أسباب نيل السعادة في الدارين

أسباب نيل السعادة في الدارين

أسباب نيل السعادة في الدارين


من فضل الله على عباده بيان أسباب سعادتهم


قد عَلِمَ ربُّكم ضرورةَ حاجتكم إلى ما فيه صلاحُكم في دينكم ودنياكم، وعَلِمَ أن عقول البشر مهما ارتقَتْ وبلغَتْ من التجارب لن تُدرِك أسبابَ السعادة الدنيوية والأخروية؛ ولذلك بيَّن اللهُ أسبابَ السعادة الدنيويَّة والأخرويَّة للعباد، وحذَّر العبادَ من أسباب الشقاء في الدنيا والآخرة؛ رحمةً من الرب -تبارَك وتعالى-، وفضلًا وإقامةً للحُجَّة على الخَلْق.


لا سبيل لإدراك السعادة إلا بالوحي المنزل


وإذا كان أكملُ الخَلْق عقلًا وحكمةً وفطرةً، وأكملُ الخلقِ خَلقًا وخُلُقًا، وسيد البشر محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يَعلَم إلَّا ما علَّمَه اللهُ -تعالى-، ولم يهتدِ إلى أسباب السعادة إلا بما أوحاه اللهُ إليه من الكتاب والحكمة، فغَيْرُه من الأمة من باب أَولَى، لن يعلم أسبابَ السعادة الدنيوية والأخروية إلَّا بما أنزله اللهُ على نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما قال تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾[النِّسَاءِ: 113]، وقال تبارَك وتَعالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾[الشُّورَى: 52-53]، وقال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾[الضُّحَى: 5-7]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا * وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا * إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾[الْإِسْرَاءِ: 85-87]، فالإنسان مهما بلغ عقلَه وقوي إدراكه، وكثرت تجاربه، وطال عمره لا يهتدي إلى سُبُل السعادة الدنيوية والأخروية إلا بالوحي المنزَّل على الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، ولعِلْم الله -عز وجل- بعجزِ الإنسانِ عن معرفته بتفاصيل الهداية، وعَجزِه عن أسرار الكثير من التشريع الإلهي بَيَّنَ اللهُ -تعالى- له هذه الحقيقة، وبين للناس فقال سبحانه: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[الْبَقَرَةِ: 216]، وقال تعالى في المواريث: ﴿آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[النِّسَاءِ: 11]، في آيات كثيرة بهذا المعنى، وكما تكفل الله بالأرزاق لمخلوقاته بقوله -تعالى-: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾[هُودٍ: 6]، ضمن للعباد بيان الهداية التامَّة رحمة منه وفضلًا، وقال تعالى: (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)[اللَّيْلِ: 12]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[النِّسَاءِ: 26]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[الْإِسْرَاءِ: 9]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[آلِ عِمْرَانَ: 103].

وبعد بيان تفاصيل الهداية وتفاصيل الضلال قامت الحجة لله على العباد، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، والعباد مجزيون على أعمالهم في الدنيا والآخرة، قال عز وجل: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[الزَّلْزَلَةِ: 7-8].


السعادة والنعيم الأبدي في كلمتين


وقد قضَى ربُّنا وحكَم ووعَد بأنَّ السعادة في الحياة، وبعد الموت، وحياة النعيم الأبدية قضى أن تكون هذه السعادة في كلمتين: في الإيمان بكلام الله -تعالى-، وفي العمل بكلام الله، قال الله -تعالى-: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[الْأَعْرَافِ: 35]، وقال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾[طه: 123]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة".


السعادة والفلاح للمؤمنين الصادقين العاملين


وتاريخ البشريَّة والرسل -عليهم الصلاة والسلام- مع أممهم شاهِدُ صدقٍ، وناطقٌ بالحقائق التي لا ينكرها أحدٌ على أن السعداء والمفلحين والفائزين والمصلِحين للأرض، والناجينَ من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، والأخيار هم الرُّسُل وأتباعهم الذين آمَنوا بكلام الله وعملوا به؛ ألَا تُحب -أيها الإنسانُ- أن تكون معهم، وأولُ البشر أبونا آدم -صلى الله عليه وسلم- لم يَنَلِ الاصطفاءَ والهدايةَ التامةَ بعدَ الخطيئة إلا بالإيمان بكلام الله -تعالى- والعمل به قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[الْبَقَرَةِ: 37]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾[طه: 121-121]، ثم مَنَّ اللهُ بعد آدم -عليه الصلاة والسلام- بكلامه ووحيه -سبحانه- على الأنبياء والمرسَلِينَ عليهم الصلاة والسلام، وأثنى عليهم وعلى أتباعهم بأبلغ الثناء؛ لَمَّا قَبِلُوا آياتِ الله، وعملوا بها، ودَعَوُا الناسَ إليها، قال -تبارك وتعالى-: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾[مَرْيَمَ: 58]، فالإيمان بالله وكلامه، والعملُ به هو الفوزُ والفَلَاحُ وسعادةُ الدنيا، ونعيمُ الآخرة.

ولا يقبل الله طاعة العبد ولا ينجو من النار أحد إلا بالإيمان بكُتُب الله، مع أركان الإيمان، وأخبر الله في آخر سورة البقرة، أن الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم حققوا هذا الإيمان، فقال تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾[الْبَقَرَةِ: 285].

ولا يُصلح الأرضَ، ولا يُصلِحُ المجتمعَ إلا كلامُ اللهِ وتشريعُه، وإقامةُ كتابِه الله الذي هو سببٌ في سعة المعايش والأرزاق، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾[الْمَائِدَةِ: 66]، قال المفسرون: "المراد بما أنزل إليهم القرآن؛ لأنَّه مهيمِن على الكتاب ومُصدِّق لِمَا قَبلَه من الكتب، بل الفرد في خاصته لا يصلح حاله، وحياته، ولا يصلح إلا بالقرآن، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النَّحْلِ: 97-98]، فذكر قراءة القرآن بعد الوعد بالحياة الطيبة إشارة إلى أن تلاوة كلام الله والعمل به سبب الحياة الجنة، ونعيم الجنة، بل الجنة وما فيها من النعيم الأبدي السرمدي كتبها الله لمن آمَن بكلامه، وعمل به، قال تعالى: ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾[الزُّخْرُفِ: 68-73].

وأثنى الله على عباده الذين آمنوا بكلام الله، وعملوا به، وممَّن خصَّه الله بالثناء على هذا الإيمان، أكرم الخلق على الله، محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله -تعالى-: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[الْأَعْرَافِ: 158]، وهذا النبي الكريم على الله خصَّه اللهُ -عز وجل- بهذه الشريعة التامَّة السمحة الكاملة، التي وَسِعَتِ الناسَ كلَّهم، وكان الفضلُ فيها للتقوى عند الله -تعالى-، ومَنَّ اللهُ -تعالى- على البشريَّة بهذا القرآن الذي بيَّن اللهُ فيه الحقَّ فيما اختلف فيه أهلُ الكتاب، قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الْمَائِدَةِ: 15-16]، فجاء هذا النبيُّ الأميُّ -عليه الصلاة والسلام- بملة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، الذي أثنى الله عليه بقوله: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾[آلِ عِمْرَانَ: 67-68].

كمال الشريعة الإسلامية ووفاؤها بحاجات الناس


وكمال هذه الشريعة والرحمة فيها أنَّها تُحقِّق وتُلبِّي حاجاتِ الناس كلهم بالعدل والوفاء والحق، وترتقي بجوانب الحياة إلى أعلى المستويات في كل جانب، وما يكون من نقص عند بعض المسلمين فليس من الشريعة، إنما هو من الجهل في التطبيق بقصدٍ أو بدونِ قصدٍ، ولم تعجز الشريعة الغراء ولن تعجز عن الحكم الشرعي في كل مُعضِلة ونازلة تنزل بالأمة؛ لأنَّ مصادر التشريع والأحكام ثابتةٌ لا تتغيَّر، ولا يدخلها الهوى؛ فالأحكام الشرعيَّة تؤخذ من كتاب الله، فإذا لم يكن الحكمُ في كتاب الله أُخِذَ الحكمُ من سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن لم يكن في السُّنَّة فيُرجَع إلى الإجماع؛ وهو اتفاق العلماء المجتهدين على حكمِ حادثةٍ، ولا يحل بعد ذلك مخالفتهم، والإجماع لا يكون إلا مستندًا إلى نص، فإن لم يكن إجماعٌ فالرجوع إلى القياس الصحيح؛ وهو إلحاقُ فرعٍ بأصلٍ لعلةٍ تجمَع بين الأصل والفرع.

وقد عَمِلَ الصحابةُ بالقياس الصحيح ومَنْ بعدَهم، وقد بَسَطَ القولَ في القياس الصحيح الإمامُ ابنُ القيم -رحمه الله- في كتابه القيم: (إعلام الموقِّعين عن رب العالمين)بما لم يُسبَق إليه، والمقصود أن الشريعة الإسلاميَّة كاملةٌ تامةٌ ضَمِنَتْ مصالحَ الناس الدينيَّة والدنيويَّة، وأنها مبنيَّة على كلام الله، وكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مَنْ تمسَّك بها نجا، ومَنْ تخلَّف عنها هَلَكَ، وما أشبَهَها بسفينة نوح -عليه الصلاة والسلام-، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ ‌اللهَ ‌يَرْفَعُ ‌بِهَذَا ‌الْكِتَابِ ‌أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ"، وكما حكَم اللهُ بالسعادة في الدنيا، والنعيم في الآخرة، لِمَنْ آمَن بكلام الله، وعَمِلَ بشريعته كذلك حكَم اللهُ وقضى بأنَّ العذابَ والشقاءَ في الدنيا، والخلودَ في النار لمن كذَّب بكلام الله وترَك العملَ به، قال الله -تعالى-: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾[غَافِرٍ: 69-72].


الفوز للطائعين والهلاك للمكذبين الضالين


وما أهلك الله الأمم الخالية إلا بتكذيبهم بآيات الله، قال الله -تعالى-: ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ

[هُودٍ: 59-60]، وغيرهم من الهالكين مثلهم، في التكذيب.

و قد تبين لكم سبيل المهتدين الناجين، وتبينت لكم سبل الهالكين الضالين، فكونوا عباد الله من المهتدين الناجين، ولا تكونوا من الهالكين؛ قال الله -تعالى-: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[الْأَنْعَامِ: 153].

قال الله -تعالى-: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يُوسُفَ: 108]، وفي الحديث: "كلّكم ‌يدخل ‌الجنة ‌إلا ‌من ‌أبى، قالوا: ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"، فإن الله لا يقبل إلا خالصًا، والزموا كثرة الدعاء، فلن يهلك مع الدعاء أحد.


المرجع:

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية