شهادة الزور

شهادة الزور

شهادة الزور


خطورة شهادة الزور وحقيقتها


قرن الله سبحانه وتعالى شهادة الزور بالشرك في قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾

وروى الإمام أحمد والترمذي: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال خطيباً فقال: "أيها الناس: عدلت شهادة الزور إشراكاً بالله ثلاث مرات، ثم قرأ : ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾".

وفي الصحيحين عن أبي بكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله. وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ".

وروى ابن ماجه والحاكم -وقال: صحيح الإسناد- من حديث ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " لن تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار ".

وشهادة الزور هي الشهادة الكاذبة التي ليس لها أساس من الصحة؛ بأن يشهد الإنسان بما ليس له به علم؛ إما بدافع الحمية لمناصرة المشهود له بالباطل، وإما بدافع الطمع بما يعطيه المشهود له من مكافأة مالية أو غيرها. دون تفكير في العاقبة الوخيمة، ودون خوف من الله...

إن الشهادة يجب أن تكون عن علم بالمشهود به، قال الله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 86] أي يعلمون بقلوبهم ما تشهد به ألسنتهم فلا يجوز للإنسان أن يشهد إلا بما يتحققه إما برؤية أو سماع من المشهود عليه ونحو ذلك مما يفيد العلم لدى الشاهد. وما لا يعلمه لا يجوز له أن يشهد به. قال تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36]

أضرار شهادة الزور


تحفظوا -يا عباد الله- في شهادتكم، وتحرزوا مما تنطق به ألسنتكم فإن شاهد الزور قد ارتكب أموراً خطيرة.منها الكذب والافتراء، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النحل:105] وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر:28]

ومن المحاذير التي ارتكبها شاهد الزور أنه ظلم الذي شهد عليه، فاستبيح بشهادته عليه دمه أو ماله أو عرضه. ومن المخاطر التي ارتكبها شاهد الزور أنه ظلم المشهود له حيث ساق إليه بموجب شهادته حق غيره ظلماً وعدواناً، فباع بدنيا غيره وظلم الناس للناس.

يا شاهد الزور لقد ظلمت نفسك وظلمت الناس للناس وبعت دينك بدنيا غيرك. إن شاهد بشهادته الحق باطلاً والباطل حقاً. شاهد الزور يغرر بالحكام. ويفسد الأحكام. ويساعد أهل الإجرام.. كم أخربت شهادة الزور من بيوت عامرة، وضيعت حقوقاً واضحة، وأزهقت أرواحاً بريئة؟! كم فرقت بين المرء وزوجه؟! كم منعت صاحب الحق من حقه، وجرأت المفسدين على الفساد؟!

مواطن شهادة الزور


في وقتنا قد كثر التساهل في الشهادة خصوصاً في مجال التزكيات -فإذا طلب تزكية شخص تبادر الكثير إلى تزكيته دون علم منهم بحاله وسلوكه، ودون اعتبار لما يترتب على هذه التزكية من مخاطر. فقد يتولى هذا الشخص المزكى منصباً يسيء فيه إلى المسلمين. أو يستغل هذه التزكية للتغرير بالمسلمين وأخذ مالاً يستحق.

ومن التساهل في الشهادةِ الشهادةُ لشخص أنه يستحق من مال الدولة كذا وكذا والواقع خلاف ذلك، كما إذا وضعت الحكومة مساعدات للفقراء والمحتاجين، وهو ما يعرف بالضمان الاجتماعي فشهد شاهد أن هذا الشخص محتاج ومستحق، وهو ليس كذلك. فهذه الشهادات من الزور الذي حرمه الله ورسوله..

عباد الله إن شهادة الزور تفسد المجتمعات وتحول دون تنفيذ أحكام الله وتغرر بالقضاة والمفتين -وتفسد الدنيا والدين. فيجب على ولاة الأمور أن يعاقبوا شاهد الزور بالعقوبة الرادعة. ويشهروا أمره حتى يعرفه الناس ويحذروه ولا يثقوا به.

أخلاقيات يجب مراعاتها في الشهادة


من كانت عنده لأخيه شهادة بحق وجب عليه أداؤها عند الحاجة إليها، قال الله تعالى: ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة : 283] أي إذا دعيتم إلى إقامتها فلا تخفوها بل أظهروها. قال ابن عباس رضي الله عنهما: شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك. وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ أي: فاجر قلبه.وقد قيل: ما أوعد الله على شيء كإيعاده على كتمان الشهادة، قال: ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ أراد به مسخ القلب. وخص القلب لأنه موضع العلم والشهادة - وقال تعالى: ﴿وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ [المائدة: 106] فقد أضاف الشهادة إلى الله تشريفاً لها وتعظيماً لأمرها. لأنها تفرز الحقوق وتبين الحق من الباطل.

ولا يجوز للإنسان أن يتحمل شهادة على جور أو أمر محرم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة:8] أي كونوا قوامين بالحق لله عز وجل، لا لأجل الرياء والسمعة وكونوا ﴿شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ أي بالعدل لا بالجور.

وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: نحلني أبي نحلاً، فقالت أمي عمرة بنت رواحه: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءه ليشهده على صدقتي. فقال: " أكل ولدك نحلت مثله؟ " قال: لا. فقال: " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. وقال:" إني لا أشهد على جور " قال فرجع أبي فرد الصدقة.

فهذا دليل على أن الإنسان لا يجوز له أن يشهد على الجور لأن شهادته ستكون وسيلة لثبوته، فيكون معيناً على الجور. وقد لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وشاهديه وكاتبه. لأن كتابة عقود الربا والشهادة عليها وسيلة لإثباتها وإعانة على تعاطيها.

ويجب على الإنسان أن يشهد بالحق ولو على نفسه أو أقرب الناس إليه، لا تأخذه في ذلك لومة لائم ولا يصرفه عن ذلك طمع أو خوف أو محاباة - قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ والأقربين﴾[النساء:135] أي اشهد بالحق ولو عاد ضرر ذلك عليك، وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك. فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه.

وإن كانت الشهادة على والديك وقاربتك فلا تراعهم فيها؛ فإن الحق حاكم على كل أحد، ولا تراع غنياً لغناه، ولا فقيراً لفقره في أمر الشهادة؛ فالله أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما؛ فالله أرحم بعباده منكم فقد تظنون أن في الشهادة عليهم مضرة، وفي الحقيقة أن الشهادة عليهم فيها رحمة بهم ومصلحة لهم في تخليصهم من المظالم وتطهيرهم من المآثم.

وإن الشهادة ليست مجرد قول باللسان- ولكنها كلمة يترتب عليها عدل أو جور وتبنى عليها الأحكام. وتنزع بها حقوق. وتسفك بها دماء. ويفرق بها بين زوجين، فاتقوا الله فيمن تشهدون عليه. وفيمن تشهدون له. وتثبتوا فيما تنطقون به.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية