الرفق بالحيوان في الإسلام

الرفق بالحيوان في الإسلام

الرفق بالحيوان في الإسلام


اهتمام الإسلام بالحيوان وحثه على الرِّفق به


الرفق في الإسلام قِيمة عظيمة، وخُلق رفيع، وقد اتَّسع لا ليشمل البشرَ فحسب، وإنما ليشمل كذلك العجماوات من الحيوانات، ومن عظمة الإسلام اهتمامه بالحيوان والحث على الرِّفق به؛ حيث جاء بأحكامٍ عدَّة تُبيِّن حدود التعامل مع الحيوان، وتُؤكِّد كذلك على الشفقة والرحمة والرِّفق بالحيوان، علماً بأنَّ غير المسلمين لم ينتبهوا لحقوق الحيوان إلاَّ في أزمنة مُتأخِّرة، بل ليس سِرًّا أن يقال: إنهم أخذوا أصولَ ذلك مِمَّا يوجد لدى المسلمين من آداب وأحكام في التعامل مع الحيوان، والحقُّ أنهم نجحوا في إعطاء الحيوان حقوقَه، على الرغم من أنهم سلبوا - في الوقت ذاته - الإنسانَ كثيراً من حقوقه، وهذا من التناقض الغريب!

آداب وأحكام في التعامل مع الحيوان


إنَّ الحديثُ عن الرِّفق بالحيوان في الإسلام يتناول الأمور التالية:

الرحمة في استخدام الحيوان:

عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أنَّها رَكِبَتْ بَعِيرًا فَكَانَتْ فِيْهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ -تجعله يسير ثم تُوقِفه بِشِدَّة، وتُكرِّر ذلك عدة مرات-، فقالَ لها رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ". هنا أمَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عائشةَ - رضي الله عنها - بالرِّفق والرحمة في استخدام الحيوان.

وعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ".

قال النووي -رحمه الله-: "معنى الحديث: الحثُّ على الرِّفقِ بالدَّواب، ومُراعاةِ مَصْلحتِها؛ فإنْ سافروا في الخِصْبِ قَلَّلوا السَّيرَ، وتركوها ترعى في بعضِ النَّهار وفي أثناءِ السَّير، فتأخذ حظَّها من الأرض بما ترعاه منها، وإنْ سافروا في القَحْطِ عجَّلوا السَّيرَ؛ لِيَصِلوا المَقْصِدَ وفيها بَقِيَّةٌ من قُوَّتِها، ولا يُقَلِّلوا السَّيرَ فيَلْحَقُها الضَّرَرُ؛ لأنها لا تَجِدُ ما تَرْعَى فَتَضْعُف"

النهي عن وَسْمِ الحيوان في الوجه:

عن جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ"، والوسم هو الكي بالنار.

وفي روايةٍ أُخرى عن جَابِرٍ -رضي الله عنه-؛ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، فقال: "لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ". تأمَّل كيف أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن وَسْمِ الحيوانات في الوجه، وضربِها على الوجه؛ شفقةً عليها، ورحمةً بها، والنهي يقتضي التحريم.

قال النووي -رحمه الله-: "أمَّا الضَّربُ في الوجه: فمنهيٌ عنه في كلِّ الحيوان المُحترم؛ من الآدمي، والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرِها، لكنَّه في الآدمي أشد؛ لأنه مَجْمَعُ المحاسن، مع أنه لطيف؛ لأنه يَظْهر فيه أثرُ الضَّرب، وربما شانه، وربما آذى بعضَ الحواس.

وأمَّا الوَسْمُ في الوَجْه: فمنهيٌ عنه بالإجماع؛ للحديث، ولِمَا ذَكَرناه؛ فأمَّا الآدميُّ: فوَسْمُه حرام؛ لكرامته، ولأنه لا حاجةَ إليه، فلا يجوز تعذيبه، وأما غيرُ الآدميِّ: فقال جماعةٌ من أصحابنا: يُكره، وقال البغوي من أصحابنا: لا يجوز، فأشار إلى تحريمِه، وهو الأظهر؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَعَنَ فاعِلَه، واللَّعنُ يقتضي التحريم، وأما وَسْمُ غيرِ الوجه من غيرِ الآدمي: فجائزٌ، بِلا خِلافٍ عندنا"

الرِّفق بالحيوان عند ذَبْحِه:

عن شَدَّادِ بن أَوْسٍ -رضي الله عنه- قال: اثْنَتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"(رواه مسلم). والأمرُ بإحسان القِتْلَةِ والذَّبح، وإحدادِ الشَّفرة؛ لأنَّه أرفق بالحيوان.

النَّهي عن تعذيب الحيوان:

عن هِشَامِ بن زَيْدٍ قال: دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ على الْحَكَمِ بنِ أَيُّوبَ فَرَأَى غِلْمَانًا -أو فِتْيَانًا- نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا. فقال أَنَسٌ -رضي الله عنه-: "نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ". و"تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ" أي: أن تُحْبَسَ للرَّمي، وكانوا يَحبِسونها ويرمونها بالنَّبل.

وعن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ قال: مَرَّ ابنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا، وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ابنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فقال ابنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنْ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا"

إنَّ قتل البهائم وهي حيةٌ فِعلٌ محرَّم؛ لأنَّ اللَّعن من دلائل التحريم، وهو منافٍ للرِّفق المأمور به في التعامل مع ذبح الحيوان؛ ولأنَّه تعذيبٌ للحيوان، وإتلافٌ لِنَفْسِه، وتضييعٌ لِماليَّته، وتفويتٌ لِذَكاتِه إنْ كان مُذَكَّى، ولِمَنْفَعِته إنْ لم يكن مُذكَّى"

إثبات عاطفة الحيوان ومراعاتها:

أثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ للحيوان عاطفةً، فيتألم ويحزن كما يتألم الإنسان ويحزن، ونهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن تعذيب الحيوان وفَجْعِه، ولا سيما في أولاده، وهذا وربِّ الكعبة لَمِنْ أسمى وأعلى قِيَمِ الرفق التي أثبتها النبي -صلى الله عليه وسلم- وحثَّ عليها، وأوضحُ مثالٍ على ذلك:

عن عبد الله بنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: كُنَّا مَعَ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "مَنْ فَجَعَ هذه بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا"

وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: مَرَّ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ، وهو يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، وَهِيَ تَلْحَظُ إليه بِبَصَرِها، فقال: النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أتُريدُ أَنْ تُمِيتَها مَوْتَاتٍ؟! هَلاَّ حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا؟"

دعوة للتأمل في مواقف الغرب!


إنَّ الإسلام جعل الرِّفقَ سلوكاً وخُلُقاً إسلاميًّا، فحثَّ عليه، وندب إليه، وقد وسَّع مجالات تطبيقِه؛ لِيَشمل المجال الفردي برفق الرَّجل بنفسه، ثم المجال الأسري، ثم المجال المُجتمعي دون تفريقٍ أو تمييزٍ بسبب اللون أو الجنس أو الدِّين، ثم تجاوز الإسلامُ بالرفق حدودَ العنصر البشري لتتعدَّاه إلى العجماوات والحيوانات، فأثبتَ لها حقوقاً، وسَنَّ في التعامل معها آداباً، وجعل الرِّفقَ بها أساسَ التعامل معها، ألا فَلْيسمعْ كلُّ مَنْ كان له سَمْع، ويفهم كلُّ مَنْ رَزَقَه الله بقلب، يا مَنْ فُتِنوا بالمجتمعات الغربية الجوفاء؛ التي أعلت من شأن الحيوان فأنشأت المنظمات والجمعيات للرفق بالحيوان، وفي الوقت ذاته أهدرت كرامةَ الإنسان؛ فكانت الإباداتُ الجماعية، والتَّفرِقةُ العنصرية أساساً يحكم تعاملها مع البشر.

انظروا إلى قيم الإسلام السامية، وأخلاقه الراقية، ومعاييره الموضوعية الصادقة المُعبِّرة عن الكرامة الإنسانية في كلِّ مكان، هذا دينُنا، هذا نبيُّنا، هذه سُنَّة نبيِّنا، فهل عندكم مثيلٌ لها؟! هيهات هيهات، والحمد لله ربِّ الأرض والسماوات.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية