الزكاة في الاسلام

الزكاة في الاسلام

الزكاة في الإسلام


لَقَدْ جَاءَتْ شَرَائِعُ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَى الْعِبَادِ، وَأَلْزَمَهُمْ بِهَا؛ لِتَحْقِيقِ مَنَافِعِهِمْ وَبُلُوغِ مَصَالِحِهِمْ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ؛ "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي"


أهمية الزكاة وحُكمها ومصارفها


إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ فَرِيضَةَ الزَّكَاةِ؛ فَجَعَلَهَا أَحَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ الْعِظَامِ، وَذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَقَرَنَهَا بِالصَّلَاةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ، قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾[الْبَقَرَةِ:43].

وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ عَلَامَةٌ عَلَى صِدْقِ الْعَبْدِ فِي إِيمَانِهِ، وَتَسْلِيمِهِ لِرَبِّهِ، وَثِقَتِهِ بِوَعْدِهِ؛ وَلِذَلِكَ يَبْذُلُ أَغْلَى مَا يَمْلِكُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَرِضًا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أُطْلِقَ عَلَى الزَّكَاةِ لَفْظُ الصَّدَقَةِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الصِّدْقِ فِي مُسَاوَاةِ الْفِعْلِ لِلْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ وَلَا غَرَابَةَ؛ فَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ"

إِضَافَةً إِلَى أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ غَايَاتِ التَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ -تَعَالَى-: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾[الْحَجِّ:41].

وَلَمَّا كَانَتِ الزَّكَاةُ بِهَذِهِ الْأَهَمِّيَّةِ الْبَالِغَةِ؛ أَوْجَبَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾[الْبَقَرَةِ:43]، وَتَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ مَالِكٍ لِنِصَابٍ فَائِضٍ عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.

وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ لِلْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[التَّوْبَةِ:60].


من ثمار أداء الزكاة


إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- لَمْ يُوجِبِ الزَّكَاةَ عَلَى الْمَيْسُورِينَ مِنْ عِبَادِهِ؛ إِلَّا لِأَنَّهُ يُرِيدُ لَهُمْ أَنْ يَنَالُوا ثِمَارَهَا وَيَنْعَمُوا بِآثَارِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الزَّكَاةَ تَذْهَبُ بِشَرِّ الْمَالِ؛ فَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَدَّى الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ شَرُّهُ"

وَمِنْهَا: أَنَّهَا تَزِيدُ الْمَالَ وَلَا تُنْقِصُهُ؛ فَاللَّهُ -تَعَالَى- يَخْلُفُهُ بِخَيْرٍ مِنْهَا، قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾[سَبَأٍ:39]، يَخْلُفُهُ فِي الدُّنْيَا بِخَيْرٍ مِنْهُ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْجَنَّةِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الزَّكَاةَ سَبَبُ الرَّحْمَةِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾[الْأَعْرَافِ:156].

وَمِنْهَا: أَنَّهَا تُعَالِجُ النَّفْسَ مِنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[الْحَشْرِ:9].

وَمِنْ ثِمَارِهَا: أَنَّهَا تُذْهِبُ غِلَّ الصُّدُورِ وَالْكَرَاهِيَةَ، وَتُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ؛ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[التَّوْبَةِ:103].

وَمِنَ الثِّمَارِ: أَنَّ فِيهَا مُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَحْرُومِينَ، وَسَدَّ حَاجَاتِهِمْ، وَتَخْفِيفَ مُعَانَاتِهِمْ؛ ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[الذَّارِيَاتِ:19]؛ وَلَا شَكَّ أَنَّ إِنْفَاقَ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَخْلُقُ التَّوَازُنَ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ.

وَمِنْ ثِمَارِهَا: أَنَّهَا تُذْهِبُ الْأَمْرَاضَ وَالْأَسْقَامَ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ"

وَمِنْهَا: أَنَّ الزَّكَاةَ تُرَبِّي الصَّدَقَاتِ وَتُضَاعِفُهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾[الْبَقَرَةِ:276].

وَمِنْ فَضَائِلِ الزَّكَاةِ كَذَلِكَ: أَنَّهَا تُدْخِلُ صَاحِبَهَا الْجَنَّةَ؛ فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ"


عقوبة منع الزكاة


وَإِذَا كَانَ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ سَبَبًا لِلنَّمَاءِ وَالتَّطْهِيرِ وَالْجَنَّةِ وَسِعَةِ الرِّزْقِ؛ فَإِنَّ مَنْعَهَا سَبَبٌ فِي نَقِيضِ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِلَيْكُمْ بَعْضًا مِنْ تِلْكَ الْعُقُوبَاتِ: الْقَحْطُ وَالْمَجَاعَةُ الْعَامَّةُ عِنْدَ فُشُوِّ مَنْعِ الزَّكَاةِ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسُ خِصَالٍ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ... وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا"

وَمِنْ آثَارِ مَنْعِهَا: دَعْوَةُ الْمَلَكِ عَلَى الْمُمْسِكِ بِتَلَفِ مَالِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ، أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ، أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"

وَمِنْ آثَارِ ذَلِكَ: أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ يُعَذَّبُ بِنَفْسِ مَالِهِ أَيًّا كَانَ نَوْعُهُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ؛ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ؛ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ"؛ وَهَكَذَا فِي سَائِرِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ الَّتِي امْتَنَعَ أَصْحَابُهَا عَنْ أَدَائِهَا.


المصدر : من خطبة موجودة على موقع ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
لا تنس ذكر الله
لا إله إلا الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية