فرحة العيد

فرحة العيد

فرحة العيد


لكل أمة من الأمم عيدا يأنسون فيه ويفرحون ، وهذا العيد يتضمن عقيـدة هـذه الأمة وأخلاقها وفلسفة حياتها ، فمن الأعياد ما هو منبثق مـن الأفكـار البـشرية البعيدة عن وحي الله تعالى ، وهي أعياد العقائد غير الإسلامية ، وأما عيـد الفطـر وعيد الأضحى فقد شرعه الله تعالى لأمة الإسلام ، قال الله تعالى :﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنا مَنسَكًا ..﴾ [الحج: ٣٤]

روی ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس قال : ( منسكا أي : عيـدا ) .

وعيد الفطر وعيد الأضحى يكونان بعد ركن من أركان الإسلام ، فعيد الفطر يكـون بعد عبادة الصوم وعيد الأضحى بعد عبادة الحج وبهذا تواترت النصوص الشرعية على حصر الأعياد الزمانية في الإسلام في عيدين حوليين هما الفطر والأضحى ، لا ثالث لهما سوى العيد الأسبوعي يوم الجمعة ، وغيرها من الأعياد إنمـا هو محدث ، سواء كان أسبوعياً أم حولياً أم قرنياً أم غير ذلك .

وقال ابن الأعرابي : " سمي عيدا لأنه يعود كل سنة بفرح متجدد " . نقله الأزهري في التهذيب ( ۱۳۲/۳ ) . وهذا المعنى في العيد هو الوارد في السنة النبوية الصحيحة ، فعن عائشة رض الله عنها قالت : دخل أبو بكر ، وعندي جاريتان من الأنصار تغنيان بمـا تقاولـت الأنصار يوم بعاث ، قالت : وليستا بمغنيتين . فقال أبو بكر : أمزامير الـشيطان فـي بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صـلى الله عليه وسلم ذلك « يا أبا بكر ، إن لكل قوم عيدا ، وهذا عيدنا » . أخرجه البخاري .

فالعيد في معناه الديني شكر الله على تمام العبادة ، والعيد في معناه الإنساني يـوم تلتقي فيه قوة الغني ، وضعف الفقير على محبة ورحمة وعدالة من وحي السماء ، عنوانها الزكاة ، والإحسان ، والتوسعة .

والعيد في معناه النفسي حد فاصل بين تقييد تخضع له الـنفس ، وتـسكن إليـه الجوارح ، وبين انطلاق تنفتح له اللهوات ، وتتنبه له الشهوات .

أخلاق وآداب العيد


والأعياد في الإسلام لها أخلاق وآداب منها :

الفرح والسرور بقدوم العيد :
فالعيد للفرح والسرور لا لتجديد الهموم والأحزان ، قال ابن عابدين : " سمي العيد بهذا الاسم لأن الله تعالى فيه عوائد الإحـسان ، أي : أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام ، منها : الفطر بعد المنع عن الطعام ، وصدقة الفطر ، وإتمام الحج بطواف الزيارة ، ولحوم الأضاحي وغيـر ذلـك ، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالبـا بـسبب ذلـك " .حاشية ابـن عابدين ( ١٦٥/٣ ) .

ففي العيد يستروح الأشقياء ريح السعادة ، ويتنفس المختنقون في جو من السعة ، وفيه يذوق المعدمون طيبات الرزق ، ويتنعم الواجدون بأطايبه . ففي العيد تسلس النفوس الجامحة قيادها إلى الخير ، وتهش النفوس الكـزة إلـى الإحسان .

وفي العيد تنطلق السجايا على فطرتها ، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها .

عن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا اغدوا يا معـشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل لقد أمرتم بقيـام الليـل فقمتم وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم فإذا صلوا نادى مناد ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة ويسمى ذلك اليوم في الـسماء يـوم الجـائزة » . أخرجه الطبـرانـي

الاغتسال والتطيب والتزين :
من إظهار الفرح والسرور في العيد الحرص على الاغتسال والتطيـب والتـزين ولبس الجديد ، عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم كان يغتـسـل يـوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى . أخرجه مالك

قال البزار : " لا أحفظ في الاغتسال في العيدين حديثا صـحيحا " .

قال ابن عبد البر : « فأما الاغتسال لهما ؛ فليس فيه شيء ثبت عن النبي صـلى الله عليه وسلم من جهة النقل ».

وثبت أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل في هذين اليومين . أخرجه مالك في الموطأ بسند صحيح ( ١٤٦/١ ) .

وقد نقل اتفاق الفقهاء على استحباب الاغتسال للعيدين غير واحد من أهل العلم . قال ابن عبد البر : " واتفق الفقهاء على أنه حسن لمن فعله " .
الاستذكار ( ١١/٧ ) .
وقال ابن رشد : " أجمع العلماء على استحسان الغسل لـصلاة العيـدين " . بـدايـة المجتهد ( ٢١٦/١ )

ويستحب التزين في العيدين في اللباس والطيب عند عامة الفقهاء ، فعن عبـد الله بن عمر قال : أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق ، فأخذها ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! ابتع هذه ، تجمل بها للعيد والوفود . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما هذه لباس من لا خلاق له » .رواه البخاري

قال ابن قدامة : « وهذا يدل على أن التجمل عندهم في هـذه المواضـع – ب الجمعة ، والعيد ، واستقبال الوفود – كان مشهورا ». المغني

قال مالك : «سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد ، والإمام بـذلك أحق ؛ لأنه المنظور إليه من بينهم » . انظر : المغني ( ٣٥٨/٥ ) .

لكل عيد سنة:
فيستحب الأكل قبل الخروج إلى الفطر ، وأن تكون على تمرات ، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحابته من بعده .

عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج يوم الفطـر حتى يأكل تمرات ، ويأكلهن وترا . أخرجه البخاري

عن أنس رضي الله عنه ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «إن استطعتم أن لا يغدو أحدكم يوم الفطر حتى يطعم فليفعل » .


ويستحب تأخير الأكل بعد الصلاة في عيد الأضحى لقوله تعالى :﴿إِنّا أَعطَيناكَ الكَوثَرَ۝فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر۝إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ﴾ [الكوثر: ١-٣]

كما يستحب الخروج لصلاة العيد من طريق والرجوع من طريق أخـرى : فعـن جابر رضي الله عنه قال : «كان النبي عليه السلام إذا كان يوم عيد خالف الطريـق» . أخرجه البخاري .

كما يستحب إظهار التكبير ، عن الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين ، قالا : نعم كان عبد الله بن عمر يظهره فـي يوم الفطر حتى يخرج الإمام . وصح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : « كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى » .


ثبت عن ابن مسعود عن ابن أبي شيبة أنه كان يقول : « الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد » ، بتشفيع التكبير ، وفي رواية أخرى له أيـضاً بتثليث التكبير وهي صحيحه.تمام المنة ( ص ٣٥٦ ) .

وقال ابن حجر في الفتح : أصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صـحيح عن سلمان قال : « كبـروا الله ، الله أكبـر ، الله ، الله أكبـر كبيـرا » . فـتـم البـاري .

كما يحرم صوم يومي العيدين لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليـه وسلم نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ، ويوم النحر . متفق عليه ، أخرجه البخاري

قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : وقد أجمع العلماء علـى تـحـريم صوم هذين اليومين بكل حال ؛ سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غيـر ذلك ، ولو نذر صومهما متعمدا لعينهما ، قال الشافعي والجمهور : لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما .انظر صحيح مسلم بشرح النووي .

التهنئة بالعيد :
عن جبير بن نفير قال : « كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقـوا يـوم العيد ، يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنـك ». قـال الإمـام أحمـد : إسناده جيد ، وحسن الحافظ إسناده في الفتم ( ٥١٧/٣ ) ، وانظر أيضاً تمام المنـة للألبـانـي ( ص٣٥٤-٣٥٦ ) .

فالتهنئة بالعيد مما يزرع الود في قلوب الناس ، لذا استحب الـذهاب لـصلاة العيد من طريق والرجوع من طريق حتى يستطيع المسلم تهنئة أكبـر عـدد مـن المسلمين.

زيارة الأهل والأقارب وصلة الرحم :
هذا مستحب مندوب إليه في كل وقت لكنه يتأكد في هذه الأيام ، خاصة الوالـدين لأن فيه إدخال أعظم السرور عليهما وهو من تمام الإحسان إليهما الذي أمر الله به في كتابه ، قال تعالى :﴿وَالَّذينَ يَصِلونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخافونَ سوءَ الحِسابِ﴾ [الرعد: ٢١]

عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أنس بن مالك ، أن رسول الله صـلى الله عليـه وسلم قال :« من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليـصل رحمـه» . أخرجه أحمد

ومن الصلة الرحمة باليتيم والعطف عليه ، قال تعالى : ﴿فَأَمَّا اليَتيمَ فَلا تَقهَر۝وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنهَر۝وَأَمّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾ [الضحى: ٩-١١]

عن سهل بن سعد ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : « أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة »، وأشار بالسبابة والوسطى ، وفرق بينهما قليلا . أخرجه أحمد

عن أبي الدرداء رضي الله عنه : أن رجلا جاءه يشكو قسوة قلبه ؟ . قال : أتحـب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامـك يلـن قلبك وتدرك حاجتك دخل أحد الصحابة مسجداً فاستوقف نظره طفل لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره قائم يصلي بخشوع فلما فرغ من صلاته سأله الصحابي : ابن من أنت ؟ قال الصبي : إني يتيم ، فقال الصحابي : أترضى .أن تكون لي ولداً ؟ فقال الصبي : هل تطعمني إذا جعت ؟ قال الصحابي : نعم قال : هل تسقيني إذا عطشت ؟ قال الصحابي : نعم قال : هل تكسوني إذا عريت ؟ قال الصحابي : نعم قـال : وهـل تحيينـي إذا مـت ؟ فـدهش الصحابي . وقال : هذا ما ليس إليه سبيل . فقال الصبي : فاتركني إذا للذي خلقنـي ثم رزقني ثم يميتني ثم يحييني . فانصرف الصحابي وهو يقول : لعمري من توكل . على الله كفاه .

التوسعة على العيال في الأكل والشرب والبشر في العيد:
لا حرج في التوسعة في الأكل والشرب والنفقة في هذه الأيام من غيـر سـرف ، لقوله صلى الله عليه وسلم في عيد الأضحى عند مسلم وغيره : « أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل » .


دخل رجل على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يـوم عيـد الفط فوجده يأكل طعاما خشنا فقال له : يا أمير المؤمنين ، تأكل طعاما خشنا في يـوم العيد ، فقال له الإمام علي كرم الله وجهه : اعلم يا أخي أن العيد لمـن قبـل الله صومه وغفر ذنبه ... ثم قال له : اليوم لنا عيد وغدا لنا عيد وكل يوم لا نعص الله فيه فهو عندنا عيد .

اللهو المباح :
لحديث أنس عند أبي داود ، والنسائي بسند صحيح ، قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين ، فقال عليه الصلاة والسلام : « كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله خيراً منها : يوم الفطـر ويوم الأضحى ».


وأخرج الشيخان وأحمد عن عائشة قالت : إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسـول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لـي منكبيـه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت .

وأما الغناء المباح فلما أخرجه الشيخان وأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغنـاء بعاث – وفي رواية - : وليستا بمغنيتين ، فاضطجع على الفراش وحـول وجهـه أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم ! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعهما – وفي روايـة – فقـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ، إن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا » .

قال الإمام انس بن مالك رحمه الله : للمؤمن خمسة أعياد :« كل يوم يمـر علـى المؤمن ولا يكتب عليه ذنب فهو يوم عيد ، اليوم الذي يخـرج فيـه مـن الـدنيا بالإيمان فهو يوم عيد ، واليوم الذي يجاوز فيه الصراط ويأمن أهوال يوم القيامة فهو يوم عيد ، واليوم الذي يدخل فيه الجنة فهو يوم عيد ، واليوم الذي ينظر فيه إلى ربه فهو يوم عيد» .


فها هو الخليفة العادل الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه ، رأى ابنه عبد الملك في ثياب رثة في يوم العيد ، فبكى عمر رضي الله عنه، فلاحظ ابنه البار ذلك ، فقال له : ما يبكيك يا أبتاه ؟ فقال له أبوه الـرحيم : أخـاف أن تخرج يا بني في هذه الثياب الرثة إلى الصبيان لتلعب معهم فينكسر قلبك ، قال الابن البار لأبيه الرحيم : إنما ينكسر قلب من عصى مولاه وعق أمـه وأبـاه وأرجو أن يكون الله راضيا عني برضاك عني يا أبي ، فضمه عمر إلى صـدره وقبله بين عينيه ودعا له ،فكان ازهد أولاده .

العيد في الإسلام سكينة ووقار ، وتعظيم للواحد القهار ، وبعد عن أسباب الهلكـة ودخول النار .والعيد مع ذلك كله میدان استباق إلى الخيرات ، ومجال منافسة فـي المكرمات . ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنما العيد لمن طاعته تزيد ليس العيد لمن تجمل باللباس والمركوب ، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب ليس العيد لمن حاز الدرهم والدينار إنما العيد لمن أطاع العزيز الغفار ولمن عمل وخاف الآخرة .

.المرجع: كتاب مقالات رمضانية للكاتب بدر عبدالحميد هميسة
لا تنس ذكر الله
الله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :





عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية