الربا والأموال الربوية

الربا والأموال الربوية

الربا


الربا في الإسلام، هو حكم لا يُخْتَلَف فيه؛ لصراحة النص القرآني به، فهو من الكبائر التي حذرنا رسول الله منها ، كما أنه لا خلاف في أن المرادَ بالربا المحرمِ قطعًا في القرآن، هو الذي سماه النبي ﷺ في خطبة الوداع "ربا الجاهلية".

لقراءة مقال الكبائر السبع في الإسلام

من هنا
الربا

تعريف الربا

إن مفردةُ (الربا) الواردةُ في آيات البقرة، هي ذاتها التي سبقت في التنزيل في سورتي النساء وآل عمران ‏معرفةً بـ(أل)، فسورة النساء – وهي الأسبق نزولًا – أفادت بسياقها أن (الربا) معلوم في لسان من نزل القرآن بلسانهم، ‏وهكذا جاء الخطاب بعدها في آل عمران بنفس اللفظ المعرَّف، وذات اللفظ جاء في آيات من سورة البقرة، مما دل ‏على أنه نفسَهُ اللفظُ المذكورُ مِن قَبْل في القرآن والذي استقرَّ عند المخاطبين معناه، وهو الذي قالوا ‏فيه: "ربا الجاهلية".

وقد اعتنت عبارات المفسرين في صدر الإسلام بتوضيح ماهية الربا الجاهلي، وأطبقت ‏كلها على أن الربا المحرمَ في القرآن هو (ربا الديون)، و(ربا النسيئة)، وهو (ربا الجاهلية)، وتفسيره عندهم: «الزيادة على الدَّيْن عند حلول ‏الأجل مقابلَ زيادة المدة».
وتلخصه عبارة زيد بن أسلم من التابعين، إذ يقول: "كان الربا في الجاهلية: أن يكون للرجل على الرجل الحقُّ إلى أجل، فإذا حَلَّ الأجلُ قال: أتقضي أم تُربي؟ فإن قضى أَخَذَ، وإلَّا زاده في حقه، وأخَّر عنه في الأجل".

قال القرطبي: "إن العرب كانت لا تعرف ربًا إلَّا ذلك، فكانت إذا حَلَّ دَينُها قالت للغريم: إما أن تَقضي، وإما أن تُرْبي، أي تزيدَ في الدَّيْن".

وقد سئل أحمد بن حنبل عن الربا الذي لا شك فيه، فقال: "هو أن يكون له دَيْن، فيقولَ له: أتَقضي أم تُرْبِي؟ فإن لم يقضِهِ زادَه في المال، وزادَه هذا في الأجل".
هذا التفسير لربا الجاهلية هو الذي لم يكن يُبْرِزُ أهل التفسير سواه، إلى أن جاء أبو بكر الرازي الحنفي المعروف بالجصاص المتوفى سنة (370هـ) ليقول بعدما قرر أن لفظ (الربا) في القرآن مجمل: "الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قَرْض الدراهم والدنانير إلى أجل، بزيادة على مقدار ما اسْتُقْرِضَ على ما يتراضون به، ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد، وإذا كان متفاضلًا من جنس واحد، هذا كان المتعارفَ المشهورَ بينهم".
وقال أيضًا: "معلوم أن ربا الجاهلية إنما كان قرضًا مؤجلًا بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلًا من الأجل".

وهذا التفسير الذي ادعى أنه معلوم، لا يروى فيه خبر صحيح ولا غير صحيح، وهو أمر مرجعه إلى النقل، وبين الجصاص والجاهلية قرون. ومثله لو نُقِلَ بإسناد، لاحتاج إلى التثبت من صحته ليُصار إليه ويستند عليه، فكيف ولا إسناد له البتة؟

ومع ذلك فقد انصاع له وسلمه كثيرون بعده، لا يذكر واحد منهم مرجعًا يُسْنِدُ ذلك إليه – إن ذكَرَ – أقدمَ من الجصاص نفسِهِ، ففسروا ربا الجاهلية أنه الزيادةُ في القروض على أصل مبلغ القرض، وانتهوا إلى ذلك، خصوصًا المعاصرون الذين أصَّلوا لحرمة الفائدة المصرفية على القروض.

فكيف يستقيم ذلك مع ما تقدم ذكره عن السلف؟ كذلك فهذه نصوصُ التاريخ المنقولةُ المتاحةُ لا يوجد فيها أن القرض عند العرب كان محَلًّا للربا، بل كانوا يعتبرونه من صنائع المعروف، ولم يكن عندهم موضعًا للكسب، ولذا تواطأ الناس وجرى الفقه من بعد على أن عقدَ القرضِ عقدُ تبرعٍ، ولأجله قيل: (قرض حسن)، وهي تسمية قرآنية، وذلك وصف يلتقي مع كونه معروفًا وبِرًّا وإحسانًا، وبابه الصدقة، وكل ذلك عكس الربا.

ومما يزيد التأكيدَ على شذوذ هذا الرأي في تفسير ربا الجاهلية، أن من الفقهاء من بعدُ من صرحوا بأن الزيادة في القرض عند ابتداء العقد هي من باب (ربا البيوع) الذي يعرف بـ(ربا الفضل)، و(ربا النَّساء)، وهو الذي جاءت بتحريمه السنةُ فيما يعرف بـ(الأصناف الرِّبَوِيَّة)، وهي: (الذهب، والفضة، والتمر، والبر، والملح، والشعير)، والتي حُرِّمَ التبادل فيها إذا بيع الجنس منها بجنسه بزيادة حالًّا أو إلى أجل. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الذهبُ بالذهبِ تِبْرُهَا وعَيْنُهَا والفضةُ بالفضةِ تِبْرُهَا وعَيْنُهَا والبُرُّ بالبُرِّ مُدْيٌ بمُدْيٍ والشعيرُ بالشعيرِ مُدْيٌ بمُدْيٍ والتمرُ بالتمرِ مُدْيٌ بمُدْيٍ والملحُ بالملحِ مُدْيٌ بمُدْيٍ فمن زادَ أو ازدادَ فقد أَرْبَى ولا بأسَ ببيعِ الذهبِ بالفضةِ والفضةُ أكثرُهُمَا يدًا بيدٍ وأمَّا نسيئةً فلا ولا بأسَ ببيعِ البُرِّ بالشعيرِ والشعيرُ أكثرُهُمَا يدًا بيدٍ وأمَّا نسيئةً فلا». وتحريم هذا النوع من أجل ما فيه من معنى الربا، وهو الاستغلال بالغُبن والغَرَر في أساس المعاش، فهو تحريم لسد تلك الذريعة، أي من باب منع الوسائل المفضية إلى المفاسد.

وكون الربا في القرض بمفهومه المصرفي اليوم من ربا الفضل ظاهرٌ، فهو من قبيل بيع درهم بدرهمين إلى أجل.

وعلى ذلك نَصَّ فقهاء الشافعية. وقال به ابن حزم. وهو ظاهر رأي محمد رشيد رضا من المعاصرين.

ويُشبِهُه رأي أبي الوليد بن رشد الكبير من أئمة المالكية، فقد صرح بأنه مقيس على ربا البيوع الوارد في السنة، ولو كان ربًا جاهليًّا لدخل في النص أصالةً، ولم يُحْتَجْ فيه إلى القياس.

وعلى هذا الرأي، فإنَّ الزيادةَ على أصل مبلغ القرض، إذا فُرِضَتْ عند إنشاء العقد، فإنها تُخْرِجُ (القرض) عن موضوعه، وتُحِيلُه إلى بيعِ نقدٍ حاضرٍ بنقدٍ آجلٍ أكثرَ منه، أي انتقل وصفه من (عقد تبرع) إلى (عقد معاوضة)، وعليه فتسميته (قرضًا) لا تمنحه أحكام القرض في الإسلام.

الربا

مقاصد تحريم الربا

أما المقاصد التي أرادت الشريعة تحقيقها بتحريم الربا، فتتلخص في أربعة:

أولها: منع كنز المال، إذ الربا يُحْدِثُ دورانًا للمال في إطار ذاته، ولا يغامَرُ بتشغيله في عمليات الاستثمار، ففيه تغيير للسنة الطبيعية في المال؛ يُصبح هدفًا وخُلِق ليكون وسيلةً.

ثانيها: منع احتكار أقوات الناس، وهو ما نبهت عليه نصوص السنة في أصناف الربا في المطاعم، فإن من يُعامِل عليها بالربا فهو محتكر؛ إذ لو كان ما لديه متاحًا عند غيره لما وجد سبيلًا لبيعه بالربا.

ثالثها: منع التلاعب بالعملة، حتى لا تتقلب أسعارها، وحتى لا تُصْبِح سلعةً يُضارَب عليها، وهذا ظاهر في إثبات الشارع للربوية في بيع النقود سوى ما تدعو إليه حاجة الصرف بشروطه.

رابعها: منع الغُبْن والاستغلال عند التعامل بالجنس الواحد؛ لأن التفاضل في الكم لا يمكن حسابه بدقة تواجه التفاضل في الكيف، فلا بد من وقوع الغُبْن على أحد المتبايعين.

وفي هذا تندرج أكثرُ صُوَرِ المعاوضات الفاسدة الممنوعة في الشريعة.

فهذه أسباب تحريم الربا وأهدافه منبئةٌ بجلاء بحكمة تحريمه، ومقنعة لذوي الحجا بضرره وسوئه، بل إنها تؤكد أن الربا عمل تنفر من قبحه وشناعته الطباع السليمة وتنكره العقول الحكيمة؛ إذ هو ظلم ظاهر، واعتداء سافر، فكيف يمكن بعد هذا أن تخفى على أحد حكمة منعه؟ وكيف يستجيز أحد القول: هو حكم تعبدي محض شُرِعَ لمجرد الابتلاء لا يُدْرَك سِرُّه؟

المرجع : مأخوذ من بحث للدكتور عبد الله بن يوسف الجديع.
لا تنس ذكر الله
الحمدلله
0 / 100

إقرأ المزيد :


عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية