يجب أن نفرح

 يجب أن نفرح

يجب أن نفرح


قابلت اليوم صديقين : أحدهما فَرحٌ فرحًا كبيرًا، والآخر حزنٌ حزنًا كبيرًا ؛ والسبب هو قدوم الشهر المبارك " شهر رمضان ".

وعندما وصلتُ البيت وجدت الجميع على مواقع التواصل الاجتماعى فرحين فرحة عارمة بحلول الشهر الكريم.

و التليفون لا يتوقف عن الرنين يزفون إلىّ البشرى ..
وحقٌ لنا أن نفرح بذلك الشهر ؛ لحديث النبى – صلى الله عليه وسلم – " " رغم أنفِ مَنْ أدْرَكَ رَمَضَان ولمْ يغفر له..

إنه شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتقل فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطيات ".

اتصلت بصديقي الحزين قلت له تقول أنك حزين أن شهر رمضان أتى عليك وأن والدك مات بكورونا رحمه الله وابنك معتقل فك الله أسره . لذا لا تستطيع الفرح , اقول لك أولا : هل تعلم أن قدوم شهر رمضان أحد العلامات التى توضح حب الناس للعبادة حينما يتذوقون حلاوتها ويجربونها ....
وهل تعلم أن الفرح بالعبادة سمة من سمات النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة الكرام وهو أحد علامات حب الله – عز وجل – والإيمان به .

وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يفرح بكل أمر يقربه من رضا الله عز وجل حتى ولو تصدق بشق تمرة . فهو يفرح فرحًا كثيرًا عندما يَسْلَمُ طفلٌ يهودي قبل موته ، ويفرح فرحة عارمة قبيل أن ترتقي روحه الشريفة إلى ربه وهو يلقي آخر نظرة على أصحابه وهم يصطفون للصلاة خلف أبى بكر فيبتسم..

وهل تعلم أنه كان لا يغضب إلا حين تُنتهك حرمة من حرمات الله – عز وجل – ويتغير وجهه وينتفض.

وها هو أبو بكر يتعجب من الناس يعزونه فى موت ابنه ولا يعزونه من أجل أن فاتته تكبيرة الإحرام..

ثانيا أقول أنه كان يفرح بالعبادة والأعياد مع أنه أكثر إنسان ابتلى – صلى الله عليه وسلم – فقد مات والده وهو فى بطن أمه وماتت أمه بعد ولادته بست سنوات ومات جده وعمه أبو طالب وزوجته السيدة خديجة ومات كل أبنائه الذكور أمام عينيه وماتت بناته كلّهن بحياته ما عدا " فاطمة " وقال لها ستلحقي بي بعد موتي ..

وهو أكثر إنسان ابتلى فى سبيل الدعوة كما روى ابن هشام عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص حين قال : ما رأيت أشد تعذيبا من النبي ؛ وأهل مكة يضربونه فى صحن الكعبة..

وكيف تم نفيه ثلاث سنوات هو وأصحابه حتى كانوا يأكلون أوراق الشجر .. ثم تلك الحروب التي خاضها اصابوه فيها واتعبوه وكيف وهو الاخ الرحيم باخوانه يموت أصحابه في سبيل هذا الدين أمام عينيه .....

وقد ابتلاه الله فى شرفه – صلى الله عليه وسلم – فى السيدة عائشة إلا أن الله برأها بالوحي وبالرغم من كل هذا الابتلاء صبر ، وكان يفرح بالطاعة والعبادة ويبث الراحة والأمل والسعادة فيمن حوله..

على الطرف الآخر من الهاتف كانت عبارات الراحة تنبعث من صديقي ..فأردفت : إن لم نفرح بالطاعة فبماذا نفرح ! هذا هو المكسب الحقيقى والمتعة الحقيقية.

يروى أنه بينما فلاح بسيط يعمل في حقله نظر إلى السماء فرأى سيدنا سليمان على بساط الريح، فقال: سبحان الله لقد أوتي آل داود ملكًا عظيما ، فنزل سيدنا سليمان وقال : ويحك يا رجل لقد قلت كلمة أعظم من ملكي هذا , إن ملكي زائل و كلمة سبحان اللهِ باقية ...

لقد عشنا فى بداية حياتنا حياة صعبة لكننا كنا نستمتع بالطعام والشراب والنوم والعمل وكل شيء على فقرنا وكنا أيام الثانوية والجامعة نعمل فى صعيد مصر فى الصحراء تحت الشمس المحرقة ثمّ بعد ذلك عشنا فى رغد ونعيم ، وأصبحنا نسافر ونحجز فى فنادق فخمة ونأكل من بوفيه مفتوح ما لذ وطاب ، فتلك اللقمة اليابسة انقضت ، وتلك اللقمة الطرية انقضت ولم تبقَ إلا اللقمة الحلال التى أكلت فى طاعة الله - عزّ وجل – ..

اشتهينا السفر خارجا فعرفنا طريق المطارات والانتظار فى المطارات وما فيها من رغبة ورهبة، وسافرنا إلى مدن وعواصم كثيرة بين عمل و فسح ولما زرنا مدينة "دبي" الفاتنة ، انزوينا في غرفة أنا وصديقي وهو الآن على الطرف الآخر من العالم حيا يرزق ، جلسنا نصلي خلفه بصوته الجميل العذب وروحه الجميلة العذبة ، نصوم بالنهار ونذهب إلى عملنا ، ثم نعود إلى هذه الغرفة التى كانت أجمل ما يكون ، ليس مرة ولا اثنين ولا ثلاثة وليس مع واحد أو اثنين أو ثلاثة وانقضت تلك الأيام..

وسافرنا إلى باريس بلد الجن والملائكة كما يسمونها ،فكنا نجلس فى القطارات نتلو أذكار الصباح والمساء شاردين عن كل هذا البهرج الزائف ، ثم أصبحنا لا نستطيع أن نقترب من المطارات ..فنحن ممنوعون من السفر ..ولم تبقَ لنا إلا لحظة قضيناها فى طاعة الله - عز وجل- ..

كانت أمنية حياتى وأنا صغير أن أمتلك دراجة؛ فأمتلكت سيارة متهالكة ، ثم سيارة حديثة بل ثلاث سيارات ، ثم بعت السيارات فى مشكلتي ولم أعد أملك إلا قدماي أسير عليهما ، انقضت تلك النعمة الزائلة ولم تبقَ إلا خطوات قضيناها فى طاعة الله – عز وجل – فعشنا حياتنا تتطامن هاماتنا أنوار الطاعة و تصافح قلوبنا شذا عطرها العبق لا يهمنا المكان أو الزمان ولا الناس يهمنا فقط أن نبلغ عن الله – عز وجل – .

اقترب منا و تقربنا إلى رجال سلطة ومال وكبار عائلات ودعاة ، فلما ظنّ بعضهم أننا أقل منهم أو أننا نحتاجهم تركناهم خلف ظهرنا وتخطيناهم ونسيناهم ربما ما زال بعضهم مشغولا بنا ، لكننا أبدا لم نفكر فيهم ولم نسأل عنهم ليس تقليلا من شأنهم ولاكبرا ، فهم كرام فضلاء ،لكننا منطلقون نحو الطاعة نحو السعادة الحقيقية...

منطلقون بكل ضعفنا وبكل أخطائنا وبكل فقرنا ، وو حدتنا..

منطلقون لأننا جربنا لذة الطاعة ذقنا لذتها مرة تلو الآخرى..

حتى عشنا سكرة الفكرة و ورونق ورشاقة الحركة ..
و تنسمنا عبق الحرية والجمال..

فلا فقر مع الله ، فالله غني ،
ولا وحدة مع الله فلا أنس إلا به
ولا ضعف مع الله فهو القوى والركن الركين،
ولا تشتت مع الله فهو الماجد الجامع المحي المميت الذى بيده ملكوت كل شيء ،
فحق لمن عاش هذةه اللحظة فى هذا الشهر الكريم أن يفرح وأن يمارس الفرح بالطاعة وهذه هى أول وأهم ثمرة من ثمرات رمضان.

عندما نفكر فى العبادات نجد فى كل عبادة معاني جميلة وعديدة وأبواب خير وصلاح للإنسان نفسه وللمجتمع.

يقول علماء التربية أن الانسان لو أراد أن يتربى على صفة او سلوك طيب معين فليمارسه مدة من 20 إلي 40 يوم سيكون طبيعة مركوزة فيه ..وسبحان الله جعل الله لنا شهر كامل لنغير أنفسنا إلى الأفضل إن أردنا بصدق ..بل وسن النبي لنا ستا من شوال بعد رمضان و أيام من شعبان قبيل رمضان فيجب أن نتعلم كيف نمارس الطاعة ونستمتع بها ونفرح بها رغم مافيها من جهد وتعب ومشقة.

وإذا كان الرياضيون كما نرى يجهزون أنفسهم بالتمارين الشاقة والمجهدة والمكلفة حتى يحافظون على مستواهم النفسي والبدني للعمل والإبداع والفوز فهكذا كان شهر رمضان كوعاء زمني كله أعمال شاقة ومضنية يجب ممارستها ؛ حتى نحافظ على مستوانا الروحي والنفسي والبدني ؛ لنواصل هذه الحياة بنجاح ، فالإنسان الذى هو مكون من روح وبدن لابد له من غذاء الروح قبل البدن وكما قال -ابن القيم -: إن الإنسان يستطيع أن يعيش بدون طعام وشراب ولكنه لا يستطيع أن يعيش بدون شرع الله ، لأنّ بانتفاء الطعام يموت البدن ، وبانتفاء شرع الله يموت الروح والبدن معًا .

ويقول صاحب الظلال : إنى لأرى الحضارة الغربية طائرا محيض الجناح له جناح قوي وهو المادة ، وله جناح مكسور وهو الروح لذا لايستطيع الطيران
لذا أطلقها سيدنا النبي مدوية عنيفة في وجوه السادرين الغافلين خير القرون قرني ...

إنها كانت أيام لامست جذور الأرض عنان السماء ....فكانت جنة الله في الأرض كما أخبر - ابن تيمية- في الأرض جنة من لم يطعمها لا يطعم جنة الآخرة ..قالوا : وما هي ؟ قال : طاعة الله ..

كتبه علي السيار
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية