دعوات لا ترد

دعوات لا ترد

دعوات لا ترد


افتقار العباد لربهم الغني الجواد


كل عاقل يدرك عظيم افتقاره إلى ربه وخالقه ومولاه وحاجته إليه في أمر دينه ودنياه، وصدق الله حين قال في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾[فاطر: 15]؛ يقول السعدي -رحمه الله-: "يخاطب -تعالى- جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه: فقراء في إيجادهم، وإمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، ودفع المكاره عنهم، وإزالة الكروب والشدائد، وهم فقراء إليه في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له؛ فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم، وهم فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم؛ فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا".

وما دام أننا آمنا بحتمية افتقارنا إلى الغني الكبير وعظيم حاجتنا إلى العلي القدير -سبحانه وتعالى-؛ فلا بد أن نبحث عن الأسباب والوسائل التي بها ننال حاجاتنا، ونسد فقرنا ونكفي أنفسنا؛ ألا وإن من أعظم تلك الأسباب والوسائل لنيل ذلك؛ سؤال الكريم الذي كرمه لا يُعد وملكه الذي لا يُحد؛ وليس أكرم على الله من الدعاء، كما في الحديث الحسَن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ الدُّعَاءِ"، وتذكّر وأنت تدعو بأنك تدعو الكريم -سبحانه-، وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ ربَّكُم -تبارك وتعالى- حييُّ كَرِيمٌ يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً".

صور من الدعوات التي لا ترد


لن يكون حديثنا في هذا المقام عن الدعاء وفضله وآدابه ، ولكننا سنقتصر على بيان جملة من الدعوات التي لا ترد بين الربح والخيبة، ومن ذلك:

  • دعوة الصائم والمسافر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر ثلاث دعوات لا ترد، ومنها: "دعوةً الصائمُ حتى يُفطرَ والمسافرُ حتى يرجِعَ"، وروي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن للصائم عند فطره لدعوةً ما تُرد".

  • الدعاء عند اشتعال الحرب والتقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "اطلبوا إجابةَ الدعاءِ عندَ التقاءِ الجيوشِ، وإقامةِ الصلاةِ، ونزولِ المطر".

  • دعاء من بات طاهرا يذكر ربه ومولاه، وقد روي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "ما مِن مُسلِمٍ يَبِيتُ على ذِكْرٍ طاهرًا، فيتعارُّ مِن اللَّيلِ فيسأَلُ اللهَ خيرًا مِن الدُّنيا والآخِرةِ، إلّا أعطاه إيّاه"رواه أبو داود).

  • الدعاء بدعوة ذي النون؛ فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ"(رواه الترمذي وصححه الألباني).

  • دعوة الولد الصالح لوالديه؛ كما جاء في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"رواه مسلم).

  • دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب؛ فعن صفوان بن عبدالله بن صفوان: قَدِمْتُ الشّامَ؛ فأتَيْتُ أَبا الدَّرْداءِ في مَنْزِلِهِ؛ فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْداءِ؛ فَقالَتْ: أَتُرِيدُ الحَجَّ العامَ؛ فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَتْ: "فادْعُ اللَّهَ لَنا بخَيْرٍ"؛ فإنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يقولُ: "دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعا لأَخِيهِ بخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ"رواه مسلم).

  • دعوة المضطر؛ قال -سبحانه-: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾[النمل:62].

  • دعوة المظلوم على من ظلمه؛ وقد جاءت نصوص كثيرة؛ فمنها ما رواه عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ؛ فَقالَ: "اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّها ليسَ بيْنَها وبيْنَ اللَّهِ حِجابٌ"، وصح عن ابن حبان -رحمه الله- قول النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-: "ودعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمامِ وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّمواتِ" ويقولُ الرَّبُّ: "وعِزَّتي لَأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حينٍ".
    وقد حفظ التاريخ بعضاً من قصص دعوة المظلومين على الظالمين، ومنها؛ قصة خالد بن عبد الله البَرمَكيِّ وولده في حوارٍ بينهما وهُما في السجنِ؛ فيقول له: "يا أبَتَاه: لقد كُنَّا بعد العِزِّ والمُلكِ صِرنا في القَيْدِ والحبس. فقال له: يا بُنيّ: دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليلٍ غفَلنَا عنها والله لم يغفَل عنها".
    ومن القصص ما ذُكِرَ عن مالكَ بن دينارٍ -رحمه الله-؛ أنه حُمَّ أيامًا -أي: وجَدَ حرارةً في بدنه-، ثم وجدَ خِفَّةً فخرجَ لبعضِ حاجته؛ فمرَّ بعضُ أصحاب الشُّرط بين يديه قومٌ، قال: "فأعجَلوني فاعترضتُ في الطريقِ؛ فلحِقَني إنسانٌ من أعوانه فقنَّعَني أسواطًا -أي: ضرَبَني أسواطًا- كانت أشدَّ عليَّ من تلك الحُمَّى؛ فقلتُ: قطَعَ اللهُ يدَكَ؛ فلما كان من الغدِ غدوتُ إلى الجسرِ في حاجةٍ لي فتلقَّاني ذلك الرجلُ مقطوعة يدُهُ يحمِلُها في عُنقِهِ".

  • وإن مما يقصم الظهر من الدعوات التي لا ترد: دعوة الوالد على ولده؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- ذكر ثلاث دعوات لا ترد وذكر منها: "دعوةُ الوالدِ"؛ فيا خيبة من أسخط والديه أحدهما أو كليهما!.

ما أحوجنا إلى المبادرة بالقيام بأسباب نيل هذه الدعوات المباركة؛ حتى يصلح الله لنا أمر الدنيا والآخرة؛ كما أنه ينبغي علينا أن نحذر سهام الدعوات التي تصيبنا في مقتل؛ فنخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

لا تنس ذكر الله
أستغفر الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية