حقوق الأولاد على آبائهم

حقوق الأولاد على آبائهم

حقوق الأولاد على آبائهم


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:

إن الأبناء نعمة من الله عزوجل وهبها لمن يشاء من عباده؛ قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ [الشورى: 49].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾ [النحل: 72].

فهذه النعمة تحتاج منا شكرًا لله تعالى، وتحتاج منا عناية ورعاية وحفظًا لها؛ لأنها أمانة استأمنها الله الآباء فعليهم حفظها ورعايتها، ففي الحديث: « كلكم راع ومسؤول عن رعيته »، أو كما قال رسول الله صلى عليه وسلم.

أيها المسلمون:

إن للأبناء على آبائهم حقوقًا ينبغي على الآباء معرفتَها والعناية بها، ومن هذه الحقوق:

  • أولًا: على الوالد اختيار الزوجة الصالحة، فهذا من أهم الحقوق، لأن الزوجة الصالحة هي التي تُعين الوالد على تربية الأبناء تربية صالحة، على الدين والأخلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه... » الحديث؛ "صحيح البخاري".

  • ثانيًا: بعد ولادته من السنة أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى ليكون أول ما يسمع الذكر ثم يعق عنه بعقيقة، ثم يختار الاسم الحسن للمولود، فللأسماء دلالتها، ولقد عني الرسول صلى الله عليه وسلم بموضوع الأسماء أيما عناية، فكان إذا سأل الشخص عن اسمه فأخبره باسم يدل على معاني سيئة غير اسمه، إلا أن يأبى صاحب الاسم ذلك، كما ورد عن سعيد بن المسيب أنجَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: ما اسْمُكَ قالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قالَ: بَلْ أنْتَ سَهْلٌ قالَ: ما أنَا بمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أبِي قالَ ابنُ المُسَيِّبِ: فَما زَالَتْ فِينَا الحُزُونَةُ بَعْدُ. فعن ابن عبَّاس قال: قالوا: يا رسولَ الله، قد علِمنا حقَّ الوالد، فما حقُّ الولَد؟ قال: « أن يُحسن اسمَه، ويُحسن أدبَه ».

    وهنا ملاحظة وهي:

    أن بعض الآباء والأمهات يصرون على تسمية أبنائهم بأسماء غير طيبة بحجة أن هذا اسم جده أو عمه أو خاله، ولم يفكروا في أثر هذا الاسم على ابنه في المستقبل عندما يلتقي بزملائه في المدارس والجامعات ويقد يسخرون من اسمه أو يكثرون من التعليق عليه، فلا تكونوا أيها الآباء سببًا في عقوق الأبناء، لك قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: « رَحِم اللهُ والدًا أعان ولدَه على برِّه ».

    وكان ابن عمر يقول: « إنَّ الوالِد مسؤول عن الولَد، وإنَّ الولد مسؤول عن الوالد »؛ يعني: في الأدَب والبِرِّ.

  • ثالثًا: ومن الحقوق تربيته وتعليمه الأخلاق الحسنة منذ بداية طفولته فلا يلقنه الكلمات البذيئة ولا يسبه بأسماء الحيوانات ولا يسمعه كلمات تزرع فيه الجبن والخوف وعدم الثقة، لأن عقل الطفل الباطن يتبرمج منذ الصغر على ما يسمع من والديه ومن المدرسة والمجتمع، فإن تبرمج عقله على كلمات إيجابية مثل الثناء والمدح والتشجيع تخزنت في عقله ونمت معه وزرعت فيه ما كان يعتقده، وإن كان ما يسمع في صغره كلها كلمات سلبية من التوبيخ والسب والشتم، وأنه فاشل وضعيف ولا يقدر على النجاح، تبرمج عقله الباطن على ما كان سمعه ونمت معه هذه الأفكار وأصبح فاشلا في حياته، فانتبهوا يا أيها الآباء لما تقولون لأبنائكم.

  • رابعًا: تربيته على التعاليم النبوية مثل التسمية عند الأكل والأكل باليمين، والأكل مما يليه، والتسمية عند دخول البيت والسلام، والسلام عند دخول المجالس، واحترام الكبير والمحافظة على الصلاة وكيفية أدائها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مُروا أولادَكم بالصَّلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشْرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجِع ».

    وكذلك يهتم به في تسجيله في حلقات القرآن ويربيه على المحافظة على الأذكار صباحًا ومساء، وكيفية مخاطبة الآخرين سواء كبارًا أو صغارًا وإرشاده لكل ما يقربه من ربه ويبعده عن النار يقول اللهُ تعالى في مُحكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمد ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد عباد الله:

فكما سمعتم عن مما سبق عن حقوق الأبناء على آبائهم، فالأمر يحتاج إلى اهتمام الآباء تجاه أبنائهم، فلا بدَّ أن يَخشى عليهم من نار جهنَّم، فيحيطهم بالرِّعاية والتربية الإيمانية، وسوف يُسأل عن ذلك إنْ هو قصَّر؛ قال عليه الصلاة والسلام: « إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه؛ حفِظ أم ضيَّعَ، حتى يَسأل الرجلَ عن أهل بيته »؛ أخرجه أحمد في "مسنده"، وابن حبان في "صحيحه".

وقد تَرجم البخاريُّ في الأدب المفرد: باب أدب الوالد وبره لولده، وأورد فيه من جهة الوليد بن نمير بن أوس أنه سمع أباه يقول: كانوا يقولون: الصَّلاحُ من الله، والأدبُ من الآباء.

ولهذا كان من مَحاسن التربية الإيمانيَّة أنَّها تحفظهم من الانحِرافات العقديَّة، والسلوكية، والفِكرية، وهي تحصنهم من مَظاهر الغلوِّ والتطرُّف، فاتقوا الله عباد الله..

لا تنس ذكر الله
سبحان الله العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية