طاعة السر

طاعة السر

طاعة السر


الإخلاص أساس العمل وعماده


قَلِيلُ عَمَلِ الْمُخْلِصِ الصَّادِقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ عَمَلِ الْمُرَائِي الْكَاذِبِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ -تَعَالَى-، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"

وَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْإِخْلَاصُ؛ فَالْمُتَصَدِّقُ يُبَالِغُ فِي إِخْفَاءِ صَدَقَتِهِ، وَالذَّاكِرُ لِلَّهِ -تَعَالَى- خَشَعَ فِي خَلْوَةٍ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ. وَأَثْنَى اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَى الْمُصَلِّينَ بِجَوْفِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ أَوْ سَهَرٍ وَغَفْلَةٍ؛ فَالْمُصَلِّي قَامَ لِلَّهِ -تَعَالَى- فِي وَقْتِ الْغَفْلَةِ أَوِ الرَّاحَةِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ؛ ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[السَّجْدَةِ: 16-17]، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "أَخْفَوْا لِلَّهِ -تَعَالَى- الْعَمَلَ فَأَخْفَى لَهُمُ الْأَجْرَ".

وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ثَلَاثَةٍ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى-، وَهُمْ: "رَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ، فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْيَانِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلَّا اللَّهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَقَامَ أَحَدُهُمْ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا وَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ". "فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ قَدِ اجْتَمَعَ لَهُمْ مُعَامَلَةُ اللَّهِ -تَعَالَى- سِرًّا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، حَيْثُ غَفَلَ النَّاسُ عَنْهُمْ، فَهُوَ -تَعَالَى- يُحِبُّ مَنْ يُعَامِلُهُ سِرًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، حَيْثُ لَا يُعَامِلُهُ حِينَئِذٍ أَحَدٌ...".

بعض أقوال السلف في فضائل طاعة السر


وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى- أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ فِي طَاعَةِ السِّرِّ، وَإِخْفَاءِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ عَنِ النَّاسِ؛ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَيُّكُمُ اسْتَطَاعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ". وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "إِذَا أَصْبَحْتُمْ صِيَامًا فَأَصْبِحُوا مُتَدَهِّنِينَ"، وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: "اكْتُمْ حَسَنَاتِكَ كَمَا تَكْتُمُ سَيِّئَاتِكَ"، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّ لَكَ قَوْلًا وَعَمَلًا، وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَعَمَلُكَ أَوْلَى بِكَ مِنْ قَوْلِكَ، وَسِرُّكَ أَوْلَى بِكَ مِنْ عَلَانِيَتِكَ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيُّ: "كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَكُوْنَ لِلرَّجُلِ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، لَا تَعْلَمُ بِهِ زَوْجَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا". وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: "لَا تَعْمَلْ لِتُذْكَرَ، اكْتُمِ الْحَسَنَةَ كَمَا تَكْتُمُ السَّيِّئَةَ". وَبَكَى رَجُلٌ إِلَى جَنْبِ الْحَسَنِ فَقَالَ: "قَدْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَبْكِي إِلَى جَنْبِ صَاحِبِهِ فَمَا يَعْلَمُ بِهِ". "وَكَانَ بَعْضُ الْمُخْلِصِينَ يَقُولُ: لَا أَعْتَدُّ بِمَا ظَهَرَ مِنْ عَمَلِي. وَاطُّلِعَ عَلَى بَعْضِ أَحْوَالِ بَعْضِهِمْ فَدَعَا لِنَفْسِهِ بِالْمَوْتِ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ تَطِيبُ الْحَيَاةُ إِذَا كَانَتِ الْمُعَامَلَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ -تَعَالَى- سِرًّا".

من أعمال السلف وأحوالهم في طاعة السر


وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ-تَعَالَى- أَحْوَالٌ عَجِيبَةٌ فِي عِبَادَةِ السِّرِّ، وَخَبِيئَةِ الْعَمَلِ: وَمِنْ ذَلِكَ:

أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْفُونَ الْخُشُوعَ وَالْبُكَاءَ: قَالَ الْأَعْمَشُ: "بَكَى حُذَيْفَةُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ الْتَفَتَ فَإِذَا رَجُلٌ خَلْفَهُ، فَقَالَ: لَا تُعْلِمَنَّ بِهَذَا أَحَدًا"، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ: "لَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ رَأْسُهُ مَعَ رَأْسِ امْرَأَتِهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَاحِدَةٍ، قَدْ بُلَّ مَا تَحْتَ خَدِّهِ مِنْ دُمُوعِهِ لَا تَشْعُرُ بِهِ امْرَأَتُهُ، وَلَقَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالًا يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي الصَّفِّ فَتَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ الَّذِي إِلَى جَانِبِهِ" وَقَالَ أَيْضًا: "إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَبْكِي عِشْرِينَ سَنَةً وَامْرَأَتُهُ مَعَهُ لَا تَعْلَمُ"، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجْلِسُ الْمَجْلِسَ فَتَجِيئُهُ عَبْرَتُهُ فَيَرُدُّهَا فَإِذَا خَشِيَ أَنْ تَسْبِقَهُ قَامَ"، "وَكَانَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ إِذَا حَضَرَتْهُ الرِّقَّةُ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَيَقُولُ لِجُلَسَائِهِ: مَا هَذَا الزُّكَامُ". "وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ يَحْضُرُ مَسْجِدَ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، فَإِذَا تَكَلَّمَ مَالِكٌ بَكَى حَسَّانُ حَتَّى يَبُلَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ". وَقَالَ أَبُو عَوْنٍ الضَّرِيرُ: "كُنْتُ أَكُونُ قَرِيبًا مِنَ الْجَبَّانِ، فَكَانَ يَمُرُّ بِي رِيَاحٌ الْقَيْسِيُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِذَا خَلَتِ الطَّرِيقُ، وَكُنْتُ أَسْمَعُهُ وَهُوَ يَنْشُجُ بِالْبُكَاءِ وَيَقُولُ: إِلَى كَمْ يَا لَيْلُ وَيَا نَهَارُ تَحُطَّانِ مِنْ أَجَلِي وَأَنَا غَافِلٌ عَمَّا يُرَادُ بِي، إِنَّا لِلَّهِ، إِنَّا لِلَّهِ، فَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى يَغِيبَ عَنِّي وَجْهُهُ".

وَكَانُوا يُخْفُونَ الصَّلَاةَ: "كَانَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ يَقُومُ اللَّيْلَ يُخْفِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ رَفَعَ صَوْتَهُ، كَأَنَّهُ إِنَّمَا قَامَ تِلْكَ السَّاعَةَ"، "وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى يُصَلِّي، فَإِذَا دَخَلَ الدَّاخِلُ، نَامَ عَلَى فِرَاشِهِ"، "وَكَانَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ إِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ يَنْشِجُ نَشِيجًا، وَلَوْ جُعِلَتْ لَهُ الدُّنْيَا عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ وَأَحَدٌ يَرَاهُ مَا فَعَلَهُ". "وَكَانَ لِحَسَّانَ بْنِ أَبِي سِنَانٍ فِي حَانُوتِهِ سِتْرٌ، فَكَانَ يُخْرِجُ سَلَّةَ الْحِسَابِ وَيَنْشُرُ حِسَابَهُ، وَيُصْعِدُ غُلَامًا عَلَى الْبَابِ، وَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا قَدْ أَقْبَلَ، تَرَى أَنَّهُ يُرِيدُنِي فَأَخْبِرْنِي. ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي، فَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ أَخْبَرَهُ الْغُلَامُ، فَيَجْلِسُ كَأَنَّهُ عَلَى الْحِسَابِ".

وَكَانُوا يُخْفُونَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ: "كَانَ عَمَلُ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ كُلُّهُ سِرًّا، كَانَ يَجِيءُ الرَّجُلُ وَقَدْ نَشَرَ الْمُصْحَفَ فَيُغَطِّيهِ بِثَوْبِهِ"، وَعَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَغَطَّى الْمُصْحَفَ، وَقَالَ: لَا يَرَى هَذَا أَنَّنِي أَقْرَأُ فِيهِ كُلَّ سَاعَةٍ"، وَقَالَ أَبُو التَّيَّاحِ: "كَانَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ عِشْرِينَ سَنَةً لَا يَشْعُرُ بِهِ جِيرَانُهُ".

وَكَانُوا يُخْفُونَ الصِّيَامَ: قَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ: "صَامَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا يَعْلَمُ بِهِ أَهْلُهُ، وَكَانَ خَرَّازًا يَحْمِلُ مَعَهُ غَدَاءَهُ مِنْ عِنْدِهِمْ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِي الطَّرِيقِ، وَيَرْجِعُ عَشِيًّا فَيُفْطِرُ مَعَهُمْ".

وَكَانُوا يُخْفُونَ الصَّدَقَةَ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: "كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَحْمِلُ جِرَابَ الْخُبْزِ عَلَى ظَهْرِهِ بِاللَّيْلِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ -عَزَّ وَجَلَّ-"، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: "لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَغَسَّلُوهُ جَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى آثَارٍ سَوْدَاءَ بِظَهْرِهِ، فَقَالُوا: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: كَانَ يَحْمِلُ جُرُبَ الدَّقِيقِ لَيْلًا عَلَى ظَهْرِهِ يُعْطِيهِ فُقَرَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ".

الحرص أن تكون للمسلم طاعات في السر


يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَاعَاتٌ فِي السِّرِّ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ -تَعَالَى-، وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْفِيَهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْحَافِظِينَ لَأَخْفَاهَا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ السِّرِّ فِي الْعُمُومِ أَفْضَلُ مِنْ طَاعَةِ الْعَلَانِيَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾[الْبَقَرَةِ: 271].

بعض المعينات على طاعة السر


وَمِمَّا يُعِينُهُ عَلَى طَاعَةِ السِّرِّ:

  • التَّفَكُّرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَاسْتِحْضَارُ نِعَمِهِ الْكَثِيرَةِ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَعْرِفَةُ أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يُحِبُّ الْإِخْلَاصَ مِنْ عَبْدِهِ، وَيُحِبُّ الْمُخْلِصِينَ؛ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾[الْبَيِّنَةِ: 5].

  • الْيَقِينُ بِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ -سُبْحَانَهُ-، وَأَنَّ جَزَاءَ اللَّهِ -تَعَالَى- عَظِيمٌ جِدًّا، فَيَرْجُوهُ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- وَحْدَهُ، وَلَا يَرْجُوهُ مِنَ النَّاسِ بِمَدْحٍ عَلَيْهِ، أَوْ ثَنَاءٍ عَلَى عِبَادَتِهِ، أَوْ مُرَاعَاتِهِ لِأَجْلِ دِينِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

  • الْخَوْفُ مِنَ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْقَبُولِ؛ وَمِنْ عَجَائِبِ الْوَرَعِ وَالْخَوْفِ مِنَ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْقَبُولِ مَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيِّ؛ فَإِنَّهُ صَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً نَافِعَةً جِدًّا، وَكَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْمِ، وَأَخْفَى كُتُبَهُ فَلَمْ يُظْهِرْ مِنْهَا شَيْئًا فِي حَيَاتِهِ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ، "فَلَمَّا دَنَتْ وَفَاتُهُ قَالَ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ: الْكُتُبُ الَّتِي فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ كُلُّهَا تَصْنِيفِي، وَإِنَّمَا لَمْ أُظْهِرْهَا لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ نِيَّةً خَالِصَةً لِلَّهِ -تَعَالَى- لَمْ يَشُبْهَا كَدَرٌ، فَإِنْ عَايَنْتُ الْمَوْتَ، وَوَقَعْتُ فِي النَّزْعِ فَاجْعَلْ يَدَكَ فِي يَدِي، فَإِنْ قَبَضْتُ عَلَيْهَا وَعَصَرْتُهَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنِّي شَيْءٌ مِنْهَا، فَاعْمَدْ إِلَى الْكُتُبِ وَأَلْقِهَا فِي دِجْلَةَ لَيْلًا، وَإِنْ بَسَطْتُ يَدِي وَلَمْ أَقْبِضْ عَلَى يَدِكَ فَاعْلَمْ أَنَّهَا قُبِلَتْ، وَأَنِّي قَدْ ظَفِرْتُ بِمَا كُنْتُ أَرْجُوهُ مِنَ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ. قَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ: فَلَمَّا قَارَبَ الْمَوْتَ وَضَعْتُ يَدِي فِي يَدِهِ فَبَسَطَهَا وَلَمْ يَقْبِضْ عَلَى يَدِي، فَعَلِمْتُ أَنَّهَا عَلَامَةُ الْقَبُولِ، فَأَظْهَرْتُ كُتُبَهُ بَعْدَهُ"، -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رَحْمَةً وَاسِعَةً.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية