أحداث غزوة بدر

أحداث غزوة بدر

غزوة بدر


سبب غزوة بدر

سمع النبي ﷺ بقافلة تجارية لقريش قادمة من الشام بإشراف أبى سفيان بن حرب، وتتكون من ألف بعير محملة بالبضائع، يحرسها أربعون رجلاً فقط، فندب المسلمين إليها، ليأخذوها لقاء ما صادر المشركون من أموال وعقارات المسلمين في مكة. فخف بعضهم لذلك وتثاقل آخرون،إذ لم يكونوا يتصورون قتالاً فى ذلك.

وتحسس أبو سفيان الأمر وهو فى طريقه الى مكة، فبلغه عزم المسلمين على خروجهم لأخذ القافلة، فأرسل الى مكة من يخبر قريشاً بالخبر ويستفزهم للخروج لإنقاذ أموالهم .

فبلغ الخبر قريشاً فتجهزوا سراعاً وخرج كل منهم قاصدين القتال ولم يتخلف من أشراف قريش أحد وكانو قريباً من ألف مقاتل .

وخرج رسول الله ﷺ فى ليال مضت من شهر رمضان مع أصحابه، أما أبو سفيان فقد أتيح له أن يحرز عيره، فلما أخبر قريشًا بأن القافلة التجارية قد نجت، وأنه لا داعي للقتال، رفض أبو جهل إلا المواجهة العسكرية.

عدد مقاتلي المسلمين مقابل الكفار

خرجت قريش في نحو من ألف مقاتل، منهم ستمائة دارع (لابس للدرع) ومائة فرس، وسبعمائة بعير، ومعهم عدد من القيان يضربن بالدفوف، ويغنين بهجاء الإسلام والمسلمين.
أما المسلمون فكانت عدتهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، من المهاجرين ثلاثة وثمانون، وباقيهم من الأنصار ( 61 من الأوس، و170 من الخزرج) ، وكان معهم سبعون بعيرًا، وفرسان، وكان يتعاقب النفر اليسير على الجمل الواحد فترة بعد أخرى، وقبل المعركة، استشار النبي أصحابه، وخاصة الأنصار، في خوض المعركة، فأشاروا عليه بخوض المعركة إن شاء ، وتكلموا خيرًا.

سير المعركة

سار النبي ﷺ إلى أرض المعركة في بدر ، وعسكر النبي ﷺ عند أدنى ماء من العدو نزولاً على اقتراح الحباب بن المنذر، وتمام بناء مقر القيادة كما أشار سعد بن معاذ، وقبيل المعركة، أخذ الرسول ﷺ يسوي صفوف الجيش ، ويحرضهم على القتال، ويرغبهم في الشهادة، ورجع إلى مقر القيادة ومعه أبو بكر، وأخذ الرسول ﷺ في الدعاء والابتهال إلى الله أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، ثم حمي القتال، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين، وقد قُتل منهم أربعة عشر، وقُتل من جيش المشركين سبعون، وأُسر سبعون، وافتدى المشركون أسراهم بالمال ونحوه. وأصدر النبي ﷺ عفوًا عن بعض الأسرى دون أن يأخذ منهم الفداء ، نظرًا لفقرهم، وكلّف المتعلمين منهم بتعليم أطفال المسلمين القرأة والكتابة.

فوائد من غزوة بدر

سمى الله تعالى في القرآن يوم بدر بيوم الفرقان؛ لما كان فيه من التفريق بين الحق والباطل، وظهور نبينا ﷺ على قومه من المشركين ..
بعض ما اشتملت عليه من فوائد عظيمة يحتاج إليها كل مسلم ، فمن ذلك :

  1. أنّه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، فلقد خرج رسول الله ﷺ وأصحابه ولا يعلمون أنّ اللقاء سيكون بينهم وبين جيش مكة الذي استنفره أبو سفيان .

  2. لا عز ولا مجد ولا سيادة ولا ظهور إلا بإحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله ، بها علت راية لا إله إلا الله، وبها كتب الله الظهور لدينه ، والله تعالى وعد في القرآن الكريم بإظهار دينه في ثلاثة مواضع ، وفي كل موضع منها يذكر الله الجهاد قبلها وبعدها، وهي رسالة تقول لنا : إنه لا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بالتمسك بديني وإقامة شعيرة الجهاد في سبيلي . وهل أدل على ذلك من حديث نبي الله ﷺ :«إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»

  3. اليقظة والانتباهة في قيادة النبي ﷺ ، فلقد علم بخروج أبي سفيان إلى الشام وتعرض له وأفلت منه ، وها هو ﷺ يعلم برجوعه ويخرج بأصحابه لمقابلته ومن معه .

  4. على المسلم أن يسلم لأمر الله ، فإنه لا يدري أين الخير لنفسه، فخيرة الله لنا خير من خيرة أنفسنا لأنفسنا .

  5. بركة الاستشارة ، فلقد استشار صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو نبي يوحى إليه، قال الله له : ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159] .

  6. فضل الصحابة ، فإن النبي ﷺ لما استشارهم "قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: "يا رسول الله امض لما أراك الله، فنحن معك والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغِمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله ﷺ خيراً ودعا له. ثم قال رسول الله ﷺ: «أشيروا علي أيها الناس» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله ﷺ يتخوف أن لا تكون الانصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم. فلما قال ذلك رسول الله ﷺ قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال: :« أجل ». قال فقد آمنا بك، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصُبُر في الحرب ، صُدُق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ، ونشطه ذلك ، ثم قال: «سيروا وأبشروا؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم»

  7. رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمشركين ، فإن الصحابة لما أمسكوا بغلامين وكانوا يريدون أن يكونا لأبي سفيان وأخبرا بأنهما لأبي جهل ضربوهما ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، فلما قضى عاتب أصحابه في ذلك .

  8. من أطاع الله طوَّع الله له كل شيء ، قال تعالى : ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴾[الأنفال: 11-14] .

  9. أن الدعاء عامل رئيس من عوامل النصر على الأعداء ، فهو السلاح الفتّاك المهمل .

  10. أنّ العبادة لا ينبغي أن تكون إلا لله ، فالكل فقير إلى ربه ، والله هو الغني الحميد الصمد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها ، فكيف يُلجأ إلى غيره وخير خلق الله كان يلجأ إليه ؟!

  11. عظيم حب الصحابة للنبي ﷺ ، فلقد كان ﷺ يعدل صفوف أصحابه يوم بدر ، وفي يده قدح لذلك ، فمر بسواد بن غَزِيَّة وهو مستنصل من الصف ، فطعن في بطنه بالقدح وقال :«استو يا سواد» . فقال : يا رسول الله أوجعتني ، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني . فكشف رسول الله ﷺ عن بطنه وقال :«استقد» . فاعتنقه فقبل بطنه ، فقال ﷺ:«ما حملك على هذا يا سواد» ؟ قال يا رسول الله حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخرَ العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله ﷺ بخير .
    عجيب أن يتهيأ رسول الله ﷺ للقصاص في هذه الأزمة التي تمر بها أمته ! ومالي أعجب وهو الذي قال : «لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» وفي القصة كريم أخلاق النبي ﷺ، وفيها أنّ السلطان فمن دونه لا يعلو منهم أحد على الحق، فإذا ظلم الحاكم أحداً من رعيته وجب عليه أن يمكن المظلوم من القصاص ، وهي فائدة جرى القلم بها ولا أطمع أن يُشاهد ذلك في أرض الواقع !!

  12. الحنكة العسكرية في قيادة النبي ﷺ لجيشه ، فلقد أمر أصحابه برمي الأعداء بالنبل ثم قال : «واستبقوا نبلكم» وبهذا تقل منصرفات الحرب، ويثخن في العدو، ويدخر الجهد، وتعلو الروح المعنوية بالرؤية العاجلة لأثر النصر .

  13. الجنة تحت ظلال السيوف،فلقد قال النبي ﷺ لأصحابه :«قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات وَالْأَرْضُ» . فقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السماوات وَالْأَرْضُ ؟ قَالَ :«نَعَمْ» . قَالَ : بَخٍ بَخٍ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ» ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا . قَالَ :«فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا» . فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ .

  14. أنّ المسلم لا يرضى أن يساء رسول الله ﷺ، وهذه حقيقة المحبة، ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ : بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا ، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ : يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي ؟ قَالَ : أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا . قَالَ : فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ مِثْلَهَا ، قَالَ : فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ ، فَقُلْتُ : أَلَا تَرَيَانِ ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ ، فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَاهُ . فَقَالَ :«أَيُّكُمَا قَتَلَهُ» ؟ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَنَا قَتَلْتُ . فَقَالَ : «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا» ؟ قَالَا : لَا . فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ :«كِلَاكُمَا قَتَلَهُ» ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ . قال النووي رحمه الله :" قال أصحابنا : اشترك هذان الرجلان في جراحته ، لكن معاذ بن عمرو بن الجموح أثخنه أولاً فاستحق السلب ، وإنما قال النبي ﷺ : «كلاكما قتله» تطييباً لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في قتله ، وإلا فالقتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب وهو الإثخان وإخراجه عن كونه متمنعاً إنما وجد من معاذ بن عمرو بن الجموح ، فلهذا قضى له بالسلب . قالوا : وإنما أخذ السيفين ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما ، فعلم أن ابن الجموح أثخنه ، ثم شاركه الثاني بعد ذلك وبعد استحقاقه السلب ، فلم يكن له حق في السلب . هذا مذهب أصحابنا في معنى هذا الحديث" . ثم احتز ابن مسعود رضي الله عنه رأسه بعدُ وذهب به إلى نبي الله ﷺ.

  15. وفاء النبي ﷺ حتى مع الكافرين ، فقد ورد في دلائل النبوة للبيهقي أنّ النبي ﷺ قال :«من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله» ، ثم أورد البيهقي قول ابن إسحاق :" وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكفَّ القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، وكان لا يؤذيه ، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه. وكان ممن قام في نقض صحيفة المقاطعة .
    وتشرق شمس الوفاء في موطن آخر ، لما قال النبي صلى الله عليه في أُسَارَى بَدْرٍ :«لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»، قالها وفاءً له ؛ فإنّ النبيﷺ لما انصرف عن أهل الطائف ، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره ، فقال : أنا حليف والحليف لا يجير . فبعث إلى سهيل بن عمرو ، فقال : إن بني عامر لا تجير على بني كعب . فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك ، ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ، ثم بعث إلى رسول الله ﷺ : أن ادخل فدخل رسول الله ﷺ ، فطاف بالبيت ، وصلى عنده ، ثم انصرف إلى منزله . فما أحوجنا إلى وفاء النبي ﷺ مع أعدائه بين إخواننا !!

  16. ﴿ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة : 22] . في بدر : دعا أبو بكر ابنه إلى المبارزة، وقتل عمر خاله ، وعلي وحمزة قتلا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة ، وأسر أبو اليسر أبا عزيز بن عمير ، فمر به أخوه مصعب بن عمير فقال : اشدد يديك به؛ فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك ، قال له أبو عزيز : يا أخي هذه وصاتك بي ؟ فقال له مصعب : إنه أخي دونك . فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي ، فقيل لها : أربعة آلاف درهم، ففدته بها . ولما استشار النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه في الأسرى قال : أرى أن تمكِّنَّا فنضربَ أعناقهم ، فتمكنَ علياً من عَقِيل فيضرب عنقه ، وتمكِّنِّي من فلان -نسيباً لعمر - فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين
    فرضي الله عن أصحاب نبينا ما أصدق إيمانهم! ولن يذوق أحد طعم الإيمان بالله حتى يقيم هذه العقيدة في قلبه، عقيدةَ الولاء والبراء .

  17. الحق منصور ولكنه مبتلى ، ولابد من سنة التدافع بين أهل الحق والباطل ، فالفائز من استعمله الله ليعلي به دينه ، وإن ربك غني عن العالمين .

  18. الحرص على عدم مخالفة أمر الله ، فليس بين الله وبين عباده من نسب ، قال تعالى : ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرً﴾ [النساء : 123] , ففي صحيح مسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ :«مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى» ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ ؛ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» ...- فقال ما تقدم ذكره في الفائدة السابقة ثم قال عمر - : فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :«أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» ، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طيب ﴾[الأنفال: 67] ، ﴿فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ ﴾. والكتاب الذي سبق : ﴿ الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء﴾ [محمد:4] .

اللّهمّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية