غض البصر

غض البصر

غض البصر


تساهل الناس في النظر للنساء


لَقَدْ اسْتَهَانَ كَثِيرٌ مِنَّا بِالنَّظَرِ إلى النِّسَاءِ، عَبْرَ الأَجْهِزَةِ والشَّاشَاتِ, وَالأَسْوَاقِ والتَّجَمُّعَاتِ! حتى مَعَ الأَسَفِ صَارَتِ الصُّوَرُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مَأَلُوفَةً, وَالغَيرَةُ مَعْدُومَةٌ. وَفِعْلاً إذَا كَثُرَ الإمْسَاسُ قَلَّ الإحْسَاسُ.

ان النَّظَرُ هُوَ البَابُ الأَكْبَرُ لِلْقَلْبِ، وَأَقَرَبُ الطُّرُقِ إليهِ؛ لِذَا قَدَّمَهُ اللهُ تَعَالى فَأَمَرَ بِغَضِّ البَصَرِ قَبْلَ حِفْظِ الفَرْجِ؛ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾[النور:30].

تَأَمَّلُوا كَيفَ وَجَّهَ الْخِطَابَ لأَهْلِ الإيمَانِ؛ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ لأَنَّهمْ أَهْلٌ لِقَبُولِ أَوَمِرِ اللهِ تَعَالى، فَإيمَانُهُمْ يَقْتَضِي الاسْتِجَابَةَ، وَالانْقِيَادَ، وَإلَّا فَمَا مَعْنَى هَذا الإيمَانَ؟

وَغَضُّ البَصَرِ هُوَ كَفُّهُ، وَخَفْضُهُ، عَمَّا حَرَّمَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

ألا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْظَمَ الْمَصَائِبِ وَالذُّنُوبِ مَبْدَؤُهـا مِن النَّظَـرِ؟ وَلِذَا ذَكَّرَ اللهُ بِنِعْمَةِ البَصَرِ, فَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلِ: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً﴾[الأحقاف:26]. وَتَوَعَّدَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[الإسراء:36]. وَرَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَنْصَحُ عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- فَيَقولُ لَهُ: "يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ". وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نَظْرَةِ الفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي.

عِبَادَ اللهِ، مُفَاجَآتُ النَّظَرِ شَرٌّ لابُدَّ مِنْهُ خَاصَّةً فِي زَمَنِنَا مَعَ الأَجْهِزَةِ وَكَثْرَةِ الدِّعَايَاتِ فِيهَا؛ فَمِنْ عِلاجَاتِ ذَلِكَ أَنْ تَصْرِفَ بَصَرَكَ مُبَاشَرَةً وَلا تَتَمَادَى بِالنَّظَرِ. وَلِذَا نَبَّهَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِوُجُوبِ صَرْفِ الْبَصَرِ, ثُمَّ بَيَّنَ لَكَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالى: "كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ".

تساهل الناس في النظر للنساء


لَقَد تَفَنَّنَ أَعدَاءُ الفَضِيلَةِ وَالطُّهْرِ في الإغْوَاءِ وَالإفْسَادِ فَجَعَلُوا جَسَدَ الْمَرْأَةِ آلَةً لَهُمْ, وَسَهْمًا أَصَابُونَا بِمَقْتَلِهِ, وَنَسِيَ الْمُسْلِمُ أَنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاء". وَقَالَ: "وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ".

من شكر نعمة البصر غض البصر عن النساء


إنَّ مِنْ تَمَامِ تَقْوَى اللهِ تَعَالى أَنْ تَشْكُرَهُ على نِعْمَةٍ هِيَ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ ألا وَهِيَ الْبَصَرُ, وَمِنْ تَمَامِ شُكْرِ نِعْمَةِ البَصَرِ أنْ لا تَعْصِيَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا، وَلْنَتَذَكَّرْ عَظِيمَ ثَوَابِ مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْحَرَامِ، فَأِنَّ مَنْ تَرَكَ شَيئًا للهِ عَوّضَهُ اللهُ خَيرًا مِنْهُ. وَلَمَّا أَمَرَ اللهُ بِغَضِّ البَصَرِ بَيَّنَ الْهَدَفَ والْغَايَةَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾[النور:30]. يَعْني أَطْهَرُ لِقُلُوبِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ, فَالْقَلْبُ يَطْمَئِنُّ, والنَّفْسُ تَرْتَاحُ وَتَنْشَرِحُ, والْبَدَنُ يَسْلَمُ مِنْ الْجَهْدِ والْعَنَاءِ والْمَرَضِ. وَقَدْ قِيلَ: الصَّبْرُ عَلَى غَضِّ البَصَرِ أَيْسَرُ مِنْ أَلَمٍ بَعْدَهُ.

والزَّكَاءُ -يَا كِرَامُ- كَمَا يَكُونُ لِلفْرْدِ يَكُونُ لِلمُجْتَمَعِ كَذَلِكَ فَالْمُجْتَمَعُ الزَّكِيُّ الْنَقِيُّ، هُوَ مَنْ يُحَقِّقُ غَضَّ الْبَصَرِ وَيَحْمِي نِسَاءَهُ مِنْ التَّبَرُّجِ والْسُّفُورِ؛ فَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾[النساء:27].

من الوسائل المعينة على غض البص


أَيُّها الأَخُ الْمُسْلِمُ اليومَ مَعَ الأَسفِ الشَّدِيدِ قَد أَصْبَحَتُ صُورُ النِّسَاءِ أَمَامَ نَاظِرِيكَ، وَبينَ يَدَيْك،َ حَتَّى -والْعِيَاذُ بِاللهِ- غَدَتِ الْمَشَاهِدُ الْمُخِلِّةُ الفَاضِحَةُ في مُتَنَاوَلِ الصِّغَارِ أَسْرَعَ مِنَ الكِبَارِ، يَتَصَفَّحُونَها كَيفَما شَاءَوا! وَمَتى شَاءَوا!. فَقَد فَتَحَتْ هَذهِ الأَجْهِزَةُ كُلَّ الأَقْفَالِ, وَهَتَكَتْ كُلَّ الْقِيَمِ, وَلا عَاصِمَ اليَومَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إلَّا مَنْ رَحِمَ.

أَيُّهَا الأَخُ الصَّادِقُ البَاحِثُ عَنْ النَّجَاةِ والْمَخْرَجِ: إليكَ بَعْضُ الوَسَائِلِ التي تُعِينُنَا عَلى خَوضِ مَعْرَكَةِ غَضِّ أَبْصَارِنَا؛ فَالأَمْرُ يَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ وَمُصَابَرَةٍ, وَعَزْمٍ وَجِدٍّ وَمُجَاهَدَةٍ لِلنَّفْسِ، وَالهَوَى، وَالشَّيطَانِ، فَامْنَحْنِي فُؤَادَكَ، وَأَرْعِ لِي سَمْعَكَ, وَافْتَحْ لِي عَقْلَكَ لِأَقُولَ لَكَ مَا أَمَرَنَا اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

القَاعِدَةُ الأُولى:

هِيَ قَولُ اللهِ تَعَالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾[النور:30]؛ فِمِمَّا قَالَهُ العَالِمُ الرَّبَّانِيُّ الإمَامُ السَّعْدِيُّ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: "لَقَدْ أَرْشَدَ اللهُ الذِّينَ مَعَهُمْ إيمَانٌ، يَمْنَعُهُمْ مِن الوقُوعِ بِمَا يُخِلُّ بإيمَانِهِمْ أَنْ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ عَنْ النَّظَرِ إلى العَورَاتِ وَالنِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ، والْمُرْدَانِ، خَوفًا مِنْ الفِتْنَةِ بِهِمْ، فَيَقَعُ في الْمَحْذُورِ.

فَحِفْظُ الأَبْصَارِ وَالفُرُوجِ أَزْكَى لَهُمْ وَأَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَأَنْمَى لِأَعْمَالِهِمْ؛ فَمَنْ تَرَكَ شَيئًا لِلهِ، عَوَّضَهُ اللهُ خَيرًا مِنْهُ، وَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَن الْمُحَرَّمِ، أَنَارَ اللهُ بَصِيرَتَهُ.

القَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ:

إذَا ابْتُلِيتَ بِنَظَرٍ فَاصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُ مُبَاشَرَةً وَلا تَسْتَرْسِلْ فَهَذِهِ وَصِيَّةُ الْمُحِبِّ لَكَ الْمُشْفِقِ عَلَيكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

القَاعِدَةٌ الثالثة:

قَولُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تُتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَة". وَمَعْنَاهُ إنْ عَاوَدَّتَ النَّظَرَ مُخْتَارًا مُعْجَبًا وَقَعَتْ هَذِهِ النَّظَرَاتُ فِي قَلْبِكَ وَاسْتقَرَّتْ وَأَخَذَتْ مِنْ قَلْبِكَ وَنَفْسِكَ مَكَانًا. حينَهَا اسْتَولَتْ عَليكَ.

جَاءَ عَن الْحَسَنِ: "مَنْ أَطْلَقَ طَرْفَهُ طَالَ أَسَفُهُ". وَقَالَ آخَرُ: "النَّظَرَاتُ تُورِثُ الحَسَرَاتِ، أَوَّلُهَا أَسَفٌ، وَآخِرُهَا تَلَفٌ، فَمَنْ تَابَعَ طَرْفَهُ تَابَعَ حَتْفَهُ".

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية