الأخلاق الحسنة

الأخلاق الحسنة

خطبة قصيرة عن الأخلاق الحسنة


الخطبة الأولى

إخوة الإسلام، شرَع الله لعبادِه أنواعًا من الطاعاتِ والقرُبات، وأمرَنا وأَمرَ الأمَمَ قبلَنا بِعبادةٍ تُقرِّب العبدَ من ربّه وإلى خَلقِه، بها يثقُل الميزانُ يومَ القيامة، ومن أعظم هذه العبادات حسن الخلق، قال عَليه الصلاةُ والسَّلام: ((ما مِن شيءٍ أثقلُ في ميزان المؤمن يومَ القيامةِ من خُلقٍ حسَن)) رواه الترمذيّ. بحسن الخلق تُرفَع الدرجات وتزيدُ الحسنات، قال عليه الصلاة والسَّلام: ((إنَّ المؤمنَ ليُدرك بحسنِ الخلُق دَرجةَ الصائمِ القائم)) رواه أبو داود. حسن الخلق ثوابه عظيم؛ لو كان بأمرٍ يسير، قالَ صلى الله عليه وسلم : ((لا تحقِرنَّ منَ المعروفِ شيئًا ولو أَن تَلقَى أخاك بِوجهٍ طَلق)) رواه مسلم. وخيرُ الْخَلقِ من كان مؤمِنًا واتّصَف بحسن الخلق، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((إنَّ خيارَكم أحسنُكم أخلاقًا)) رواه البخاري. وأكثر ما يُدخِل الناسَ الجنَّةَ مع تقوى الله حسنُ الخلق، سئِل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أكثرِ ما يدخِل الناسَ الجنةَ فقال: ((تقوَى الله وحُسنُ الخلق)) رواه الترمذيّ.

حسن الخلق يرتقي بصاحبه إلى الدرجات العالية من الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : ((أكمَل المؤمنين إيمانًا أحسُنهم خُلقًا)). وأعلى الدرجاتِ في الآخرة لمن اتصف بحسن الخلق، قال صلى الله عليه وسلم : (( أنا زعيمٌ ببيت في أعلَى الجنةِ لمن حسُن خلُقه)) رواه أبو داود.

وقد كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو ربَّه في صلاتِه أن يُهدى لأحسن الأخلاق؛ فكان يقول: ((اللهمّ اهدني لأحسنِ الأخلاق لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِف عني سيِّئَها لا يصرِفُ عني سيِّئَها إلا أنتَ)) رواه مسلم.

وأقربُ الناسِ منزلةً من رسولنا صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ أحسنُهم خلقًا، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((إنَّ مِن أحبّكم إليَّ وأقرَبِكم مني مجلِسًا يومَ القيامةِ أحاسِنَكم أخلاقًا)) رواه الترمذيّ. وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوصِي صحَابتَه مع التقوى بحسن الخلق؛ فقالَ لمعاذٍ رضي الله عنه : ((اتّقِ الله حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ النَّاسَ بخلُقٍ حسَن)) رواه الترمذي. وحسن الخلق بالقول والفعل من الأسباب المُنجِية من النّار، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((اتَّقوا النارَ ولو بشقّ تمرة، فإن لم تجد فبِكَلمةٍ طيِّبة)) متفق عليه.

وبعَث الله نبيَّه محمّدًا صلى الله عليه وسلم للدَّعوةِ إلى الأخلاقِ الصَّالحة، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((إنما بعِثتُ لأتمِّم صالح الأخلاق)) رواه أحمد.

واتَّصفَ الرسُلُ عليهم السلام بأعاَلي الأخلاقِ وجميلِها، ونبيُّنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم أكمَلُ الناسِ أَخلاقًا، وصَفَه الله بقولِه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]. نشَأ وعاش متحلِّيا بكلِّ خلقٍ كَريمٍ مبتَعِدًا عن كلِّ وَصفٍ ذَميم، قال له رجلٌ: يا خيرَ البريّة، فقالَ مُتواضعًا: ((ذاك إبراهيمُ)) رواه مسلم. وكان أكرمَ الخَلقِ نَفسًا فما ردَّ سائلاً، وأطلقَهم وجهًا، قال جرير رضي الله عنه : ما رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ تَبَسَّم، كان صلى الله عليه وسلم أشدَّ الناس وفاءً؛ إن مَرِض أحدٌ من صحابتِه عادَه، وإنِ افتقَده سأل عَنه، وكان أرحمَهم قلبًا؛ يتَجوَّز في صلاتِه إذا سمِع بكاءَ الصَّبيّ كراهَةَ أن يشقَّ علَى أمّه، كان صلى الله عليه وسلم ألينَ الناس طبعًا، إذا دخَل إلى بيتَه اشتغَل في مهنةِ أهله، وكان صلى الله عليه وسلم أعظَمَهم صبرًا، خَرج من بيتِه والحَجَر على بطنِه من الجوعِ فمَا اشتَكى، كان صلى الله عليه وسلم أوسَعَ الناس عَفوًا؛ قاتله أعداؤُه وأَدمَوه ولما فتَح مكّةَ قال لهم: ((اذهَبوا فأنتمُ الطلقاءُ))، كان صلى الله عليه وسلم أوفرَ الناس حِلمًا، آذاه قومُه فسَأله ملَكُ الجِبال أن يطبقَ عليهم جبلين فأبى، وقال لعائشةَ رضيَ الله عنها: ((عليكِ بالرِّفقِ، وإيَّاك والعنفَ والفحشَ)) متفق عليه. ولم يضرِب شيئًا قطّ بيدِه ولا امرأةً ولا خادمًا. رواه مسلم. تصفه عائشة رضي الله عنها تقول: (كان خلقه القرآن)، ويصفه قبل ذلك ربه عز وجلّ ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

وعلى هذا النهج القويمِ من الإيمانِ بالله وعُلوِّ الخلُقِ سار الصَّحابة رضي الله عنهم ، فكانوا ذَا خلقٍ جمٍّ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال عُروةُ رضي الله عنه : إذا أمَرهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابتدَروا أمرَه، وإذا تكلَّم خفَضوا أَصواتهم عندَه، وما يحدُّون إليه النظرَ تعظيمًا له. رواه البخاريّ. وقال عمرو بنُ العاص رضي الله عنه : ما كانَ أحدٌ أحَبَّ إليَّ من رسولِ الله ولاَ أجلَّ في عينيَّ مِنه، وما كنتُ أُطيقُ أن أملأَ عينيَّ منه إجلالاً له، ولو سُئِلت أن أصفَه ما أطقتُ؛ لأني لم أكُن أملأُ عينيّ منه. رواه البخاريّ.

وكان الصحابةُ رضي الله عنهم مثالاً في تبجيلِ بعضِهم بعضا، هذا عمرُ رضي الله عنه يقول: أبو بكرٍ أحلمُ مني وأوقَر. وهذا عثمانُ رضي الله عنه تستَحِي منه الملائكةُ لحيائه.

رزقنا الله التأسي بنبينا صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله....

الخطبة الثانية



وبعد: أيّها المسلمون، فمَا أكرمَ العبدُ نَفسَه بمثلِ الإيمان بالله وحسن الخلُق، وأصلُ الأخلاقِ التوحيد، فمن فقَدَه لم ينتَفِع بِغيرِه، قالت عائشةُ رضي الله عنها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : إنَّ ابنَ جدعَانَ - وكان من رؤساءِ قريشٍ في الجاهلية - يصلُ الرحمَ ويُطعِم المسكينَ فهَل ينفعُه؟ فقال: ((إنَّ ذلك لا ينفَعه؛ إنه لم يقل يومًا: ربّ اغفر لي خطيئتي يومَ الدين)) رواه مسلم.

وإذا تحلَّى المسلِمون بأَخلاقِ القُرآن صَلحَ المجتمَع؛ وكانُوا دُعاةَ خيرٍ إلى الدين بالقُدوةِ والأفعالِ الحميدة.

إخوة الإيمان، أخلاقُ المؤمِن استقامةٌ في دينٍ؛ وبشاشةٌ في لينٍ؛ وعفوٌ مَع إحسانٍ؛ وكَرمٌ في العَطاءِ؛ وقناعةٌ في الفَاقةِ؛ وتفريجُ كربةٍ؛ وكلمةٌ طيّبة؛ وإفشاءُ السّلام؛ وبِرٌّ بالوالدين وإحسانٌ للجار، قال ابن المبارك رحمه الله: (الأخلاقُ بَسطُ الوجهِ؛ وبَذل المعروفِ؛ وكَفّ الأذى).

فاقتَدوا بنبيّكم بالتخلُّق بأخلاقِ القرآن، وسِيروا على نهجِ صَحابتِه الكِرام، وكونُوا بأخلاقِكم أسوةً لغيركم؛ تنالُوا السعادةَ في الدارين، وتحظوا بمحبة الله ومحبة الخلق.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها؛ لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

لا تنس ذكر الله
أستغفر الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية