حقوق الفتيات

حقوق الفتيات

حقوق الفتيات


الخطبة الأولى :

إن الحمد لله.... ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم:6].

إن روح الحب والمودة واللطف والعطف أمر لا تقوم الحياة الحقة بين المسلمين إلا به، ولا تَكْمل مسيرةُ الأسرة المسلمة إلا به، وليس في غنىً عنه لا أبناء ولا بنات، ولا آباء ولا أمهات، ولا أزواج ولا زوجات، وهو للأسف! ما نشكو من قلته وضعفه في مثل هذه الأيام.

وإذا نظرنا للأولاد - بنين وبنات - فإن البناتِ حظُّهن الأقلُّ في الحب والمودة والاهتمام وسائر الحقوق، على أنهن أكثر التزاماً، وأكثر تميزاً في الدراسة، وأكثر تديناً، وأكثر وفاءً للآباء، وأكثر عطفاً على الآباء والأمهات، مع ذلك فحظهن قليل فيمن يسبر أغوار حياتِهن، ويجلو صدأ قلوبهن، ويتحمل أخطاءهن، ويقف معهن في عثراتهن، ويراعي ضعفَهن وقلةَ حيلتهن.

سيكون الحديث هذا اليوم عن البنات؛ علّنا أن نقوم بما يجب علينا تجاههن قربا ومودة وعطفا وحبًّا.

إن الآباء يخطؤون كثيرا حينما يظنون أن تربية البنات هي مسؤولية الأمهات، ولا دخل للآباء بها، وهذا خطأ كبير؛ فإن البنتَ متى ما شعَرت بوجود والدها، وأحسَّت بحبه لها، ومتابعته وحرصه، ففي ذلك - بعد الإيمان بالله تعالى - أكبرُ حافزٍ لها في الاستقامة والتفوق والاستقرار، وأكبر رادع لها عن الخطأ، وأكبر عامرٍ لقلبها عن الفراغ والهوى.

وإن الحفاظَ على البنات والحرصَ عليهن أهم وأخطر من الحفاظ على الأبناء، لأن بعض أخطائهن صعبة الإصلاح. إن البنات وخصوصا في سن المراهقة تكون نفوسهن شفافة مرهفة بريئة، قليلة الخبرة في الحياة، ينظرن للحياة بمنظار وردي جميل؛ على أنها حب ووفاء، وزينة وسعادة؛ لأنهن لم يَطّلعن بعد على الجانب المظلم فيها، المفعم بالخداع والظلم والمكر والدهاء. وقد تسمع الفتاة من بعض الذئاب البشرية من كلماتِ الغرام والهيام ما يمتلك عواطفها، ويلهب مشاعرها، فتنساق وراءها فتفاجأ بكوارث لا قِبَل لها بها؛ وبدلا من أن تجد مَن يقف معها، ويقيل عثرتها، نجد عكس ذلك تماما، نجد من القسوة والتعنيف ما قد يصل إلى حد التفكير في القتل أو الإبعاد والنفي.

إن المتأمل لأحوال بعض البيوت وما تعانيه من تهدم وتفكك أسري ليرتجفَ قلبُه، وتهتزَّ مشاعرُه، فلقد غابت مفاهيم التربية لدى كثير من الأولياء، وتكثفت معاول الإتلاف التي بدأت تروح ضحيتَها الأسر، إما بتفرُّقِ الزوجين، وإما بضياع الأولاد، وإما بفساد البنات، وإما بتلاشي روح الدين والحياء والغَيرة.

وإن دور رعاية الفتيات بها فتيات كئيبات حزينات، يفترشن الدموع، ويلتحفن الأسى، ويقتتن الكآبة، بل يقتتاهن الألم؛ ولو أتيح لدموعهن أن تجري لسالت الأودية.. بنات بئيسات، هن في أعمار الزهور، وفي سن الشباب والحيوية، حكمت عليهن الظروف، وخدعتهن الصروف، فنُبِذْن من المجتمع، وطردن من القرابة، مع أن هؤلاء القرابة في أكثر الأحيان هم السبب الحقيقي وراء ضياعها.

قصصٌ ومآسٍ إذا سمعها القلب الحي تفطر وتمزق. إن هنالك فتيات في هذه الدُّور وقعن في بعض المعاصي والأخطاء، فكانت النتيجة أن إحداهن لها سنتان أو أكثر لم يسأل عنها أحد، ولم يزرها أحد؛ وأن بعضهن يرفض والدُها استلامها أو قبولها بعد ذلك. وإن بعضهن ترفض الخروج لأنها تعلم أن القتل ينتظرها، أو حياة الذل والظلم والقهر؛ وبعضهن ترفض الخروج لأنها تخشى هي أن تنتقم لنفسها بقتل، فتفضل البقاء سجينة حتى لا ترتكب جريمة قتل. والأدهى من ذلك كله أن عدداً من الفتيات لسن ضحايا مجرمين أو معتدين بعيدين، بل هي ضحية لأقرب الأقربين.

والكثير الكثير من البنات بعيدات عن هذه الدُّور أعني داخل بيوتهن وبين أهلهن؛ ولكنهن في الحبس يتجرعن القهر، ولا يدرين كيف يتصرفن؛ وربما يخضن في تصرفات لا تحمد عقباها. مآسٍ ومخاوف ومخاطر.. والسعيد من وعظ بغيره.

أيها الإخوة الكرام، إن وراء وقوع هذه المآسي أسبابًا كثيرة، ودوافعَ خطيرة، منها:


  1. النظرة الدونية عند كثير من أفراد المجتمع للمرأة، فلا زال بعضهم يعامل المرأة معاملة جاهلية لا يقيم لها اعتبارا، ولا يُكِنُّ لها احتراما، ولا يقدر لها جهدا، مما يدفع بكثير منهن إلى الجريمة نتيجة للقهر واليأس.

  2. طمع كثير من الآباء في رواتب البنات الموظفات، وحرمانهن من الزواج أو تأخيره؛ للاستفادة من رواتبهن.

  3. بعض الأعراف والعادات القبلية التي تمنع زواج البنات من غير قبيلتها أو فصيلتها؛ حتى ولو كانوا أزواجا أكْفاء.

  4. من أعظم الأسباب: ظلمُ الآباء وزوجاتهم، وخصوصا الذين يتزوجون بأكثر من واحدة، أو يُطلِّقون الأمهات ويتزوجون بأخريات، فيكون الضحية البنات، حيث يُحرمن تربية الأب وعطف الأم، بل ربما يُفاجأن بزوجات لآبائهن حاقدات غليظات.

  5. قلة التربية؛ فكثير من البنات ينشأن في بيوت لا تعرف عن التربية أو الدين ما يجب، بل إن بعض الأولياء على العكس من ذلك يجلب لهن كثير من المفاسد والمتالف الأخلاقية.

  6. حرمان البنات بالذات من وسائل الترويح المحتشمة، ومن الترفيه عنهن، والتنـزه بهن ومعهن، وعدم الاهتمام بالسؤال عن مطالبهن وآمالهن وآلامهن، وعدم إشراكهن في المشورة والآراء والحوار وتقديرهن.

  7. li>قلة وجود المربين والمربيات، والدعاة والداعيات، الهينين اللينين، القريبين من المجتمع وقضاياه ومستجداته، المتزودين بزاد من علم الشريعة والتربية وتزكية النفوس؛ وكذلك قلةُ البرامج التربوية للبنات.
  8. السمُّ الزعافُ الذي يتسلل إلى العقول والقلوب، فيقضي عليها، من خلال وسائل الاتصالات الحديثة، كالجوالات والانترنت وغيرها، وترك الحبل على الغارب، وعدم الاهتمام في ترشيد استخدامها، إذ الواجب أن يكون استخدام هذه الأجهزة وفق الحاجة وأمام النظر.

  9. القنوات الفضائية: وهذا من أدهى الدواهي، ومن أخطر الأسباب، إنها القنوات الفضائية الفضائحية، وما تبثه من وُحول الخنا، ومناظر الفحش، ومشاهد الفجور، والتغرير بالشباب والبنات.


نسأل الله السلامة والعافية. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله...

الخطبة الثانية:

إنني أنادي الأولياء إلى التفاتةٍ صادقة إلى أبنائنا وبناتنا، إلى متابعة سلوكهم ومراقبة أخلاقهم، إلى إشاعة جو الحب والتعاطف والتفاهم فيما بين أفراد العائلة؛ والقرب منهم، لتحل السعادة في البيوت بإذن الله.

إنني أدعو الآباء والأمهات إلى بث روح الدين، وإشاعة روائع الخلق، وزرع مهابةِ الله ومراقبته في نفوس الأبناء والبنات، وإبعادهم عن مراتع الردى ومتالف الخنا؛ وإبعاد وسائل الضلالة والفساد من البيوت.

إنني أدعو إلى إضفاء عطر الحنان، وعبق الحب، وأريج العطف للبنات بالذات، مع الحوار معهن والبيان لهن بشأن المخاوف والمخاطر والمتالف التي تترصد لهن.

لِنُسَخِّرَ طاقاتنا وإمكاناتنا وعِلْمَنا ومعرفتنا وتربيتنا للذب عن حياض أبنائنا وبناتنا؛ لننقذ فلذات الأكباد من أخطار محدقة، لننتشل بيوتنا من كيد الكائدين، ونحصنَها من مكر الماكرين.

إنني أنصح لكثير من الناس الذين اشتغلوا بعيوب الآخرين، أو المهاترات الفارغة، أو الذين انشغلوا بالدنيا واللهث وراءها، أو الذين انشغلوا بالاستراحات والمنتزهات مع الأصحاب، أنصح لهؤلاء جميعا أن يلتفتوا إلى بيوتهم التي تترقب جهدهم، يلتفتوا إلى ملهوفين فيها يرجون إغاثتهم، وتائهين يأملون في إرشادهم. ومحرومين ينتظرون حنانهم وحبهم.

اللهم أصلح الآباء والأمهات؛ والأبناء والبنات...

لا تنس ذكر الله
سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية