْحَجِّ: 25]، ولئن كان خَلَاهُ لا يُخْتَلَى، وشوكُه لا يعضَّد، وصيدُه لا ينفَّر، والطير والحيوان والنبات والجماد يعيش فيه في أمن مستمر وأمان دائم، فكيف بالمسلمِ حرامِ الدمِ والعِرْضِ والمالِ؟ أفرأيتُم يا -رعاكم الله- بعد هذا الأمن المطبق المحكَم دعوة أبلغ من دعوة الإسلام إلى الرحمة والشفقة والسلام والمحبة والتسامح والوئام؟!

فيا أيها الحجاج الكرام ، اللهَ اللهَ في الحفاظ على هذه النعمة السابغة، والبدارَ البدارَ إلى تعظيم هذه البقاع الشريفة تأدُّبًا وتوقيرًا، وصيانةً وتطهيرًا، حذارِ حذارِ من كل ما يعكِّر أمنَها وأمانَها، وسكينتَها واستقراراها، ولا يعزب عن الأذهان أن قضيةَ قُدْسِيَّةِ الحرمينِ الشريفينِ وأمنِ الحرمِ والحجيج والمشاعر قضية من الأُسُس والثوابت، التي لا تقبَل المساوَمات ولا تخضع للمزايَدات، فلا مجال فيه للشعارات السياسية، أو الدعوات العنصرية والطائفية والمذهبية، أو التحزُّبات والجدالات والمهاترات، أو السجالات والملاسَنات، أو إثارة الخلافات وإذكاء الصراعات.

بل هو فريضة شرعية ورحلة إيمانية، فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدالَ في الحج، "مَنْ حَجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجَع كيومِ ولدَتْه أُمُّهُ".

فينبغي للحاج مراعاةُ تحقيق الإخلاص لله، والتجرُّد من الرياء والسمعة، والاستعداد للمناسك بالعلم النافع والتفقُّه في الأحكام، وسؤال أهل العلم عما يُشكِل عليه، مع التحلِّي بإعزاز القيم والأخلاق الحميدة، والسجايا الكريمة، والآداب القويمة، والتخلي عن كل ما ينبو عن الخُلُق والأدب مع الله -سبحانه-، أو مع عباده، ويوقِع في الأذى الحسي والمعنوي، فالحجُّ عبادةٌ وسلوكٌ حضاريٌّ يعزِّز منهجَ الوسطية والاعتدال، ويُثري تجربةَ الحاج الدينية والروحية والثقافية في صورة تجسِّد عالميةَ هذا الدين القويم، وتحقيقه للرحمة والتسامح، ومكافحته للتطرف والغلو والإرهاب، وحرصه على تعزيز الأمن والسِّلْم الدوليين.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية