الصرف والتبذير

الصرف والتبذير

الصرف والتبذير في الإسلام


التحذير من التبذيرِ في المال


مِنْ حُسْنِ تدبيرِ العبدِ اقتصادُه في إنفاقِ مالِه، من غيرِ بُخْلٍ ولا إسرافٍ، فلا يَبخلْ على نفسِه وأهلِه، ولا يُبذِّرْ فيفقدُه ويزولُ عنه, ويبقى بعدَه متحسرًا, فالمالُ هبةٌ من اللهِ، وهو عَصَبُ الحياةِ، وسببٌ من أسبابِ إعفافِ النفسِ والأهلِ، والسعيِ في وجوهِ الخيرِ، وتفريجِ الكرباتِ، وقضاءِ الحاجاتِ، وجمعِ الشتاتِ.

من أضرار التبذير والإسراف


وعلى عكسِ ذلكَ فَقدْ حذَّر ربُّنا -جلَّ وعلا- من التبذيرِ في المالِ ونفَّرَ منه، ووَصَفَه في كتابِه بأقبحِ الصفاتِ، وَجَعلَ المبذرَ أخًا للشيطانِ؛ لأن أضرارَه كثيرةٌ وخطيرةٌ, فهو يَذْهبُ بالمالِ، ويُهلكَ التجارةَ، ويُضْعفُ رأسَ المالِ، ويجعلُ الواحدَ معدومًا، والآمنَ خائفًا، والمستقرَّ مشرَّدًا، وبسببِه تتوالى الهمومُ والنكباتُ على المبذِّرِ، ويكونُ عُرْضةً للمصائبِ، وتراكِم الديونِ، وهذا أمرٌ مشاهدٌ ومجربٌ.

والإسرافُ والتبذيرُ مرضانِ من الأمراضِ الفتَّاكةِ التي تنخرُ في قوِّةِ المجتمعِ وصلابتِه، فمنْ لا يجدُ شيئًا يتقوَّى به على أمورِ دينِه ودنياهُ، وشَاهَدَ مَنْ يُسرفُ ويُبذِّر ويرمي نعمَ اللهِ -تعالى- هنا وهناكَ، فإنَّه يضيقُ صدرُه، ويصيبُه الحُزنُ والضَّجرُ، ويمتلأ قلبُه كُرهًا وبغضًا، وحقدًا وحسدًا.

ولقد جاءتْ نصوصُ كثيرةٌ تُحذِّرُ من الإسرافِ والتبذيرِ، وتأمرُ بالتوسُّطِ في النَّفقةِ والاعتدالِ فيهَا، ومِنْ ذلكَ: قَولُه -تعالى-: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾[الإسراء: 26، 27]، وقَولُه -تعالى-: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾[الإسراء:29]، وقَولُه -جلَّ وعلا-: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[الأعراف:31]، وقَولُه -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾[الفرقان:67]

وقالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قيلَ وَقالَ، وإضاعَةَ المالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤالِ"، وقالَ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ"

قال ابنُ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه-: "التبذيرُ هو الانفاقُ في غيرِ حقٍّ، أمَّا الانفاقُ في الحقِّ فلا يُعدُّ تبذيرًا", وقال مجاهدُ -رحمه اللهُ-: "لو أنْفقَ إنسانٌ مالَه كلَّه في الحقِّ لم يكنْ مبذراً، ولو انْفقَ مُدًّاً في غيرِ الحقِّ كانَ مُبذِّراً".

فالتَّوسطُ والاعتدالُ في الإنفاقِ خُلقٌ فاضلٌ بين خُلقينِ مذمومينِ متطرِّفينِ، والمسلمُ الحقُّ هو الذي يُدركُ الغَايةَ مِنْ خَلْقهِ في هذهِ الدُّنيَا، فلا يكونُ همُّه الاستجابةَ لملذَّاتِ النَّفسِ والجَسَدِ فقط، بلْ يَستعملُ ما أعطاهُ اللهُ من هذِه النِّعمِ في تحقيقِ العبوديةِ الخالصةِ لربّه -جلَّ وعلا-، والتقرِّبِّ إليه بما يُرضيْه, فَمنْ شُكْرِ النِّعمِ صَرفُها في وجوهِها المشروعةِ؛ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾[إبراهيم:7]، ومن أعظمِ الكفرانِ للنِّعمِ صرفُها في غيرِ وجوهِها الشرعيةِ؛ ﴿وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد﴾[إبراهيم:7].

من صور الإسراف


لقد فشَا في المجتمعِ صورٌ كثيرةٌ من الإسرافِ المنهيِّ عنه شرعًا, والذي يُوقعُ صاحبَه في الإثمِ، ومن ذلك: غلاءُ المهورِ، واستئجارُ قصورِ أفراحٍ عاليةِ التكْلُفةِ، وكذلك شراءُ ألبسةٍ وفساتينَ بأغلى الأسعارِ؛ لارتدائِها في ليلةِ الزَّفافِ, سواءٌ من جهةِ العروسِ أو الحاضراتِ, والتَّكلُّفُ في عَمَلِ وليمةِ العُرسِ بأشكالٍ متنوعةٍ من الطَّعامِ والشَّرابِ والفواكهِ والحلوى، والتي يُهدرُ منها الكثيرُ، بلْ وربَّما تُلقَى في الزبالاتِ, والعياذُ باللهِ!.

وكذلكَ الإسرافُ في شراءِ الكمالياتِ، من أثاثٍ وفُرُشٍ وأمتعةٍ زائدةٍ, ممَّا لا فائدةَ منه إلا التَّباهي والظهورُ.

وكذا الإسرافُ في شراءِ المراكبِ الفارهةِ, والملابسِ والأثوابِ والمساكنِ الفاخرةِ، ممَّا يَجْعلُ بعضَ النَّاسِ يتحمَّلُ الديونَ العظيمةَ، تَكثُّرًا وتَفَاخُرًا، وَسَفَهًا في العقلِ.

وكذا الإسرافُ في تملُّكِ أفضلِ الجوالاتِ مِنْ أغلَى وأحدثِ الماركاتِ.

وكذلك الإسرافُ في شراءِ الأزياءِ والملابسِ الحديثةِ والاكسسواراتِ والأصباغِ والدهونِ وغيرِها من أدواتِ التجميلِ, والتي تكونُ من أفخرِ الأصنافِ والأنواعِ غاليةِ الثَّمنِ.

فاتَّقوا اللهَ -تعالى- واحْفظُوا نعمَ اللهِ عليكُم؛ فالنعمةُ بالشُّكرِ تدومُ وتبقَى، وبكفرِها تزولُ وَتمضِيْ.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية