من أسباب الطلاق : الاختلاط

من أسباب الطلاق : الاختلاط

من أسباب الطلاق : الاختلاط


لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْبَشَرَ جَعَلَهُمْ جِنْسَيْنِ: ذَكَرًا وَأُنْثَى؛ ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾[الذَّارِيَاتِ: 49]، وَرَكَّبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَيْلًا فِطْرِيًّا إِلَى الْآخَرِ؛ لِبَقَاءِ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ، وَنَظَّمَ ذَلِكَ الْمَيْلَ بِرَابِطَةِ الزَّوَاجِ، وَجَعَلَ -عَزَّ وَجَلَّ- كُلَّ عَلَاقَةٍ غَيْرِ مُنْضَبِطَةٍ خَارِجَ إِطَارِ الزَّوَاجِ مَمْنُوعَةً مُحَرَّمَةً.

الحكمة من تحريم الاختلاط


مَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي نُصُوصِ تَحْرِيمِ الِاخْتِلَاطِ أَدْرَكَ حِكْمَةَ الشَّرْعِ الْحَكِيمِ؛ وَحَسْبَ الِاخْتِلَاطِ قُبْحًا أَنَّهُ سَبِيلٌ إِلَى الْفَاحِشَةِ؛ فَالْمَيْلُ الْمُرَكَّبُ فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَى بَعْضِهِمُ بَعْضًا، هُوَ دَاعٍ فِطْرِيٌّ إِلَى التَّقَارُبِ وَالتَّجَاذُبِ بَيْنَهُمَا، فَمَا أَنْ يَصِلَ الشَّابُّ وَالْفَتَاةُ إِلَى سِنِّ الْبُلُوغِ إِلَّا وَيَكُونُ هَمُّهُ التَّوَاصُلَ مَعَ النِّسَاءِ، وَيَكُونُ هَمُّهَا التَّقَرُّبَ مِنَ الرِّجَالِ، لَوْلَا حَاجِزُ الدِّينِ وَالْحَيَاءِ النَّاتِجُ عَنِ التَّرْبِيَةِ وَالْمُرَاقَبَةِ.

وَلِذَلِكَ فَقَدْ حَرَّمَ الْإِسْلَامُ الِاخْتِلَاطَ الْمُسْتَهْتِرَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ؛ فَإِنَّهُ -بِلَا شَكٍّ- السَّبَبُ الْأَكْبَرُ لِلْوُقُوعِ فِي الزِّنَا، وَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الطَّالِبَ وَهُوَ الْأَجْرَأُ فَقَدْ كَثُرَتِ التَّحْذِيرَاتُ النَّبَوِيَّةُ لَهُ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ"

وَلَمَّا حَذَّرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا، عَادَ فَخَصَّ مِنْهَا "فِتْنَةَ النِّسَاءِ" بِمَزِيدٍ مِنَ التَّحْذِيرِ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"

لَقَدْ أَخَذَ الْإِسْلَامُ بِمَبْدَأِ: "الْوِقَايَةُ خَيْرٌ مِنَ الْعِلَاجِ"؛ فَلَأَنْ نَسُدَّ الذَّرِيعَةَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى الْفَاحِشَةِ مِنَ الْبِدَايَةِ؛ بِتَحْرِيمِ الِاخْتِلَاطِ، لَهُوَ أَفْضَلُ أَلْفَ مَرَّةٍ مِنْ أَنْ نَسْكُتَ حَتَّى تَقَعَ الْمُعْضِلَاتُ، ثُمَّ نَعُودَ فَنَبْكِيَ عَلَى اللَّبَنِ الْمَسْكُوبِ وَعَلَى الْعِرْضِ الْمَسْلُوبِ!

وَفِي تِلْكَ الْبِلَادِ الَّتِي تُبِيحُ الِاخْتِلَاطَ الْمُسْتَهْتِرَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ، تُحَدِّثُنَا الْإِحْصَائِيَّاتُ عَنْ أَرْقَامٍ مُخِيفَةٍ لِحَالَاتِ الِاغْتِصَابِ، وَعَمَلِيَّاتِ الْإِجْهَاضِ، وَانْتِشَارِ أَطْفَالِ الزِّنَا، وَعُزُوفِ الشَّبَابِ عَنِ الزَّوَاجِ؛ وَلِمَاذَا يَتَزَوَّجُونَ وَيَتَحَمَّلُونَ التَّبِعَاتِ، وَهُمْ يَحْصُلُونَ عَلَى مَا يُرِيدُونَ مِنَ الْفَتَيَاتِ، دُونَ مُقَابِلٍ وَلَا اشْتِرَاطَاتٍ؟!

وَطَالَعَتْنَا الصُّحُفُ أَنَّ "نِسْبَةَ الْحَبَالَى مِنْ تِلْمِيذَاتِ الثَّانَوِيَّةِ الْعَامَّةِ فِي أَمِرِيكَا بَلَغَتْ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ: (48%)، وَفِي صَحِيفَةِ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ: "أَنَّ (75%) مِنَ الْأَزْوَاجِ يَخُونُونَ زَوْجَاتِهِمْ فِي أُورُوبَّا، وَأَنَّ نِسْبَةً مُقَارِبَةً مِنَ الْأَزْوَاجِ يَفْعَلْنَ الشَّيْءَ ذَاتَهُ"!!

وَلَكَمْ نَصَحَ الْعُقَلَاءُ: "بَاعِدُوا بَيْنَ أَنْفَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ"!.. وَلَكُمْ صَرَخَ مَنِ اكْتَوَى بِنَارِ الِاخْتِلَاطِ: "إِيَّاكُمْ فِي التَّعَامُلِ مِنَ الْإِفْرَاطِ"!.. فَيَا لَيْتَ الْغَافِلِينَ يَفِيقُونَ!

الاختلاط ينافي جمال الزواج ومقاصده


إِنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الزَّوَاجِ الْعُلْيَا: سَكَنَ الزَّوْجَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ؛ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾[الرُّومِ: 21]، وَالِاخْتِلَاطُ يَمْحَقُ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ إِذْ كَيْفَ يَتَحَقَّقُ السَّكَنُ وَالْمَوَدَّةُ وَالزَّوْجُ يُخَالِطُ مَنْ هِيَ أَجْمَلُ وَأَفْضَلُ مِنْ زَوْجَتِهِ.. وَكَيْفَ تَسْكُنُ الزَّوْجَةُ إِلَيْهِ وَهِيَ تُخَالِطُ وَتُحَدِّثُ وَتَمْزَحُ مَعَ مَنْ هُوَ أَبْهَى طَلْعَةً وَأَقْوَى جَسَدًا وَأَكْثَرُ لَبَاقَةً وَمَالًا مِنْ زَوْجِهَا!... فَلَا شَكَّ أَنَّ السَّكَنَ بَيْنَهُمَا مَفْقُودٌ؛ فَكِلَاهُمَا يُقَارِنُ شَرِيكَهُ بِغَيْرِهِ، وَلَا يَرَى فِي الْآخَرِ إِلَّا النَّقْصَ وَالْعَيْبَ وَالْعَجْزَ!

وَمِنْ حِكَمِ الزَّوَاجِ أَنْ يَقْصُرَ الشَّرِيكُ طَرْفَهُ عَلَى شَرِيكِهِ، وَيَغُضَّ بَصَرَهُ عَمَّنْ سِوَاهُ، وَهَذَا مِنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، يَقُولُ -تَعَالَى-: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ﴾[ص: 52]، أَيْ: عَفِيفَاتٌ لَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ، وَلَا يُرِدْنَ سِوَاهُمْ، قِيلَ: تَقُولُ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا: "وَعِزَّةِ رَبِّي مَا أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْكَ"

من مظاهر الاختلاط في الأسر والمجتمعات


لَقَدْ كَثُرَتْ وَتَعَدَّدَتْ وَاسْتَشْرَتْ صُوَرُ الِاخْتِلَاطِ وَمَظَاهِرُهُ فِي أُسَرِنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا، فَمِنْهَا: الزَّوَاجُ فِي بَيْتِ الْعَائِلَةِ: إِذْ تَخْتَلِطُ الْمَرْأَةُ بِأَقَارِبِ زَوْجِهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهَا مُخَالَطَتُهُمْ، وَلَقَدْ شَدَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّحْذِيرِ مِنْ ذَلِكَ قَائِلًا: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"

وَمِنْ صُوَرِ الِاخْتِلَاطِ مَا يَكُونُ فِي الْمُنَاسَبَاتِ كَالْأَفْرَاحِ وَالْأَعْيَادِ وَغَيْرِهِمَا، مِمَّا تُرْفَعُ فِيهِ الْكُلْفَةُ، وَتُجَلْجِلُ فِيهِ الضَّحِكَاتُ، وَتُنْتَهَكُ فِيهِ الْحِشْمَةُ وَالصِّيَانَةُ وَالْعَفَافُ!

وَمِنْ صُوَرِهِ: الِاخْتِلَاطُ بِالْجِيرَانِ، وَمُحَادَثَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا ضَرُورَةٍ، وَكَمْ أَدَّى التَّبَسُّطُ مَعَ الْجِيرَانِ إِلَى وَيْلَاتٍ قَدِ اكْتَوَتِ الْمُجْتَمَعَاتُ مِنْ نَارِهَا؛ مِنْ زِنًا وَفَوَاحِشَ وَمُوبِقَاتٍ، وَنَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشَرَةِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ"

وَمِنْ صُوَرِهِ: الِاخْتِلَاطُ غَيْرُ الْمُنْضَبِطِ بِزُمَلَاءِ الْعَمَلِ، حَيْثُ يَكُونُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ يَأْكُلَانِ وَيَشْرَبَانِ وَيَتَضَاحَكَانِ بِلَا حَيَاءٍ وَلَا رَقِيبٍ، وَلَرُبَّمَا نَشَأَتْ عَنْ ذَلِكَ الْعَلَاقَاتُ الْمُحَرَّمَةُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

آثار الاختلاط على استقرار الحياة الزوجية


إِنَّ هَذَا السَّيْلَ الطَّافِحَ مِنَ الْخُلْطَةِ الْمُحَرَّمَةِ قَدْ نَتَجَتْ عَنْهُ آثَارٌ وَخِيمَةٌ زَلْزَلَتْ كِيَانَ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، فَمِنْهَا: عَدَمُ قَنَاعَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ، وَعَدَمُ اكْتِفَائِهَا بِهِ: فَكَمَا قَدَّمْنَا؛ فَكِلَاهُمَا يَخْتَلِطُ بِمَنْ هُوَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ مِنْ شَرِيكِهِ، وَهَذِهِ وَاقِعَةٌ تُبَيِّنُ لَنَا شِدَّةَ ضَرَرِ هَذَا عَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ.

فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ: أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَهُ شَيْءٌ أَبَدًا؛ إِنِّي رَفَعْتُ جَانِبَ الْخِبَاءِ فَرَأَيْتُهُ أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ، فَإِذَا هُوَ أَشَدُّهُمْ سَوَادًا، وَأَقْصَرُهُمْ قَامَةً، وَأَقْبَحُهُمْ وَجْهًا، قَالَ زَوْجُهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُعْطَيْتُهَا أَفْضَلَ مَالِي؛ حَدِيقَةً، فَلْتَرُدَّ عَلَيَّ حَدِيقَتِي، قَالَ: "مَا تَقُولِينَ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنْ شَاءَ زِدْتُهُ، قَالَ: فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا"صَحَّحَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ فَهَذِهِ صَحَابِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، وَقَعَتْ عَيْنُهَا عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا، فَكَانَ مَا كَانَ، فَمَاذَا لَوْ خَالَطَ غَيْرُهَا الرِّجَالَ بِلَا دِينٍ يَرْدَعُهُمْ، وَرَأَيْنَ فِيهِمْ مَا يَفْتَقِدُهُ أَزْوَاجُهُنَّ؟! أَوْ خَالَطَ الرِّجَالُ نِسَاءً وَعَايَنُوا مِنْهُنَّ مَا لَيْسَ عِنْدَ زَوْجَاتِهِمْ؟!

وَمِنْهَا: اشْتِعَالُ نَارِ الشَّكِّ وَالْغَيْرَةِ فِي قَلْبِ الزَّوْجَيْنِ: وَإِذَا دَخَلَ الشَّكُّ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَرَّ الِاسْتِقْرَارُ الْأُسَرِيُّ مِنَ الْبَيْتِ، فَالزَّوْجُ لَا يَدْرِي حِينَ اخْتَلَطَتْ زَوْجَتُهُ بِزَمِيلِهَا فِي الْعَمَلِ مَاذَا جَرَى بَيْنَهُمَا! فَهُوَ دَائِمُ التَّشَكُّكِ فِي سُلُوكِهَا، يُوَسْوِسُ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ بِالظُّنُونِ وَعَظَائِمِ الْأُمُورِ... وَلَوْ أَنَّهَا قَصَرَتْ نَفْسَهَا عَلَى زَوْجِهَا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا مَوْضِعٌ.

وَمِنْ مَفَاسِدِ الِاخْتِلَاطِ: الْوُقُوعُ فِي الْخِيَانَةِ الزَّوْجِيَّةِ: فَهِيَ خُطُوَاتٌ لِلشَّيْطَانِ يَتْبَعُهَا الْوَاقِعُونَ فِي الِاخْتِلَاطِ الْمُحَرَّمِ؛ نَظْرَةٌ، فَابْتِسَامَةٌ، فَمَوْعِدٌ، فَلِقَاءٌ، فَفَاحِشَةٌ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ-، لِذَا قَالَ الْجَلِيلُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾[الْإِسْرَاءِ: 32]، وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَزْنُوا، وَإِنَّ الِاخْتِلَاطَ اقْتِرَابٌ مِنَ الزِّنَا.

يقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ مُعَدِّدًا مَفَاسِدَ الِاخْتِلَاطِ: "وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِنَ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ، وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ، وَلَمَّا اخْتَلَطَ الْبَغَايَا بِعَسْكَرِ مُوسَى، وَفَشَتْ فِيهِمُ الْفَاحِشَةُ: أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الطَّاعُونَ، فَمَاتَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَبْعُونَ أَلْفً.

كيفية معالجة قضية الاختلاط لسلامة الحياة الزوجية؟


إِنَّ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، وَإِنَّ الِاخْتِلَاطَ الْمُسْتَهْتِرَ ذَنْبٌ، وَدَوَاؤُهُ التَّوْبَةُ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، ثُمَّ إِصْلَاحُ مَا خَلَّفَهُ الِاخْتِلَاطُ مِنْ مَفَاسِدَ، من خلال :

  • سَدُّ كُلِّ طَرِيقٍ لِلِاخْتِلَاطِ، وَقَطْعُ الْعَلَائِقِ بِالْغُرَبَاءِ، وَمَنْعُ كُلِّ اخْتِلَاطٍ مُحَرَّمٍ كَانَ يَحْدُثُ مِنْ قَبْلُ.

  • الْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ؛ فَقَدْ خَاطَبَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ أَطْهَرَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ إِنَّهُمُ الصَّحَابَةُ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ قَائِلًا لَهُمْ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾[الْأَحْزَابِ: 53]، فَمَا بَالُنَا بِمَنْ هُمْ أَدْنَى مِنْهُمْ.

  • ضَبْطُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهَا؛ لِتَقْلِيلِ فُرَصِ الِاخْتِلَاطِ؛ فَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ"رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ

  • الِالْتِزَامُ بِغَضِّ الْبَصَرِ، وَقَصْرِ الزَّوْجَيْنِ طَرْفَيْهِمَا عَلَى أَحَدِهِمَا الْآخَرِ، طَاعَةً لِلْأَمْرَيْنِ الْقُرْآنِيَّيْنِ؛ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾[الْمُؤْمِنُونَ: 30]، ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾[الْمُؤْمِنُونَ: 31].

  • الْتِزَامُ آدَابِ التَّعَامُلِ مَعَ الْأَجَانِبِ؛ مِنْ عَدَمِ الْكَلَامِ إِلَّا لِحَاجَةٍ، مَعَ عَدَمِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ؛ ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾[الْأَحْزَابِ: 32].

  • الْبُعْدُ عَنْ أَمَاكِنِ الزِّحَامِ كَالْأَسْوَاقِ؛ فَإِنَّهَا -كَمَا قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ-: "مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ"

فَحَرِيٌّ بِنَا وَقَدْ عَلِمْنَا خُطُورَةَ الِاخْتِلَاطِ وَعَوَاقِبَهُ الْمُخْزِيَةَ، أَنْ نَقْطَعَ أَسْبَابَهُ جَاهِدِينَ، وَنُحَذِّرَ مِنْهُ الْمُسْلِمِينَ، وَنَصُونَ أَزْوَاجَنَا عَنْهُ، وَنُقِيمَ بُيُوتَنَا عَلَى مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَتَقَرُّ بِهِ عَيْنُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

المرجع : ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
تاريخ الإلقاء :
2022-12-23 - 1444/05/29


لا تنس ذكر الله
لا إله إلا الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية