دور العلم الشرعي في تحقيق الأمن الفكري

دور العلم الشرعي في تحقيق الأمن الفكري

دور العلم الشرعي في تحقيق الأمن الفكري


الله تعالى لم يخلقنا إلا لأجل عبادته، كما قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ولا تُعرف عبادته سبحانه على الوجه المقبول الذي يَحصل بِه الإجزاء والصِّحة، ويُنال بِه الثواب الكثير إلا عن طريق طلب العلم الشرعي، والتفقه فيه، ودراسته، ومطلوب مِن كل مسلم أنْ يتعلم مِن العلم ما يُقيم بِه ما يجب عليه من أمور دينه.

إهتم الإسلام بالعلم فقد جاءت أولُ آيات القرآن أمرًا بالقراءة والتعلم قال الله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 – 5].

لئِن كنت تريد الرِّفعة في الدنيا والآخرة، فلا يَصرفنك صارف عن طلب العلم، إذ قال ربُّك سبحانه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: « وإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ».

وإنْ كنت تريد الجنَّة فطلب العلم مِن أوسع وأسعد أبوابها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ».

فالعلم الشرعي نورٌ يَسير بِه العبد إلى ربَّه في عقيدته وعبادته وأخلاقه ومعاملاته على صراط مستقيم، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [الشورى: 52].

عبادَ الله، وبالعلمِ تخرُجُون من الظُّلماتِ، وتُحصِّلون أكملَ السعاداتِ وأتمَّ اللذاتِ، قال الله تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122]، وقال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19].

فعلمُ الكتابِ والسنةِ أفضلُ ما اكتسبته النفوسُ، وعمرت به القلوبُ، وشغلت به الأوقاتُ فالحاجةُ إليه فوقَ كلِّ حاجةٍ، فلا غنى للعبد عنه طرفةَ عينٍ، قال الإمام أحمد رحمه الله: "الناسُ إلى العلمِ أحوجُ منهم إلى الطعامِ والشرابِ، فالرجلُ يحتاجُ إلى الطعامِ والشرابِ مرةً أو مرتين، وحاجته إلى العلمِ بعددِ أنفاسِه".

وبالعلمِ الشرعيِّ أيها المؤمنون تعرِفون ربَّكم، أسماءَه، وصفاتِه، وأفعالَه، وبه تعرِفون أمرَه ونهيَه وحدودَه وشرعَه، وبهذا كلِّه تتحقَّقُ لكم خشيةُ اللهِ سبحانه وتعالى، قال جلَّ ذكره: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة له أتم والعلم به أكمل؛ كانت الخشية أعظم وأكثر" .

وقد لعن الرسول – صلى الله عليه وسلم – الدنيا بمن فيها إلا من انتسب لشرف العلم عالما كان أو متعلما، فعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: « الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ، وَمَا وَالاَهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا». (الطبراني وابن ماجة والترمذي وحسنه).

وما دام العلمُ باقيًا في الأرض، فالناس في هُدىً، وبقاءُ العلم ببقاءِ حَمَلَتِه، فإذا ذَهَبَ حملتُه وقعَ الناس في الضَّلال، كما في الحديث الصحيح عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُه من صدور الرجال، ولكنْ يذْهبُ العلماءَ، فإذا لم يَبْقَ عالمٌ اتخذَ الناسُ رؤساءَ جُهَّالًا، فسُئِلُوا فأَفْتَوْا بغيرِ علمٍ، فضلُّوا وأضلوا".

فتبين بهذا: أنَّ الذين يستحقُّون أَنْ يُسموا بالعلماء هم علماءُ الشريعة؛ لأنَّ العلم الحقيقي هو العلم الذي جاءت به الرسل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "والعلماءُ هم ورثةُ الأنبياء".

ومن المعلوم أن الذي ورثه الأنبياء إنما هو علم شريعة الله عز وجل وليس غيره.

وطلب العلم الشرعي أولًا بالإخلاص لله سبحانه ثم الحرص على تلقي العلم من أهله العلماء الموثوقين، والاجتهاد في ذلك.

عباد الله: وإن من أهم صور الأمن التي يجدر العناية بها الأمن الفكري، والذي يُعنى بسلامة عقول وأفكار أفراد المجتمع، فسلامة العقل والفكر من أهم مرتكزات الأمن بجميع أنواعه، ولذلك اهتم الإسلام بهذا الجانب، ومن مظاهر هذا الاهتمام العناية البالغة التي أولتها الشريعة الإسلامية بالضرورات الخمس الكبرى..

وهي الدين والنفس والعقل والعِرض والمال، إذْ وجَّهت العقول والأفكار لصيانة هذه الأصول الكبرى، وحرَّمت الاعتداء على شيء منها.

ومن أعظم الأسباب المعينة على التحصين والمعالجة في هذا المجال: الحرص على طلب العلم الشرعي والتأصل فيه على يد العلماء الربانيين الذي مشوا على طريقة علماء أهل السنة والجماعة قديما وحديثا، والذي يقوم على الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة بفهم السلف خير القرون. فإن هذا من أعظم الأسباب المعينة في التحصين من الانحراف بكل أشكاله، ففي العلم الشرعي نور وهداية وبرهان ووقاية. لذلك وضح الرسول صلى الله عليه وسلم خطر الجهل وهو ضد العلم فقال: «إنَّ بين يدي الساعةِ لأيامًا ينزل فيها الجهلُ ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج» والهرج: القتل. متفق عليه.

اللّهمّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية