الإحسانُ إلى الجيران

الإحسانُ إلى الجيران

من علامات الإسلام والإيمان
الإحسانُ إلى الجيران


إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

إخواني في دين الله؛ من علامات الإسلام والإيمان الإحسان إلى الجيران؛ فقد قال الرحيم الرحمن سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].

ومعنى الجار؛ مأخوذ من الجوار والجيرة والمجاورة.

وحَدُّ الْجَار ما ثبت عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَنِ الْجَارِ فَقَالَ: (أَرْبَعِينَ دَارًا أَمَامَهُ، وَأَرْبَعِينَ خَلْفَهُ، وَأَرْبَعِينَ عَنْ يَمِينِهِ، وَأَرْبَعِينَ عَنْ يَسَارِهِ). (خد) (109).

وقد قيل: إن الْجِيرَان ثَلَاثَة:


جَار لَهُ حَقّ واحد؛ وَهُوَ الـمُشْرِك -الذي- لَهُ حَقّ الْجِوَار.
وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ؛ وَهُوَ الـمُسْلِم -الذي- لَهُ حَقّ الْجِوَار وَحَقّ الْإِسْلَام.
وَجَار لَهُ ثَلَاثَة حُقُوق؛ مُسْلِم لَهُ رَحِم؛ لَهُ حَقّ الْجِوَار، وَالْإِسْلَام، وَالرَّحِم.

لقد كان السلف الصالح رحمهم الله يحسنون إلى جيرانهم ولو كانوا غيرَ مسلمين؛ فقد ثبت أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: (أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟) سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ("مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"). (ت) (1943). وأصل الحديث في صحيح البخاري (6015)، ومسلم 141- (2625).

إنه الجارُ الصالح، يتفقد جيرانه، ويحبُّ لهم ما يحب لنفسه، ويكفُّ عنهم شرَّه، ويعمُّهم بِرُّه وخيرُه، عَنْ أَنَسٍ -بن مالك- رَضِيَ اللَّهُ-تعالى- عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». (خ) (13).

وفي رواية: ("لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ -أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ- مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"). (م) 71- (45).

أما الجار السوء! فإياك أخي المسلم أن تكونَ جارَ سُوء، فجارُ السوء ليس كاملَ الإيمان، جار السوء مَنْ لم يأمنْه جاره؛ بل يخاف من شروره وغوائله؟ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(«وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ»، قِيلَ: (وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!) قَالَ: («الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ»). (خ) (6016).

وفي رواية: قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا بَوَائِقُهُ؟!) قَالَ: («شَرُّهُ»). (حم) (27162).

فعدم إيذاء الجيران دليل على الإسلام الإيمان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»). (خ) (6018).

بعض الناس يتباهى بأنه ظلم جاره وقهره، حتى ألجأهُ إلى الرحيل وترْكِ منزله، ألا يعلم أن من فعل ذلك أنه هالك وخاسر؟! عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ:

(مَا مِنْ جَارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ، حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ؛ إِلَّا هَلَكَ). (خد) (127).

فعلينا أن نتعوَّذ بالله من جار السوء، إذا ابتلينا بذلك، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم القائل: ("تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَارِ السُّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ عَنْكَ"). (س) (5505)، (هب) (9553)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (2967)، الصَّحِيحَة تحت حديث: (3943).

وفي رواية: ("فَإِنَّ جَارَ الْمُسَافِرِ إِذَا شَاءَ أَنْ يُزَايِلَ زَايَلَ"). (حم) (8553)، (ك) (1952)، صَحِيح الْجَامِع: (940)، الصَّحِيحَة: (1443).

(نَارِي وَنَارُ الْجَارِ وَاحِدَة
وَإِلَيْهِ قَبْلِي يَنْزِلُ الْقِدْرُ)
(مَا ضَرَّ جَاراً لي أُجَاوِرُه
أَلَّا يَكُونَ لِبَابِهِ سِتْرُ)
(أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي بَرَزَت
حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي الْخِدْرُ)

أما العلاج النبوي لجار السوء، العلاج النبويُّ للجار الظالم الذي قَهَرَ جارَه وظلمه، هل هو بسبّه وشتمه عبر وسائل الاتصال الاجتماعي؟ أو بإيذائه وإلحاق الأضرار به؟!

لا والله! الجواب ليس في واحد مما سبق، بل العلاج الناجعُ والطريقة المثلى، أن تصبر عليه.

فإن زاد في ظلمه تشكوه للناس وأهل الإصلاح، فهم الذين على أيديهم تُحَلُّ المشاكل، وإن رفض؛ فإنهم سيقفون مع المظلوم.

وإلاّ فترفع شكواك، ثبت عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ)، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي)، فَقَالَ:

("اذْهَبْ فَاصْبِرْ")، (فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا)، فَقَالَ:

("اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ") –أي: أخرج كلَّ ما -عندك مما- يُنْتَفَعُ به وَيُسْتَمْتَعُ، أو يُتَبَلَّغُ بِهِ ويتُزَوَدَّ من سِلعةٍ، أو مال أو زوج، أو أثاث، أو ثياب، أو مَأكَل، وغير ذلك-، أخرجه إلى الطريق.

(فَانْطَلَقَ) الرجل المظلوم من جاره (فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ)، (فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ)، فَقَالُوا: (مَا شَأنُكَ؟!) قَالَ: (لِي جَارٌ يُؤْذِينِي، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:

("انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ")، (فَجَعَلُوا يَلْعَنُونَهُ)، -أي يلعنون الجار الظالم- (ويَقُولُونَ: فَعَلَ اللهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ)، فَجَاءَ جَارُهُ) الظالم (إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ؟!) قَالَ:

("وَمَا لَقِيتَهُ مِنْهُمْ؟!") قَالَ: (يَلْعَنُونِي!) فَقَالَ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ("قَدْ لَعَنَكَ اللهُ قَبْلَ النَّاسِ").

وفي رواية: ("إِنَّ لَعْنَةَ اللهِ فَوْقَ لَعْنَتِهِمْ")، (قَالَ) الجار الظالم: (فَإِنِّي لَا أَعُودُ)، (ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي شَكَا:) (ارْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ، فَوَاللهِ) (لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ). الحديث بزوائده: (د) (5153)، انظر (خد) (124)، (125)، (ك) (7302)، (طب) (ج22 ص134 ح 356)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2558)، (2559).

إنّ كفَّ الأذى عن الجيران من كمال الإيمان، وإنّ الذي لا يأمنُ جارُه من غوائله وشروره فليس بمؤمن الإيمان الكامل، واعلموا أنّ العدوان على الجارِ حرام ومن الكبائر، وأذى الجار سببٌ في دخول النار.

أما حسنُ الجوار، فيطيلُ في الأعمار، ويعمُر الديار، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ"). (حم) (25259)، الصَّحِيحَة: (519)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2524)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

إن السعادة المنشودَة، عند أقرب الأشياء إليك موجودة، فالجار الصالح من السعادة على جاره، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

("أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ.

وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضِّيقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ"). (حب) (4032)، (هب) (9556)، (الضياء) (1048)، (حم) (1445)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (887)، الصَّحِيحَة: (282).

ما شاء الله! على إحسانك لجارك، لو تعاهدته بشيء من طعامك، ولو أن تغرف له من مرقة طبختها! عَنْ أَبِي ذَر -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("يَا أَبَا ذَرٍّ! إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ"). (م) 142- (2625).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

ألا واعلموا أنّ الجار سيتخاصم مع جاره يوم القيامة، ويطالبه بحقوقه التي ظلمه فيها، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه -وعلى آله وصحبه- وسلم: ("أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ"). (حم) (17372)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (2563)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2557).

فيا من أغلقت بابك في وجه جارك، ومنعته ما زاد من طعامك وشرابك! انتظرْه إذا رآك يوم القيامة، سيتعلَّق بك، طالبًا من الله أحكم الحاكمين وأعدل العادلين؛ أن يأخذ حقَّه منك، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ؛ وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الْآنَ؛ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ("كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا لِمَ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، وَمَنَعَنِي فَضْلَهُ"). (خد) (111)، الصَّحِيحَة: (2646)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2564).

أما تخشى يا مؤذِيَ جيرانِك من دُخُول النَّار، وإن أكثرتَ من الصدقات، وأكثرتَ من قيام الليل والصلوات، وأكثرت من صيام النهار والتطوعات؟! عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ فُلَانَةَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ وَتَصَّدَّقُ؛ غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا)، قَالَ:
("لَا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ!") فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّ فُلَانَةَ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ)، -أي أشياء قليلة من اللبن المجفف- (وَلَا تُؤْذِي أَحَدًا)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ").
(خد) (119)، (حم) (9673)، انظر الصَّحِيحَة: (190)، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (2560)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في (حم): إسناده حسن.

♦ الأَثْوَار: جمع ثَور، وهو القطعة من الأَقِط، وهو الجبن المجفف الذي يُتخذ من مخيض لبن الغنم.

أخي في دين الله؛ أنت محتاجٌ لشهادة جيرانِك في الدنيا والآخرة، فإيّاك أن يشهدوا ضدّك، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ إِذَا أَحْسَنْتُ، وَإِذَا أَسَأْتُ؟!) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("إِذَا سَمِعْتَ جِيرَانَكَ يَقُولُونَ: أَنْ قَدْ أَحْسَنْتَ؛ فَقَدْ أَحْسَنْتَ، وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ أَسَأْتَ؛ فَقَدْ أَسَأْتَ"). (جة) (4223)، (حم) (3808).

فهم شهداء عليك يا عبد الله.

وعند الموت شهادة الجيران مهمّة عند الرحمن سبحانه وتعالى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله تعالى عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

("مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَهْلِ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَتِهِ الْأَدْنَيْنَ؛ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إِلَّا خَيْرًا؛ إِلَّا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: قَدْ قَبِلْتُ عِلْمَكُمْ فِيهِ، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"). (حب) (3026).

فمن هم خير الجيران عند الله؟ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ -وعلى آله وصحبه- وَسَلَّمَ: ("خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ"). (ت) (1944)، (حم) (6566).

وفي الختام؛ ثبت عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه -عليه وعلى آله وصحبه- وسلم: ("إِنَّ اللهَ عز وجل لَيُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ جِيرَانِي؟! أَيْنَ جِيرَانِي؟! فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ؟! فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ؟"). (مسند الحارث زوائد الهيثمي: ج1 ص251 ح126)، الصَّحِيحَة: (2728).
لذلك يجبُ أن نجنِّبَ بيوتَ الله المشاكلَ العائليةَ، والاختلافاتِ والمهاتراتِ.

وألاّ يُمنع جيرانُ الله عن بيوت الله، فلا يُمنع عن بيوت الله؛ إلاّ من أراد الإفساد فيها بين المسلمين، أو أراد إثارةَ الفتنِ بين المؤمنين، أو أرادَ إيذاءَ عُمَّارِ المساجد؛ جيرانِ الله جلّ جلاله.

فاللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى الدين.

اللَّهُمَّ إنّا نعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة.

اللَّهُمَّ إنّا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء.

اللَّهُمَّ اجعلنا من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا.

اللَّهُمَّ توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.

اللَّهُمَّ توفنا مع الأبرار، ولا تُخْلِفْنا في الأشرار، وألحقنا بالأخيار.

اللَّهُمَّ انفعنا بما علمتنا، وعلِّمنا ما ينفعنا، وارزقنا علما تنفعنا به.

اللَّهُمَّ جنبنا منكرات الأخلاق والأهواء، والأعمال والأدواء.

اللَّهُمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

وأقم الصلاة؛ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية