أبو ذر الغفاري

أبو ذر الغفاري

أبو ذر الغفارى


هو جندب بن جنادة من غفار ، قبيلة لها باع طويل في قطع الطريق ، فأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع ، انهم حلفاء الليل ، والويل لمن يقع في أيدي أحد من غفار ولكن شاء المولى أن ينير لهذه القبيلة دربها بدأ من أبي ذر رضي الله عنه ، فهو ذو بصيرة ، و ممن يتألهون في الجاهلية ويتمردون على عبادة الأصنام ، ويذهبون الى الايمان بإله خالق عظيم ، فما أن سمع عن الدين الجديد حتى شد الرحال الى مكة.

اسلام أبي ذر

دخل أبو ذر رضي الله عنه مكة متنكرا ، يتسمع الى أخبار أهلها والدين الجديد ، حتى وجد الرسول ﷺ في صباح أحد الأيام جالسا ، فاقترب منه وقال : «نعمت صباحا يا أخا العرب » فأجاب الرسول : «وعليك السلام يا أخاه » قال أبوذر : «أنشدني مما تقول» فأجاب الرسول : «ما هو بشعر فأنشدك ، ولكنه قرآن كريم » قال أبوذر : «اقرأ علي » فقرأ عليه وهو يصغي، ولم يمض غير وقت قليل حتى هتف أبو ذر: « أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ».
وسأله النبي ﷺ : «ممن أنت يا أخا العرب » فأجابه أبوذر : «من غفار » وتألقت ابتسامة واسعة على فم الرسول ﷺ ، واكتسى وجهه بالدهشة والعجب ، وضحك أبو ذر فهو يعرف سر العجب في وجه الرسول الكريم ، فهو من قبيلة غفار أفيجيء منهم اليوم من يسلم ؟! وقال الرسول ﷺ : «ان الله يهدي من يشاء » أسلم أبو ذر من فوره ، وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس ، فقد أسلم في الساعات الأولى للاسلام.

تمرد أبو ذر على الباطل

كان أبو ذر رضي الله عنه يحمل طبيعة متمردة ، فتوجه للرسول ﷺ فور اسلامه بسؤال : «يا رسول الله ، بم تأمرني ؟ » فأجابه الرسول : «ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري » فقال أبو ذر : «والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد » هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته : «أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله » كانت هذه الصيحة أول صيحة تهز قريشا ، من رجل غريب ليس له في مكة نسبا ولا حمى ، فأحاط به الكافرون وضربوه حتى صرعوه ، وأنقذه العباس عم النبي بالحيلة فقد حذر الكافرين من قبيلته اذا علمت ، فقد تقطع عليهم طريق تجارتهم ، لذا تركه المشركين ، ولا يكاد يمضي يوما آخر حتى يرى أبو ذر رضي الله عنه امرأتين تطوفان بالصنمين « أساف ونائلة ». وتدعوانهما ، فيقف مسفها مهينا للصنمين ، فتصرخ المرأتان ، ويهرول الرجال اليهما ، فيضربونه حتى يفقد وعيه ، ثم يفيق ليصيح رضي الله عنه مرة أخرى : «أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ».

اسلام غفار

عاد رضي الله عنه الى قبيلته ، فحدثهم عن رسول الله ﷺ وعن الدين الجديد ، وما يدعو له من مكارم الأخلاق ، فيدخل قومه بالاسلام ، ثم يتوجه الى قبيلة ( أسلم ) فيرشدها الى الحق وتسلم ، ومضت الأيام وهاجر الرسول ﷺ الى المدينة ، واذا بموكب كبير يقبل على المدينة مكبرا ، فاذا هو أبو ذر رضي الله عنه أقبل ومعه قبيلتي غفار و أسلم ، فازداد الرسول ﷺ عجبا ودهشة ، و نظر اليهم وقال : «غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله » وأبو ذر كان له تحية مباركة من الرسول الكريم حيث قال : « ما أقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء ،أصدق لهجة من أبي ذر».

غزوة تبوك

في غزوة تبوك سنة ٩ هجري ، كانت أيام عسرة وقيظ ، خرج الرسول ﷺ وصحبه ، وكلما مشوا ازدادوا تعبا ومشقة ، فتلفت الرسول الكريم فلم يجد أبا ذر فسأل عنه ، فأجابوه : «لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره » فقال الرسول ﷺ : «دعوه ، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه » وفي الغداة ، وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا ، فأبصر أحدهم رجل يمشي وحده ، فأخبر الرسول ﷺ ، فقال الرسول : «كن أبا ذر» وأخذ الرجل بالاقتراب فاذا هو أبو ذر رضي الله عنه يمشي صوب النبي ﷺ ، فلم يكد يراه الرسول ﷺ حتى قال : «يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده».

وصية الرسول لأبا ذر

ألقى الرسول ﷺ على أبا ذر في يوم سؤال : «يا أبا ذر ، كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء » فأجاب قائلا : «اذا والذي بعثك بالحق ، لأضربن بسيفي» فقال له الرسول ﷺ : « أفلا أدلك على خير من ذلك ؟اصبر حتى تلقاني» وحفظ أبو ذر وصية الرسول الغالية فلن يحمل السيف بوجوه الأمراء الذين يثرون من مال الأمة ، وانما سيحمل في الحق لسانه البتار.

جهاد أبا ذر بلسانه

مضى عهد الرسول ﷺ ومن بعده عهد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، في تفوق كامل على مغريات الحياة وفتنتها ، وجاء عصر عثمان رضي الله عنه وبدأ يظهر التطلع الى مفاتن الدنيا ومغرياتها ، و تصبح السلطة وسيلة للسيطرة والثراء والترف ، رأى أبو ذر ذلك فمد يده الى سيفه ليواجه المجتمع الجديد ، لكن سرعان ما فطن الى وصية رسول الله ﷺ : « وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ » فكان لابد هنا من الكلمة الصادقة الأمينة ، فليس هناك أصدق من أبي ذر لهجة ، وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة معترضا على ضلالها ، وأصبح الراية التي يلتف حولها الجماهير والكادحين ، وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين : «بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة».

وبدأ أبو ذر بالشام ، أكبر المعاقل سيطرة ورهبة ، هناك حيث معاوية بن أبي سفيان وجد أبو ذر رضي الله عنه فقر وضيق في جانب ، وقصور وضياع في الجانب الآخر ، فصاح بأعلى صوته : «عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه » ثم ذكر وصية الرسول ﷺ بوضع الأناة مكان الانقلاب ، فيعود الى منطق الاقناع والحجة ، ويعلم الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، جميعا شركاء بالرزق ، الى أن وقف أمام معاوية يسائله كما أخبره الرسول ﷺ في غير خوف ولا مداراة ، ويصيح به وبمن معه : «أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم ؟» ويجيب عنهم : «نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ، وشهدتم مع الرسول المشاهد»، ويعود بالسؤال : «أولا تجدون في كتاب الله هذه الآية :﴿... وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ۝يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم وَظُهورُهُم هذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ﴾ [التوبة: ٣٤-٣٥]»

فيقول معاوية : « لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب» فيصيح أبو ذر : «لابل أنزلت لنا ولهم » ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل الى الخليفة عثمان رضي الله عنه : «ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام» فيكتب عثمان الى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود الى المدينة ، ويقول للخليفة بعد حوار طويل : «لا حاجة لي في دنياكم » وطلب الاذن بالخروج الى ( الربذة )وهناك طالبه البعض برفع راية الثورة ضد الخليفة ولكنه زجرهم قائلا : «والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ، أو جبل، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي».

فأبو ذر لا يريد الدنيا ، بل لا يتمنى الامارة لأصحاب رسول الله ليظلوا روادا للهدى لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه يريد ضمه فقال له أبو ذر: «لست أخيك ، انما كنت أخيك قبل أن تكون واليا وأميرا » كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا ، فأزاحه عنه وقال : «اليك عني ، ألست الذي وليت الامارة ، فتطاولت في البنيان ، واتخذت لك ماشية وزرعا» وعرضت عليه امارة العراق فقال : «لا والله لن تميلوا علي بدنياكم أبدا».

اقتداء أبو ذر بالرسول

عاش أبو ذر -رضي الله عنه- مقتديا بالرسول ﷺ فهو يقول : «أوصاني خليلي بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر الى من هو دوني ولا أنظر الى من هو فوقي ، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أصل الرحم ، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من : لاحول ولا قوة الا بالله » وعاش على هذه الوصية ، ويقول الامام علي رضي الله عنه : «لم يبق اليوم أحد لايبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر»
وكان يقول أبو ذر لمانعيه عن الفتوى : «والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عنقي ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله ﷺ قبل أن تحتزوا لأنفذتها » ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما فقال له : «أليس لك ثوب غير هذا ؟لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين ؟» فأجابه أبو ذر : «يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني » قال له : «والله انك لمحتاج اليهما » فأجاب أبو ذر : «اللهم غفرا انك لمعظم للدنيا ، ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟».

وفاة أبي ذر

في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ، وبجواره زوجته تبكي ، فيسألها : «فيم البكاء والموت حق ؟» فتجيبه بأنها تبكي : «لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا !» فيبتسم ويطمئنها ويقول لها : «لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله ﷺ ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول : «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين » وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري ، وها أنا ذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت » وفاضت روحه الى الله ، وصدق فهذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى رأسها عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول : «صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك » وبدأ يقص على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :





عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية