حب الأوطان في الإسلام

حب الأوطان في الإسلام

حب الأوطان في الإسلام


أهمية حُبّ الأوطان في الإسلام


مِن أثمَن الأشياء عند أهل الفِطَر السليمة: حُبُّ البلاد التي وُلِدُوا فيها وعاشُوا على ثَراها، وأكلُوا مِن خيرات الله -جلَّ وعلا- فيها.

وإن هذه الحقيقةَ قد أقرَّتْها شريعةُ الإسلام، وأحاطَتْها بحُقوقٍ وواجِباتٍ رِعايةً لمصالِح الدين والدنيا معًا؛ فقد اقتَرَن حُبُّ البلاد والدِّيار عند الإنسان بحبِّ النفسِ، كما هو وصفُ القرآن العظيم، يقولُ -جلَّ وعلا-: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾[النساء: 66].

قال ابن العربي -رحمه الله- عند قصة مُوسَى -عليه السلام- ورجُوعِه بأهلِه: "وفي الرُّجُوع إلى الأوطان تُقتَحَمُ الأغوار، وتُرتكَبُ الأخطار، وتُعلَّلُ الخواطِر".

وفي قضيَّة حُبِّ الدِّيار ومحبَّة البلاد يُخاطِبُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مكةَ المُكرَّمة، يُخاطِبُها بحُزنٍ وشَوقٍ فيقولُ: "ما أطيَبُكِ مِن بلدٍ، وما أحبُّكِ إلَيَّ، ولولا أن قومَكِ أخرَجُونِي مِنكِ ما سكَنتُ غيرَكِ"
وعندما أرادَ الله -جلَّ وعلا- له الهِجرةَ إلى المدينة، وعاشَ في أرضِها وأقامَ، وتنوَّرَت برسالتِه.

قال -صلى الله عليه وسلم- مُعبِّرًا عن كَونِها بلدًا أصبَحَت مقرَّ إقامتِه: "اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكة أو أشد"

وفي وصفِ خِيرةِ خلقِ الله بعد الرُّسُل، يقولُ - جلَّ وعلا - واصِفًا الصحابةَ المُهاجِرين مِن مكة إلى المدينة: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر: 8]

حب الوطن نعمة ينبغي شُكرها


مِن أعظمِ نِعَم الله على العبدِ: استِقرارُه في بلدِه آمِنًا على نفسِه وأهلِه، عابِدًا ربَّه، مُطِيعًا لخالِقِه.

يقولُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أصبَحَ مِنكم آمِنًا في سِربِه، مُعافًى في جسَدِه، عنده قُوتُ يَومِه فكأنَّما حِيزَت له الدنيا"

الحُقُوق الواجِبة على الإنسان تجاه بلدِه


إن حُبَّ الديار في الإسلام يعني: الالتِزامَ بقِيَمٍ فاضِلَة، ومبادِئ زاكِية. إنه يعني: التعاوُن على جَلبِ على خيرٍ وصلاحٍ للبلاد وأهلِها، ودفعِ كل فسادٍ وعناءٍ عن الدِّيار وساكِنِيها. يقولُ - جلَّ وعلا -: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة: 2].

إن حُبَّ البلاد يقضِي بأن يعيشَ كلُّ فردٍ مع إخوانِه في بلادِه بمحبَّةٍ وتوادٍّ، وتراحُمٍ وتعاطُفٍ؛ استِجابةً لقولِه - جلَّ وعلا -: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات: 10]، ولقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "مثَلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم كمثَلِ الجسَدِ الواحِدِ، إذا اشتَكَى مِنه عُضوٌ تداعَى له سائِرُ الجسَدِ بالحُمَّى والسَّهر"

إنه الحبُّ الذي يبعَثُ على التواصِي بالبرِّ والتقوَى، والتناصُحِ على ما فِيه خَيرُ الدِّيار وإعمارُ الدار.

قال -جلَّ وعلا-: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[العصر: 2، 3].

ورسولُنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الدِّينُ النَّصِيحة" قالَها ثلاثًا، قال الصحابةُ: لمَن يا رسولَ الله؟ قال: "لله ولكتابِه ولأئمةِ المُسلمين وعامَّتِهم"

وإنه الحبُّ للبلاد الذي يقتَضِي الدِّفاعَ عن دينِها وعن منهَجِها وثوابتِها، والدِّفاعَ عن أرضِها ومُقدَّراتها، كلٌّ حسب قُدرتِه وطاقتِه ومسؤوليَّتِه، وإلى ذلك يُشيرُ القرآنُ في قوله -جلَّ وعلا-: ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾[البقرة: 246].

وإلى هذه الحقيقةِ يهدِفُ قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قُتِلَ دُون مالِه فهو شهِيدٌ، ومَن قُتِلَ دُون أهلِه فهو شهِيدٌ، ومَن قُتِلَ دُون دينِه فهو شهِيدٌ، ومَن قُتِلَ دُون نفسِه فهو شهِيدٌ"

إنه الحُبُّ للبلاد الذي يُلزِمُ أفرادَ المُجتمع أن يتصدَّوا لكلِّ مُخطَّطٍ ينالُ مِن مُقدَّرات البلاد ومصالِحِها الدينية والدنيوية معًا.

قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن رأَى مِنكُم مُنكَرًا فليُغيِّره بيدِه، فإن لم يستطِع فبلِسانِه، فإن لم يستطِع فبِقلبِه، وذلك أضعَفُ الإيمان".

ولا شكَّ أن مِن المُنكَرات: الوسائل والمُخطَّطات التي تنالُ مِن عقيدةِ البلاد وثوابتِها، او تنالُ مِن مُقدَّراتها وخيراتِها، أو تُزعزِعُ أمنَها واستِقرارَها.

وحُبُّ المُسلم لديارِه يجعلُه مُلزَمًا بأن يُحبَّ لبلادِه ووُلاتِها وأهلِها ما يُحبُّ لنفسِه، وأن يرعَى مصالِحَها كما يُحبُّ ويرعَى مصالِحَه الخاصَّة، ومنافِعَه الذاتيَّة.

قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتى يُحبَّ لأخِيه ما يُحبُّ لنفسِه"

مفاهِيم حُبِّ البلاد في الإسلام


مِن مفاهِيم حُبِّ البلاد في الإسلام: أن يحرِصَ كلُّ فردٍ مِن أفرادِ المُجتمع على كفِّ الأذَى والضَّرر عن البلاد وأهلِها.

ففي صحيح السنة: مِن حُقوق الطريق: إماطةُ الأذَى، وقد وردَت الأحاديثُ الصحيحةُ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التحذيرِ مِن وضعِ الأذَى في أفنِيَة الناسِ وطُرُقِهم ومنافِعِهم.

فالمُسلمُ مُطالَبٌ في بلادِه ولأهلِها أن يكون كما وجَّهَه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "المُسلمُ مَن سلِمَ المُسلمُون مِن لِسانِه ويدِه".

ومِن قواعِدِ الإسلام الكُبرَى: "لا ضررَ ولا ضِرارَ".

حُقوقِ البلاد وأهلِها على أفراده


ومِن حُقوقِ البلاد وأهلِها على أفرادِه: أن يحذَرَ المُسلمُ مِن الخِيانةِ لبلادِه ولوُلاتها ولمُجتمعها، وإن أقبَحَ صُور الخِيانة استِغلال الوظائِف والمناصِب للمصالِح الشخصيَّة، ومِن أقذَرِ أشكالِ ذلك الفسادُ بشتَّى أنواعِه، خاصَّةً الفسادَ المالِيَّ الذي جاءَت النُّصُوصُ بالتحذيرِ الأكيدِ مِنه، ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[آل عمران: 161].

والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن رِجالًا يتخوَّضُون في مالِ الله بغيرِ حقٍّ، فلهم النارُ يوم القِيامة"

ومِن حقِّ البلادِ علينا: التعاوُنُ مع مَن ولَّاه الله أمرَ سِياسةِ البلاد، بالعمل الصادِقِ معهم في الظاهِرِ والباطِنِ، وأن نعلَمَ أن طاعتَهم في غير معصِيةٍ واجِبٌ مِن واجِبات الشريعة الإسلامية، وأن يحرِصَ كلٌّ مِنَّا على لَمِّ اللُّحمةِ ووحدةِ الصفِّ، وجمعِ الكلِمة، وأن يكون الجميعُ مُجنَّدِين لحِمايةِ البلاد مِن كل مُخطَّطٍ يهدِفُ للإضرارِ والإفساد.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية