جبر الخواطر في الإسلام

جبر الخواطر في الإسلام

جبر الخواطر


من معاني اسم الجبار جبر الخواطر


قال تعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر:23].

كما إنَّ (الْجَبَّارَ) بمعنى القَّهارِ وهو الذي دانَ لهُ كلُّ شيءٍ، وخَضعَ له كلُّ شيءٍ، ولا يقعُ في هذا الكونِ شيءٌ إلا بمشيئتِه -سبحانه-؛ فما شَاءَ كانَ، وما لم يَشأْ لم يكنْ، فهو -أيضاً- بمعنى الرَّؤوفِ الجابرِ للقلوبِ المنكسرةِ؛ فيجبرُ الكسيرَ، ويغني الفقيرَ، ويُيِّسرُ على المعسرِ كلَّ عسيرٍ، ويُعيذُ من لاذَ بهِ ولجأَ إليهِ، ويُجيبُ دعوةَ الدَّاعِ إذا رفعَ يديهِ، كما ذكرَ ابنُ القيِّمِ -رحمَه اللهُ- في نونيتِه:

كَذلكَ الجَبَّارُ في أَوْصافِهِ
            والجَبْرُ في أَوْصَافِه نَوْعَانِ

جَبْرُ الضَّعِيفِ وكُلُّ قَلْبٍ قد غَدَاَ
            ذَا كَسْرَةٍ فَالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ

والثَّاني جَبْرُ القَهْرِ بِالعِزِّ الَّذي
            لا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ

من مواقف جبر الله للخواطر


فها هو -سبحانه- يجبرُ قلبَ يوسفَ -عليهَ السَّلامُ- عندما ألقاهُ إخوتُه في البئرِ، فيوحي إليه بشارةً له وتخفيفاً عليه وتثبيتاً لقلبِه: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [يوسف:15].

وها هو -عزَّ وجلَّ- يجبرُ خاطرَ الرَّحمِ لمَّا عاذتْ به من القَطيعةِ، قَالَ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ".

وانظر في العالَمِ كم جبرَ اللهُ -تعالى- من قلوبِ، وكم فرَّجَ من كُروبِ، وكم كشفَ من خُطوبِ، وكم أغاثَ من منكوبٍ.

أمر الله رسوله ﷺ بجبر الخواطر


فجبرُ الخواطرِ خُلقٌ كريمٌ ومعنى عظيمٌ من صفاتِ اللهِ -تعالى- التي يُحبُّ أن يراها في عبادِه المؤمنينَ؛ ولذلكَ كانَ الحظُ الأوفرُ منها لسيِّدِ المُرسلينَ، وإمامِ المتقينِ -عليه صلاةٌ وسلامٌ دائمينِ-، وقد أوصاهُ اللهُ -تعالى- بعدمِ كسرِ الخواطرِ فقالَ: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ [الضحى:9-10] ؛ فالتزمَ بهذا؛ لأنَّهُ كانَ خُلُقُه القرآنَ.

من مواقف جبر الرسول ﷺ للخواطر


نحتاجُ أن نَجبرَ خاطرَ الحزينِ، عَنْ ‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ‏‏قَالَ: كَانَ لِي أَخٌ صَغِيرٌ يُكْنَى ‏‏أَبَا عُمَيْرٍ فَطِيمًا -أيْ تجاوزَ السَّنتينِ من عُمرِهِ- وَكَانَ ﷺ يُمَازِحُهُ، ‏وَكَانَ لَهُ ‏نُغَرٌ ‏-طائرٌ صَغيرٌ يُشبِهُ العُصفورِ- يَلْعَبُ بِهِ فَمَاتَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ ‏ذَاتَ يَوْمٍ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ: "مَا شَأْنُهُ؟"، قَالُوا: مَاتَ ‏نُغَرُهُ، ‏فَقَالَ مواسياً له وجابراً لقلبِه: "يَا ‏‏أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ ‏ ‏النُّغَيْرُ؟"، كأنَّه يقولُ: أخبرني ما الذي حدثَ؟.

ولكم أن تتخيلوا شعورَ هذا الغلامِ وهو يسترسلُ في حديثِه للنَّبيِّ ﷺ عن النُّغيرِ وذِكرياتِه ومشاعرِه، وما لهذا الحديثِ من الأثرِ في جبرِ خاطرِ الصغيرِ، وتسليةِ قلبِه الكسيرِ.

نحتاجُ أن نَجبرَ خاطرَ المُصابَ، اسمعوا إلى جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ -رضيَ اللهُ عنهُما- وهو يذكرُ كيفَ جبرَ بقلبِه النَّبيُّ ﷺ لمَّا لاحظَ عليه الحُزنَ والانكسارَ، يقولُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لِي: "يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: "أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟"، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ -عزَّ وجلَّ-: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ"؛ فيا اللهَ، هل تتصوروا حالَ جابرٍ، بعدَ هذا الخبرِ الجَابرِ؟.

نحتاجُ أن نجبرَ خاطرَ المظلومِ؛ فهذه عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- كلما حدَّثتْ بحديثِ الإفكِ، تذكرُ موقفَ امرأةً من الأنصارِ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي؛ فهل رأيتُم كيفَ أنَّ المشاركةَ في البُكاءِ، أصبحَ مثالاً من أمثلةِ الوفاءِ؛ فها هي الدَّمعاتُ كانَ لها أعظمُ الأثرِ والمواساةِ.

نحتاجُ أن نقولَ للمكلومِ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعونَ، إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى؛ فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، لَمَّا صُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، دَخَلَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- الْمَسْجِدَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ -وهي أمُّ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ-، فَمَالَ إِلَيْهَا فَعَزَّاهَا، وَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْجُثَثَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا الْأَرْوَاحُ عِنْدَ اللهِ -تعالى-؛ فَاتَّقِي اللهَ، وَعَلَيْكِ بِالصَّبْرِ".

قل للمريضِ: شفاكَ اللهُ وأعانَك، وكتبَ لكَ الأجرَ وأثابكَ، وأبشرْ؛ فقد وعدَ اللهُ -تعالى- الصَّابرينَ أجراً بغيرِ حسابٍ، وإنما هي ساعاتٌ وأيامٌ ثُمَّ مردُّنا إلى يومِ الحسابِ، ثُمَّ الجزاءُ والجنَّةُ والعَطاءُ والثَّوابُ.

قل للفقيرِ: انظرْ إلى أمسِك فقدْ ذهبَ بما فيه من خيرٍ وشرٍّ، وفي الغدِ رزقٌ سيأتيكَ سواءٌ كنتَ في برٍّ أو في بحرٍ، وليسَ بينكَ وبينَ الغنيِ إلا يومُك هذا؛ فاصبر.. وادعُ له: رزقكَ اللهُ -تعالى- من واسعِ فضلِه.

قل للجميعِ كلمةً طيِّبةً لعلَّها تكونُ سبباً في نهايةِ الآلامِ، إذا لم يكن عندكَ مالٌ تعينُ به على نوائبِ الأيامِ:

لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ
             فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ

وليكنْ لأهلِكَ من جبرِ الخواطرِ أوسعُ الحظِّ والنصيبِ، واسمعْ إلى سعيدِ بنِ إسماعيلَ الواعظِ -رحمَه اللهُ- وقد سُئلَ: أَيُّ أَعْمَالِكَ أَرْجَى عِنْدَكَ؟، فَقَالَ: إِنِّي لَمَّا تَرَعْرَعْتُ وَأَنَا بِالرَّيِّ وَكَانُوا يُرِيدُونَنِي عَلَى التَّزْوِيجِ فَأَمْتَنِعُ فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عُثْمَانَ قَدْ أَحْبَبْتُكَ حُبًّا أَذْهَبَ نَوْمِي وَقَرَارِي وَأَنَا أَسْأَلُكَ بِمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَأَتَوَسَّلُ بِهِ إِلَيْكَ لَمَا تَزَوَّجْتَنِي، فَقُلْتُ: أَلِكِ وَالِدٌ؟، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَحْضَرَتْهُ فَاسْتَدْعَى بِالشُّهُودِ فَتَزَوَّجْتُهَا، فَلَمَّا خَلَوْتُ بِهَا إِذَا هِيَ عَوْرَاءُ عَرْجَاءُ مُشَوَّهَةُ الْخَلْقِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَدَّرْتَهُ لِي، وَكَانَ أَهْلُ بَيْتِي يَلُومُونَنِي عَلَى تَزْوِيجِي بِهَا، فَكُنْتُ أَزِيدُهَا بِرًّا وَإِكْرَامًا وَرُبَّمَا احْتَبَسَتْنِي عِنْدَهَا وَمَنَعَتْنِي مِنَ الْحُضُورِ إِلَى بَعْضِ الْمَجَالِسِ، وَكَأَنِّي فِي بَعْضِ أَوْقَاتِي عَلَى الْجَمْرِ وَأَنَا لَا أُبْدِي لَهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَمَكَثْتُ كَذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَمَا شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ حِفْظِي عَلَيْهَا مَا كَانَ فِي قَلْبِهَا مِنْ جِهَتِي.

من المواقف التي تجبر فيها الخواطر


نحتاجُ أن نجبرَ خاطرَ من يعتقدُ أنَّه لا قيمةَ له في المجتمعِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، يُقال لَهُ: زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ، كَانَ يُهدِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الْهَدِيَّةَ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إن زاهِراً بَادِيَنا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ"، قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ -وَالرَّجُلُ لَا يُبصره-؛ فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَن هَذَا؟، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ، جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟"، فَقَالَ زَاهِرٌ: تجدُني يَا رَسُولَ اللَّهِ كاسِداً، قَالَ: "لَكِنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ، أَنْتَ عندَ اللهِ غَالٍ".

حتى في السُّرورِ والأفراحِ قد يكونُ جبرُ الخواطرِ للمحبةِ مفتاحٌ؛ فها هو كعبُ بنُ مالكٍ -رضيَ اللهُ عنه- لمَّا تاب اللهُ -تعالى- عليه وعلى صاحبيه الذينَ تخلَّفوا عن غزوةِ تبوكَ، يقولُ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ -رضيَ اللهُ عنه- يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ .. وكيفَ ينسى كعبُ هذه اللحظاتِ، وقد شاركَهُ طلحةُ الفرحةَ والتبريكاتِ ..

فاجبروا الخواطرَ، وشاركوا المشاعرَ، واعلموا أنَّها عبادةً لا ينساها اللهُ القويُّ القاهرُ، وقديماً قالوا: "من سَارَ بينَ النَّاسِ جابرًا للخَواطرِ أدركَه اللهُ في جَوفِ المَخاطرِ".

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية