تربية الأولاد

تربية الأولاد

تربية الأولاد وحديث « إِذَا بَلَغَ أَوْلاَدُكُمْ سَبْعَ سِنين...»


الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون :

في سنن الدار قطني وصححه الالباني:حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا بَلَغَ أَوْلاَدُكُمْ سَبْعَ سِنِينَ فَفَرِّقُوا بَيْنَ فُرُشِهِمْ وَإِذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُمْ عَلَى الصَّلاَةِ ».

إخوة الإسلام :

لقد حثَّ الإسلامُ على تربيةِ الأولاد، ووقايتهم من النارِ ،فقال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم:٦] ،وقال الله تعالى : ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾[ طه: ١٣٢ ] ، وقال الله تعالى : ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ﴾[ النساء : ١١ ]،ومدح الله تعالى عبادُ الرحمن بأنَّهم يقولون في دعائهم: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [الفرقان: ٧٤] ، وفي الصحيحين :«أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «كُلُّكُمْ رَاعٍ ،وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ،الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ،وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ،وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ - وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ »، وحرص السلفُ على تربيةِ أبنائِهم، وكانوا يتخذون لهم المُربين المتخصصين في ذلك، فللتربيةِ أثرٌ كبيرٌ في صلاحِ الأولاد؛ والأولادُ يُولدون على الفطرةِ، ثَّم يأتي دورُ التربيةِ في المحافظةِ على هذهِ الفطرة أو حرفها ،ففي صحيح البخاري : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ،فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ،كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ ،هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ»، فالولدُ على ما عودهُ والده ،والولدُ في صغرهِ أكثرُ استقبالاً واستفادةً من التربية ،فهو أمانةً عند والديهِ إن عوداهُ الخيرَ اعتاده، وإن عوداهُ الشرَ اعتاده .

ولكن من الملاحظ أنه يقع بعض الآباء والأمهات في أخطاء في تربية أبنائهم وبناتهم، على الرغم من أن الشرع الحنيف نهاهم عنها، وحذرهـم منها، لكنهم لم يهتموا بها، ولعلهم جهلوها، لقلة اطلاعهم على دينهم، لذا فَإننا نهيب بهم ونذكرهم بأنه يَجِبُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ وَسَائِرِ الأَوْلِيَاءِ تَعْلِيمُ الأَطْفَالِ الصِّغَارِ مَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ البُلُوغِ، فشرائعُ الدِّينِ يَنْبغي أنْ يتعَلَّمَها الأولادُ بالتَّدرُّجِ والتَّسلسُلِ حتَّى تكونَ سَهْلةً عليهم، ويُبْدَأُ معَهم في تَعليمِها قَبْلَ وقتِ وُجوبِها عليهم؛ فالطفلُ يُولَدُ لا يَعْقِلُ شيئًا، ثُمَّ يَكْتَسِبُ مَعارِفَه مِن المُلاحَظةِ والتَّعلُّمِ مِنَ الآخَرينَ وخاصَّةً الوالِدَينِ.

ومِنْ جُمْلَةِ مَا يَجِبُ تَرْبِيَةُ الأَوْلَادِ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ، بِحَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِرَاشٌ مُسْتَقِلٌّ، وَقد ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى نَقْلَاً عَنِ البَزَّازِيَّةِ: (إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عَشْرَاً لَا يَنَامُ مَعَ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَامْرَأَةٍ إلَّا بِامْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ. فَالمُرَادُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ النَّوْمِ خَوْفَاً مِنَ الوُقُوعِ فِي المَحْذُورِ، فَإِنَّ الوَلَدَ إذَا بَلَغَ عَـشْرَاً عَقَلَ الجِمَاعَ، وَلَا دِيَانَةَ لَهُ تَرُدُّهُ فَرُبَّمَا وَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ أَوْ أُمِّهِ، فَإِنَّ النَّوْمَ وَقْتُ رَاحَةٍ مُهَيِّجٌ لِلشَّهْوَةِ وَتَرْتَفِعُ فِيهِ الثِّيَابُ عَنِ العَوْرَةِ مِنَ الفَرِيقَيْنِ، فَيُؤَدِّي إلَى المَحْظُورِ وَإِلَى المُضَاجَعَةِ المُحَرَّمَةِ). لذلك يَجِبُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ أَنْ يُدَرِّبُوا أَوْلَادَهُمْ عَلَى الآدَابِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَالأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ العَالِيَةِ، وَالتي مِنْ جُمْلَتِهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ العَلَاقَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَخَاصَّةً إِذَا قَارَبُوا سِنَّ المُرَاهَقَةِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ يَعْنِي التَّفْرِيقَ بَيْنَ فُرُشِهِمْ، وَإِذَا تَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِرَاشٌ خَاصٌّ بِهِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ في الغِطَاءِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ غِطَاءٌ خَاصٌّ بِهِ.

أيها المسلمون

وفي هذا الحَديثِ الذي بين أيدينا اليوم ،يَقولُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذا بلَغَ أولادُكم سبْعَ سِنينَ، ففَرِّقُوا بين فُرشِهم"، أي: إذا بَلَغوا سِنَّ السَّابعةِ يُفرَّقُ بين الأولادِ بصِفةٍ عامَّةٍ، وبين الذُّكورِ والإناثِ بصِفةٍ خاصَّةٍ في النَّومِ بجانبِ بعضِهم البعضِ، ويُفْصَلُ بينَهم؛ وهو سِنُّ مَظِنَّةِ التَّمييزِ عندَ الطِّفلِ، حتَّى إذا وصَلوا إلى سِنِّ البُلوغِ والشَّهوةِ يَكونونَ قَدِ اعْتادوا على هذا الفَصْلِ، والْمُرادُ بالفُرشِ: أماكِنُ النَّومِ، "وإذا بلَغُوا عشْرَ سِنينَ فاضْرِبُوهم على الصَّلاةِ"، أي: إذا بَلَغَ الطِّفْلُ عَشْرَ سِنينَ أُلْزِمَ بالصَّلاةِ الَّتي ظَلَّ ثلاثَ سنَواتٍ يتَدرَّبُ عليها كما في روايةِ أبي داودَ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "مُرُوا أولادَكم بالصَّلاةِ وهم أبناءُ سبْعِ سِنينَ، واضْرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشْرٍ"، فإذا قَصَّر في الصَّلاةِ بَعْدَ هذه السِّنِّ ضُرِبَ وعُوقِبَ حتَّى يعتادَ على أدائِها، فإذا ما دَخَل وقتُ التَّكليفِ يكونونَ قد اعْتادوا عليها دونَ أَدْنى تَفريطٍ مِنْهم في تِلْكَ العِبادةِ، وهذا الحديث يتناول حكم الأولاد دون سن البلوغ، وأما إذا بلغوا الحلم ولو قبل سن العاشرة فحكمهم عندئذ حكم الكبير، فإذا أمِر الوالد بالتفريق بين أولاده وهم دون البلوغ، فإن ذلك يتأكد بل يلزم إذا بلغوا.

وقد فسر أهل العلم التفريق في المضاجع بأمرين: الأول: التفريق بين فرشهم، والثاني: ألا يناما متجردين على فراش واحد، فإن ناما بثيابهما من غير ملاصقة جاز ذلك عند أمن الفتنة. والأصل أن يكون لكل بنت فراش، وألا تشارك أختها البالغة أو الصغيرة فيه، لكن إذا لم يتيسر ذلك، واحتجن إلى النوم جميعا في سرير واحد، أو إلى نوم اثنتين في سرير، فلا بأس، على أن يكون لكل واحدة منهن غطاء أو لحاف يخصها، قال الحافظ ابن حجر في نوم الجماعة في فراش واحد:" وثبت من طرق أخرى أنه يشترط أن لا يجتمعوا في لحاف واحد " "فتح الباري"

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية ( إِذَا بَلَغَ أَوْلاَدُكُمْ سَبْعَ سِنِينَ فَفَرِّقُوا بَيْنَ فُرُشِهِمْ )


الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون:

ظاهر هذا الحديث أنه عام بين الذكور والذكور، وبين الإناث والإناث؛ إذ الشهوة حاصلة حتى بين الجنس الواحد، والتفريق يقتضي الفصل والمباعدة، قال العلامة الدهلوي: وإنما أمر بتفريق المضاجع لأن الأيام أيام مراهقة؛ فلا يبعد أن تفضي المضاجعة إلى شهوة المجامعة؛ فلا بد من سد سبيل الفساد قبل وقوعه، وإذا كان البيت واسعاً فالأفضل أن يستقل الأبناء في غرفة والبنات في غرفة أخرى، فهذا أفضل أيضاً.

أما عن المرأة الكبيرة أو المتزوجة فلا حرج في أن تنام في غرفة واحدة مع إخوتها من الذكور - بشرط أن يكون فراشها منفصلًا عن إخوتها، مع الأمن من الاطلاع على شيء من عورة بعضهم البعض، فيجب أن يحتاط كلٌّ منهم عند نومه، فيلبس ما يستر عورته، ويحفظها من الانكشاف؛ لأن النوم مظنة انكشاف العورة، وثوران الشهوة،

وفي هذا الحديثِ: بيانُ عِظَمِ قَدْرِ الصَّلاةِ والاهتمامِ بها، ومشروعيَّةُ ضَرْبِ الأبناءِ على التَّقصيرِ في الصَّلاةِ عِنْدَ بُلوغِهم سِنَّ العاشِرةِ. وفيه: الحثُّ على تَعليمِ الأولادِ ما يَنفعُهم ويُصلِحُهم، والحثُّ على سَدِّ كلِّ ذَرائعِ الفِتنةِ بينَ الذُّكورِ والإناثِ.

لا تنس ذكر الله
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية