تربية المؤنسات الغاليات

تربية المؤنسات الغاليات

تربية المؤنسات الغاليات


الأبناء والبنات نعمة وعطاء رباني


عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا فأخبرته، فقال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترًا من النار"

إن البنين والبنات نعمة من نعم الله العظيمة، وعطية من عطاياه الكريمة، فهم بهجة النفوس، وأنس البيوت، ومصدر سعادة الأبوين، وقد خص الله -تعالى- البنات بمزيد تشريف وتكريم، حين قدمهن في الذكر على البنين، فقال -سبحانه-: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾[الشورى: 49].
وبين النبي صلى الله عليه وسلم مكانة البنات وأثرهن الجميل في حياة آبائهن وأمهاتهن فقال صلى الله عليه وسلم: "إنهن المؤنسات الغاليات"


وصايا نبوية بالبنات


أوصى صلى الله عليه وسلم بالرحمة بهن، وإحسان صحبتهن، وكفايتهن ورعايتهن، وإدخال السرور إلى قلوبهن، ووعد من رزقهُن فأكرمهن، وأحسن تربيتهن وتعليمهُن؛ بأن يحفظه الله تعالى من عذابه يوم القيامة، ويدخله سبحانه جنته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كُنَّ له ثلاث بنات يؤويهِنَّ ويرحمهُنَّ ويكفلهنَّ؛ وجبت له الجنة". قيل: يا رسول الله، فإن كانت اثنتين؟ قال: "وإن كانت اثنتين"؛ فرأى بعض القوم أن لو قالوا له: واحدةً، لقال: واحدةً.

وقال صلى الله عليه وسلم: "من عال جاريتَين -أي بنتين- حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو" وضم أصابعه. ؛ أي رافقني في الجنة.


إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للبنات


لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل البنات باللطف والإحسان، ويكرمهن غاية الإكرام، جامعًا بين الرحمة النبوية، والرعاية الأبوية، يتدفق قلبه لهن حنانًا ومحبة، وعطفًا وشفقة؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرحم الناس بالعيال"

وكُنَّ يحظين بحظهن من اللعب معه صلى الله عليه وسلم في صغرهن؛ لينشأن تنشئة سليمة، متوازنة، مستقيمة. وكان صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت ابنته زينب على عاتقه وهو يصلي، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل بناته إذا كبرن بمزيد من الرأفة والمودة، والرحمة والمحبة؛ فكان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت عليه فاطمة رضي الله عنها قام إليها، فرحب بها، وبسط رداءه لها، وأجلسها في مجلسه.

وكان صلى الله عليه وسلم يحادثها وتحادثه، ويأتمنها على أسراره؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال لها -عليه الصلاة والسلام-: مرحبا بابنتي؛ ثم أجلسها وأسر إليها حديثا فبكت، ثم أسر إليها حديثا فبكت، ثم أسر إليها حديثا فضحكت، قالت عائشة -رضي الله عنها-: فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-."

وكان -صلى الله عليه وسلم- يحمي بناته ويراعي مشاعرهن، ويطيب خواطرهن، فقد قال في حق فاطمة -رضي الله عنها-: "فاطمة بضعة مني -أي: قطعة مني- فمن أغضبها أغضبني"

كما كان -صلى الله عليه وسلم- يعتني ببناته في مرضهن، ويسهر على راحتهن، فعندما مرضت ابنته رقية -رضي الله عنها-، وأراد -صلى الله عليه وسلم- السفر؛ أذن لزوجها عثمان -رضي الله عنه- بالبقاء عندها لرعايتها، وبشّره بأجر عظيم

ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يشاور بناته في أمر زواجهن؛ إكرامًا لهن، وتقديرًا لحقهن، ويختار الأكفأ لهن وييسر مهورهن، ويسهل زواجهن؛ ليسعدهن ويُدخل السرور إلى قلوبهن. روى بعضًا من ذلك أحمد وغيره.

واستمرت عنايته -صلى الله عليه وسلم- بهن بعد زواجهن، فكان يزورهن في بيوتهن، ويجلس معهن، ويتفقد أحوالهن، وكُنَّ يلجأن إليه عند حدوث المشكلات؛ فكان لهن الأب الرحيم، والقلب الرقيق؛ الذي يشاركهُن فرحهن، ويحرص على سعادتهن في بيوت أزواجهن، وهنائهن في حياتهن. جاء -صلى الله عليه وسلم- بيت فاطمة فلم يجد عليًا في البيت، فقال: "أين ابن عمكِ؟" قالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني، فخرج، فلم يقِل عندي. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإنسان: "انظر أين هو؟".


أهمية حسن تربية البنات


تربية البنات لها أهمية كبيرة، فهي قُربى إلى الله، والمرأة المسلمة لها أثر في حياة كل مسلم، فهي المدرسة الأولى في بناء المجتمع الصالح، وهي ركيزة المستقبل، فهي الزوجة الصالحة والأم الحانية وحاضنة الأبناء. إذا نشأت البنت صالحة في بيتها متدينة في سلوكها، فإننا بذلك نضمن -بإذن الله- بناء أسرة مسلمة تخرج جيلاً صالحًا قويًا في إيمانه، جادًا في حياته من الفتيات، يكنَّ مصدرًا للفضيلة والتقوى، يبنين المجتمع ولا يهدمنه، يؤسسن الأسرة ولا يهربن منها، وينشرن الخير والحب (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله).

والتربية الصحيحة للفتاة تقتضي تعاون الأب والأم القوي والتنسيق الفكري بينهما لتؤتي التربية أُكلها.


أسس التربية الصحيحة للفتاة


الأساس الأول في بناء الفتاة هو التركيز على حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعليمها الفرائض الدينية، وتنشئتها منذ الصغر على الدين والفضيلة، وغرس ذلك في نفسها بالإقناع والتربية، يغذي ذلك وينمي أفكارهن قصص أمّهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الصحابيات اللاتي صنعن المجد بجودة تربيتهن. تحقق التربية جودتها حين تكون الأم قدوة حسنة لابنتها، متمثلةً قيم الإسلام، مع سلوك حسن وسيرة حميدة في حركاتها وملابسها وتصرُّفاتها، حينئذٍ تحاكي البنت أمَّها، وتكون صورة صادقة عنها في السلوك.

تربية البنت على خلق الحياء حارس أمين لها من الوقوع في المهالك، فأعظم ما تجمّلت به البنت هو خلق الحياء، فإن مشَت فعلى استحياء، زيها ورداؤها استحياء، سمتها الحياء، وقولها وفعلها وحركاتها يهذّبها الحياء ﴿فجاءته إحداهما تمشي على استحياء﴾ [القصص: 25].


وللأسف أن بعض الآباء والأمهات يعوّدون بناتهم على التبرج والسفور ومخالطة الرجال الأجانب من خلال تزيين الباطل لهن، أو شراء الملابس التي تخدش حياءهن من الملابس القصيرة أو الضيقة التي تبين مفاتنهن وأجزاء من أجسادهن.

وإن من الخطأ ما يظنه البعض: أن من الحرية أن يترك ابنته تلبس ما تشاء وتذهب حيث تشاء، وتخرج متى تشاء، وتدخل إلى البيت حين تشاء، بزعم أنه يثق فيها، وفي أفعالها، وينسى أننا في زمن الفتن والماديات وكثرة المغريات وضعف الأخلاقيات وكثرة المتربصين، وصديقات السوء كالشّرر الملتهب إذا وقع على شيء أحرقه، و"المرء على دين خليلِه، فلينظر أحدكم من يخالل".

إن من التربية: تعاهد الفتاة بالتوجيه والتنبيه، فإن القلوب تغفل، ويقظتها بالنصح والتذكير، والذكرى تنفع المؤمنين، مع ترويضها على الانضباط بأحكام الشرع في اللباس والحجاب، ومسألة الاختلاط خاصة في زماننا هذا.


أخطار تحيط بالفتاة المسلمة


إننا في هذا العصر نحتاج إلى المزيد من التركيز على تربية الفتاة والرعاية والعناية بها، فالفتاة المسلمة في زمننا هذا تتعرض من أعداء الفضيلة إلى حملة شعواء، تستهدف ضرب عفتها وطهارتها وأخلاقها وإسلامها، والخطورة تكمن في أن معنى إفساد فتاة مسلمة إفساد الزوجة وإفساد الأم وإفساد الجيل وإفساد المجتمع كله.

فيجب تحصين الفتاة من الفكر الخبيث الذي يفسدها، وتوعيتها بمخططات الأعداء. وفتاة الإسلام مطالبة بأن تكون سدًّا منيعًا ضد هذه المخططات بوعيها والتزامها، وحذرة من دعوة الذئاب للحريّة المزيّفة والحقوق المزعومة ﴿والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلًا عظيمًا﴾ [النساء: 27].

كما ان الفراغ مشكلة كبرى في حياة الفتاة، وملء أوقات الفتيات بالنافع المفيد حصانة ووقاية، من ذلك حفظ القرآن وتلاوته وتفسيره، وتعلم ما يتعلق بالمرأة من أحكام، وتوسيع دائرة الثقافة النافعة، وممارسة الهوايات المفيدة، ومرافقة البنت لأمها تصقل شخصيتها، وتكون دليلاً لها في حياتها، وتضيف إلى سيرتها دروسًا ناصعة.

إن من أعظم الأخطار التي تؤثر في تربية البنات: الانفتاح الفضائي من القنوات وشرور الإنترنت وغيرها، فهي تهدد بهدم كل القيم، وتحارب الدين والفضيلة، وتورث العري والفساد والانحلال، فالسلامة في البعد عنها، والسلامة لا يعدلها شيء.

إن تفكك الأسرة، وضعف الروابط بين أفرادها، كلٌ يهيم في وادٍ، الأب هناك، والأم هنالك، يولد جفوةً وجفوةً تتراكم أضرارها فوق بعضها على الفتاة، وقد ينكشف الغطاء بعد فوات الأوان عن سلوك غير حميد.

الدعاء أثره لا يخفى، وأهميته لا تُنسى، فابتهال الأبوين وتضرعهم إلى الله أن يصلح أولادهم دأب الصالحين، ودعاء الوالدين للأبناء مستجاب ﴿والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا﴾ [الفرقان: 74].



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية