دعوة المظلوم

دعوة المظلوم

دعوة المظلوم


الخطبة الأولى


الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المسلمون :

روى الإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني :(أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِراً فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ »

إخوة الإسلام

لقد حذَّر الشَّرعُ الحَنيفُ من الظُّلمِ بكلِّ أنواعِه وصوره وأشكاله، وجَعَلَ اللهُ سُبحانَه وتعالى للمظلومِ دَعوةً مُستجابةً، وحذَّرَ الظالمين مِن عذابٍ أليمٍ. فالظلم مرتعه وخيم، وهو من أقبح المعاصي ،وأشدها عقوبة، وقد حرم اللهُ جل جلاله الظلمَ في كتابه الكريم ،وعلى لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم، وتوعد الظلمة ولعنهم، قال الله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} الأعراف: 44، وقال الله تعالى: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} آل عمران: 57، وقال الله تعالى: {وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} آل عمران: 86، وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} الأنعام : 21، وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} هود : 102، وقال الله تعالى: {إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إبراهيم : 22، وقال الله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً} الكهف : 29، وقال الله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}غافر : 52،

فالظلم من الصفات الدنيئة والأخلاق الرذيلة ،ولهذا نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه عنه ،فقال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ( يونس:44 ) ،وفي السنة النبوية وردت أحاديث كثيرة تحذر من الظلم ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه :(عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا) ،وفيه أيضا :(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وفي الصحيحين :(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ،لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ)، وفي سنن الترمذي بسند حسنه : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ».

أيها المسلمون

وفي هذا الحديث الذي هو بين أيدينا اليوم : يقولُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: « اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِراً فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ »، والمعنى: خافوا من دعوة المظلوم، واحذَروها؛ لأنَّها تصعَدُ إلى السَّماءِ، ويَستجيبُ الله لها ولا يَرُدُّها أبدًا، لأنَّ المظلوم مُضطرٌّ في دُعائِه، وقد قال سُبحانَه وتَعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62]، ولأنَّ المظلومَ يدْعو بقَلبٍ حارٍّ مَكلومٍ من الظُّلمِ الواقِعِ عليه، فمَن ألهَبَ قلْبَ المظلومِ ومَلَأَه بالقَهرِ وظَلَمَه، فلْيرتقبْ لنارِ الجَزاءِ في الدارينِ، فالمعنى المُرادُ هو تجنُّبُ الظُّلمِ؛ لِئلَّا يدعوَ المظلومُ على ظالِمِه، وفيه تَنبيهٌ على المنعِ مِن جَميعِ أنواعِ الظُّلمِ، وألَّا يَعتديَ، وعلى مَن وقَعَ منه ظُلمٌ بأنْ يَرُدَّ لصاحِبِ الحَقِّ حقَّه، وأنْ يخافَ اللهَ في حَقِّ المظلومِ، وعن قتادة أو الحسن – أو كليهما – قال: “الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم يغفر. فأما الظلم الذي لا يغفر، فالشرك بالله. وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم الناس بعضهم بعضًا، وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه.

وهكذا تتعدد أنواع الظلم في الإسلام، ومنها: ظُلم العبد لنفسه: ويكون ذلك عندما يُعرِّض العبد نفسه لمعصية الله-تعالى- وبالتالي استحقاق عقابه، وأشدّ وأعظم مرتبةٍ من مراتب ظُلم العبد لنفسه الشرّك بالله-تعالى ،فأبغض أنواع الظلم وأشدّها أنّ يجعل العبد لربه شريكاً له في التعبّد والتوجّه؛ قال الله تعالى : ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]، ومن انواع الظلم : ظلم العبد لغيره من الناس وهو نوعٌ من أنواع الظلم الذي حذّر منّه الإسلام ومن سوء عاقبته، ويكون ظلم العبد لغيره من الناس بصورٍ كثيرةٍ؛ ومنها : أخذ مال النّاس بغير حقٍ؛ وبيع الرّجل فوق بيع رجلٍ آخر؛ واستغابة الرجل أخاه؛ بذكر شيءٍ يكرهه عنه؛ وإيقاع الفتنة بين الناس بالنميمة؛ وإيذاء المرء في عِرضه، وماله، وبدنه، وأهله؛ وفي صحيح البخاري :(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ،فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ،فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ »
فإذا دَعَتْكَ قدرتُك لأن تظلم أحدًا؛ لأنه ضعيف ،أو لأن لك سلطة عليه ،فلتعْلم أن الأمر ليس متروكًا حبلًا على غارب، فإن الأمور كلها منضبطةٌ بميزان العدل الإلهي ،قال الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، إذا كان ميدان الحياة اليوم يتيح لكثيرٍ من الناس أن يظلم أحدًا آخر؛ فينبغي ألا يغيب عن ذهنه أنه إن لم يحاسَب في الدينا ،فإن ثمة محكمة العدل الإلهية التي يحاسَب فيها على كل شيء، ففي صحيح مسلم :(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ»

أيها المسلمون

وإذا كان الاسلام قد حذر من الظلم فقد حثنا ورغبنا وأمرنا بالعدل ،قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) النحل (90) ،وقال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (8) المائدة، فالعدل خلق محبوب عند الله، وبه تصلح أحوال الناس ،وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيِّن لأصحابه تلك الميزة، ففي صحيح مسلم :(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا».،وفي سنن ابن ماجة ،وحسنه الألباني: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ « أَلاَ تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ». قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « صَدَقَتْ صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ ». ومن سنن الله الكونية - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - خذلان الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ،ونصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ؛ فالعدل والحق هو الأساس الذي قامت عليه السموات والأرض ،يقول الله تعالى : {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} (الأحقاف:3)

أيها المسلمون

والشريعة الاسلامية الغرَّاء كما أنها تحذرنا من الظلم ،وتأمرنا بالعدل ،فهي أيضا تُرغِّبنا في نُصره المظلومين وإنصافهم، وتؤكِّد أيضًا على أن الضعيف ينبغي ألا يظن أن ضعفه مبرِّر لنسيانه ،أو للاعتداء عليه؛ بل إن الشريعة لجلالها وعظمتها أكَّدت أن رعاية الضعيف، ونُصرة المظلوم سبب للبركات وكثرة الخيرات، وفي هذا روى البخاري في صحيحه :(عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ رَأَى سَعْدٌ - رضي الله عنه - أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ»، يعني: بدعائهم. وفي سنن النسائي :(عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ» وهذا يدل على أن الإحسان إلى الضعفاء والفقراء والمساكين عمل صالح يُنجز اللهُ به كلَّ خير، فينصُر المحاربَ في حربه، ويُنزل البركات على المرء في سِلْمه، فهو له الأثر الكبير في الرخاء وفي الشدة، وما استُجلب إحسانُ اللهِ وتفريجُه وتأييدُه جل جلاله بمثل الإحسان لعباده والتفريجِ عن المكروبين.

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون

فَحَرِيٌّ بنا أن نتنبَّه إلى هذا الأمر، وبخاصة أنه قد يوجد في بعض الأحيان أن بعض الناس تدعوه قدرته أو سُلطته إلى ظلم الناس، وإلى بخس حقهم، وحينئذ تلحق هذا الظالم الباخس للحق، المعتدي على الخلق، تلحقه نكبة وورطة عظمى؛ لأن الله تعالى لا يعفو عمَّن ظلَم العباد؛ فحُقوق الله مبنيَّة على المسامحة، لكن حقوق الخَلْق مبنية على المشاحة، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ »، ويقول ابن القيم في (بدائع الفوائد) :[سبحان الله! كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم، وجرت دمعة مسكين {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ} المرسلات: 46، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ص:88، ما ابيضَّ لون رغيفهم حتى اسودَّ لون ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه، لا تحتقر دعاء المظلوم، فشررُ قلبه محمولٌ بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك نبالُ أدعيته مصيبة، وإن تأخر الوقت قوسه قلبه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب (لأنصرنك ولو بعد حين) وقد رأيتَ ولكن لستَ تعتبر، احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ، يقلب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك، فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها، ما تساوي لذة سنة غمَّ ساعة، فكيف والأمر بالعكس، كم في يمِّ الغرور من تمساح ،فاحذر يا غائص، ستعلم أيها الغريم قصتك عند علق الغرماء بك: إذا التقى كل ذي دَين وماطله ستعلم ليلى أي دين تداينت من لم يتتبع بمنقاش العدل شوك الظلم من أيدي التصرف أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية