تربية الآباء للأبناء

تربية الآباء للأبناء

تربية الآباء للأبناء


أيها الأب، هل أنت على خطى نبيك صلى الله عليه وسلم؟

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

فإن المسلم الحقيقي هو الذي يسير على خطى النبي صلى الله عليه وسلم، فيوم أن يسير المسلم على خطى حبيبه صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأخلاقه - فهذا هو الطريق إلى جنة الله رب العالمين، ولنسمع إلى أعظم بشارة للطائعين من هذه الأمة، وللسائرين على منهج النبي صلى الله عليه وسلم، والمتخلقين بأخلاقه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»

فتعالَ أيها الأب الكريم لأذكِّرك بما أمرك به نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم كأب، ثم انظر كيف تطبيقك لهذه الأمور؛ لترى نفسك هل أنت من السائرين على منهجه صلى الله عليه وسلم أو لا.

الأمر الأول: نبيك صلى الله عليه وسلم يريد منك أن تأمر أولادك بالصلاة:

نبيك العظيم صلى الله عليه وسلم يريد منك أيها الأب الكريم أن تنصح أولادك بالمحافظة على الصلاة والالتزام بها؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وربه، فمن حافظ عليها وأقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد ترك الدين؛ واسمع إلى حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم وهو ينادي الآباء فيقول لهم: يا آباء، «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»[أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة]، فكل أب يسمع هذا الحديث ولا يأمر أولاده بالصلاة متى بلغوا السابعة من العمر، ولا يضربهم على تركها متى بلغوا العاشرة - فهو أب مقصر مفرط وآثمٌ ومسؤول أمام الله تعالى عن هذا التقصير وذلك التفريط.

فليسأل الوالد نفسه: هل علَّم أبناءه الصلاة وهم أبناء سبع، وهل ضربهم على تركها وهم أبناء عشر، أو أنه ترك الحبل على الغارب، لم يعلمهم ولم يضربهم ولم يحاسبهم؟

مع الأسف الكثير من الآباء اليوم من علم ولده كيف يعمل من أجل أن يجمع المال، ربَّى ولده على حب المادة، المهم أن يعمل ويجمع المال، ويتزوج ويكون عنده سيارة وبيت، ويكون باسمه عقارات، ونسي أمـر الآخـرة التي قال الله عنها: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17]، أنا أقول لك أيها الأب: إن كنت ممن علم أولاده الصلاة والأخلاق الطيبة، وأرشدهم إلى الطريق المستقيم - فأبشر أيها الأب الكريم؛ فإنك على خطى نبيك صلى الله عليه وسلم وسيفرح بك.

فأين الأب الذي يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعنا وأطعنا؟ أين من يربي أولاده على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أين من يضع نصب عينيه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، ربنا يخاطبكم: يا من آمنتم بالله تعالى حق الإيمان، أبعدوا أنفسكم عن النار، وذلك بفعل الحسنات واجتناب السيئات، وأبعدوا أهليكم أيضًا عنها عن طريق نصحهم وإرشادهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ قال مجاهد رحمه الله: "قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم"[الجامع لأحكام القرآن للقرطبي]، وقال قتادة رحمه الله عن تفسير هذه الآية: "يقيهم أن يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليه بأمر الله، يأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصيةً ردعتهم عنها وزجرتهم عنها".

هذا هو طريق الخلاص من نار وقودها الناس والحجارة، فأين من يأخذ بنفسه وبأهله إلى طريق النجاة؟ أين من يسير على خطى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وينصح أولاده بالمحافظة على الصلاة والالتزام بها؟

الأمر الثاني: نبيك يريد منك أن تُشعِرَ أولادك بالحنان والعطف والحب والرحمة:

وهذا ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم، واسمع أيها الأب الكريم إلى أخلاق نبيك صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، وليسمع كل من يمنع ويستنكف من حمل الطفل وتقبيله واللعب معه، ليسمع إلى سيدنا أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدثنا عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، وحنانه وعطفه على الأطفال؛ فيقول رضي الله عنه: «ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان إبراهيم مسترضعًا له في عوالي المدينة - أي: القرى التي عند المدينة - فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليُدَّخن، وكان ظِئره قَينًا، فيأخذه فيقبله ثم يرجع ...»[جامع البيان للطبري]، بل إنه في ذات يوم قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: «إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لا يرحم لا يرحم»[أخرجه البخاري، كتاب الأدب].

وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: «قدِم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم، فقالوا: لكنا والله ما نقبِّل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأملك إن كان الله نزع منكم الرحمة»، هكذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفجر ينابيع الرحمة في النفوس، ويفتح كوامنها على الحب والحنان، هكذا كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال، ليسأل كل أب نفسه: هل تعامله مع أطفاله مثل هذا التعامل النبوي؟ فإن كان تعاملك أيها الأب مع أطفالك كالتعامل النبوي، فأنت على خطى نبيك صلى الله عليه وسلم وسيفرح بك، وإن كان تعاملك غير هذا التعامل فأنا أذكرك بقول نبيك الرحيم صلى الله عليه وسلم:«ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا».

الأمر الثالث: نبيك يريد منك أن تحسن إلى بناتك، ولا تفرق في عطفك وحبك بينهن وبين أولادك:

ومع الأسف الشديد، هناك من الآباء من يضيق ذرعًا بالبنات، ويتمنى لو أن الله لم يرزقه سوى الصبيان، ولم يعرف هولاء الثواب العظيم الذي أعده الله للوالد الذي رزقه البنات، فصبر عليهن وأحسن تربيتهن، وفاضت نفسه بالحنان عليهن، ولنسمع إلى كلام نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وهو يحدثنا عن هذا الثواب العظيم؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: «من كن له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان، اتقى الله فيهن وأحسن إليهن، حتى يَبِنَّ أو يمتْنَ - كنَّ له حجابًا من النار»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن، فقد وجبت له الجنة ألبتة، فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: وثنتين».

فهل سيبقى هناك من يتأفف من تربية البنات والإنفاق عليهن بعدما سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وما أعده الله له من أجر ونعيم؟

هذه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: «ما رأيت أحدًا كان أشبه حديثًا وكلامًا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، فرحب بها وقبَّلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده، فرحبت به وقبَّلته، وأجلسته في مجلسها، فدخلت عليه في مرضه الذي توفي، فرحب بها وقبلها»، تُرى كم مِن الآباء في دنيا اليوم مَن يفعل ذلك؟ بل كم من الآباء من يضرب ابنته ضربًا لا رحمة فيه! وكم مَن يحرمها مِن الميراث! وكم مِن الآباء مَن يعاقب ابنته بعقوبات ما أنزل الله بها من سلطان! وكم من البنات في بيوت آبائهن مظلومات ومهضومات، وتتمنى الواحدة منهن الموت في كل لحظة من أجل الخلاص من أبيها الظالم! فانظر أيها الأب الكريم إن كان تعاملك مع بناتك كتعامل النبي صلى الله عليه وسلم، فأنت على خطى نبيك صلى الله عليه وسلم وسيفرح بك، وإن كان تعاملك غير هذا التعامل، فأنا أذكرك أيها الأب بأن هذه البنت التي ظلمتها ستوقفك وستحاسبك أمام الله تعالى.

وأختم كلامي بقصة فتاة مظلومة، وما أكثرهن في بلادنا! هذه القصة يرويها أحد الدعاة فيقول: "حضرنا إلى باب المستشفيات فوجدنا رجلًا مع ابنته وهي في مرضها، وعمرها أربعين سنة لم تتزوج، كلما تقدم لها رجل رفض أبوها، يقول: كان من أطمع الناس، صاحب دنيا، لكن لم تنفعه دنياه، عنده من الدور ومكاتب العقارات والسيارات والمعارض، لكنه معروف بين الناس أنه إذا زوج ابنته لا يزوجها إلا بمئات الألوف، فكلما تقدم لها شاب رفض تزويجها؛ لأن الذين تقدموا إليها شباب فقراء، وأكثر الناس أحوالهم لا تمكنهم من دفع المهور الغالية، فكلما تقدم له رجل صالح سأل عن وظيفته، وسياراته، ومرتباته، فإذا أخبره بأنه دون ذلك تركه، حتى وصلت إلى سن الأربعين، ثم أصابها مرض عضال، ونُقلت إلى المستشفى، فلما حضرتها سكرات الموت، قالت: يا أبتاه، اقترب، فاقترب منها، فقالت: قل: آمين، فقال: آمين، فقالت: قل: آمين، فقال: آمين، فقالت: قل: آمين، ثلاث مرات، قالت: حرمك الله الجنة كما حرمتني لذة الزواج، فهل سينتبه الآباء قبل فوات الأوان؟

فعلى كل أب يريد النجاة في الدنيا والآخرة، وأن يفرح به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عليه أن يترجم ما أمره به نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وإلا فليستعد ليقف أمام الحساب في ذلك اليوم الرهيب.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد، إنك أنت الكريم الجواد، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فعن أبي الشعثاء قال: «كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم»، من خلال هذا الحديث: ذهب الحنابلة إلى أنه يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان بغير عذر، وذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه يُكره الخروج من المسجد بعد الأذان إلا بعذر ، قال صاحب تحفة الأحوذي: "والحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد بعدما أذن فيه، لكنه مخصوص بمن ليس له ضرورة"، فلا ينبغي للمسلم أن يخرج من المسجد حتى وإن كان يريد أن يصليَ في مسجد آخر إلا لسبب شرعي؛ مثل: أن يكون في المسجد الثاني جنازة يريد أن يصلي عليها، أو يكون المسجد الثاني أحسن قراءة من المسجد الذي هو فيه، أو يريد الذهاب إلى المسجد الآخر لحضور مجلس العلم، أو ما شابه ذلك من الأسباب الشرعية فلا بأس من أن يخرج.

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية