ثلاث وقفات بعد رمضان

ثلاث وقفات بعد رمضان
الفئة: رمضانيات

ثلاث وقفات بعد رمضان


الوقفة الأولى : كن ربانياً ولا تكن رمضانياً


    بعض الناس يحدث له نوع من الانتكاسة بعد رمضان ، فيعود أدراجه إلى الكسل والغفلة ويصبح كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، ويبدل نعمـة الله كفـراً فيتكاسل عن الطاعات ، ويضيع الفرائض والواجبـات ، ويتـساهل فـي الـذنوب والسيئات ، ولا يعرف أن مداومة الطاعة طريق الربانين الذين أخلصوا الله تعـالى في عبادتهم ، فعبدوه وحده بحق وصدق ، امتثالا لقوله سبحانه :﴿إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدّينَ۝أَلا لِلَّهِ الدّينُ الخالِصُ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم في ما هُم فيهِ يَختَلِفونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ [الزمر: ٢-٣]

فمن أعظم الجرم ومن أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله عز وجل في هذا الشهر الكريم ، وأن يرتد بعد الإقبـال مدبراً وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً وبعـد عمـران المـساجد بـالتلاوات والطاعات معرضاً ؛ فهو بذلك يكون رمضانياً لا ربانياً ؛ أي أنه لا يعرف الله تعالى إلا في رمضان ، ولا يوقن أن رب رمضان هو رب السنة كلها .

قيل لبشر الحافي رحمه الله : إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان ؟ فقـال : بئس القوم قوم لا يعرفون الله حقاً إلا في شهر رمضان ، إن الصالح الذي يتعبـد ويجتهد السنة كلها .

قال كعب : «من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر أن لا يعصي الله دخـل الجنة بغير مسألة ولا حساب ، ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطـر عصى ربه ، فصيامه علیه مردود » .


وسئل الشبلي رحمه الله : أيهما أفضل : رجب أو شعبان ؟ فقال : كن ربانيـاً ولا تكن شعبانيا !
ونحن نقول : كن ربانياً ولا تكن رمضانياً ، فالرباني هو الذي يداوم العبادة علـى كل حال ، والرباني هو الذي يطلب من ربه دائماً أن يعينه على دوام ذكره وشكره وحسن عبادته .

عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ وقال : « يا معاذ ! والله ! إني لأحبك ، والله ! إني لا حبك » . فقال : « أوصيك يا معـاذ ! لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم ! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتـك ». رواه أبـو داود .

كان عامر بن عبد الله بن الزبير على فراش الموت يجود بأنفاسه وأهلـه حولـه يبكون ، فبينما هو يصارع الموت سمع المؤذن ينادي لـصلاة المغـرب ونفـسه تحشرج في حلقه وقد اشتد نزعه وعظم كربه ، فلما سمع النداء قال لمن حولـه : خذوا بيدي ، قالوا : إلى أين ؟! قال : إلى المسجد ، قالوا : وأنت على هذه الحال ؟! قال : سبحان الله ! أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه ؟! خذوا بيدي ، فحملوه بـين رجلـين ، فصلى ركعة مع الإمام ثم مات في سجوده ، نعم مات وهو ساجد .

الوقفة الثانية : لا تترك جوار الملك


    أيها الصائم القائم لقد كنت في رمضان تجاور الـرحيم الـرحمن ، فقـد عمـرن المساجد بالصلاة والقيام والذكر والقرآن ، ولقد قال تعالى في كتابه الكريم : ﴿إِنَّما يَعمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَم يَخشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَن يَكونوا مِنَ المُهتَدينَ﴾ [التوبة: ١٨]

وعن أنس رضي الله عنه رفعه ، إن الله تعالى ينادي يوم القيامة :« أين جيراني ؟ فتقول الملائكة : ربنا ، ومن ينبغي أن يجاورك ؟ فيقول : أين عمـار المـساجد ؟ » . أخرجـه الحـارث

دخل عمارة بن حمزة على المنصور فجلس مجلسه ، فقام رجل فصاح فقال : مظلوم يا أمير المؤمنين ، قال : ومن ظلمك ؟ قال : عمارة بن حمزة ظلمني وغصب ضيعتي ، فقال المنصور : قم يا عمارة فاقعد مع خصمك ، فقـال عمارة : ما هو لي بخصم ، قال : وكيف ؟ قال : إن كانت الضيعة له فلست أنازعه ، وإن كانت لي فقد جعلتها له ، ولا أقوم من مكان شرفني به أمير المؤمنين لأجل ضيعة .(أبو حيان التوحيدي : البصائر والذخائر ۱۱۹/۹ ). فهذا رجل ترك كل ما يملك من أجل أن لا يترك مجاورة ملك من ملـوك الأرض ، فما بالك بعد رمضان تترك جوار ملك الملوك ورب الأرباب إلى غيره .

قال الحسن البصري :« تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة وفي الذكر وفي قراءة القرآن فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب ممغلق» .


وقال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ قال : « لا تعصه بالنهار ، وهو يقيمك بين يديه بالليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليـل مـن أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف » .


الرسالة الثالثة : استعد من الآن لرمضان القادم


     روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان :« يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه »


وعن ابن مسعود كان يقول : «من هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك » .


بعض السلف كـانوا يـدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبلـه مـنهم . وخرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبتـه :« أيهـا الناس إنكم صمتم الله ثلاثين يوما و قمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم ».


وعن الحسن قال : «إن الله جعل شهر رمـضـان مـضمارا لخلقـه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلـف آخـرون فخـابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحـسنون ويخـسـر فيـه المبطلون » .

فهكذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يستعدون لرمضان قبل رمضان ، أي أن السنة كلها كانت عندهم رمضاناً ، وهكذا حال المؤمن أيامـه كلهـا طـاعـات وأوقاته كلها بر وخیرات
عن علقمة ، قال : سالت أم المؤمنين عائشة ، قال : قلت : يا أم المؤمنين كيـف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان يخص شيئا من الايام ؟ قالت :« لا كان عمله ديمة وايكم يستطيع ما كان رسول اللـه صـلى الله عليـه وسـلم يستطيع ؟ ». أخرجه أحمد .

وعن عبد الرحمن الأعرج قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: « اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن خير العمل أدومه وإن قـل » . أخرجه أحمد

عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله تعالى يقول : يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولـم أسد فقرك». أخرجه أحمد

فمن علامات قبول العبادة أن تكون حال العبد بعدها أحسن من حاله قبلها ، وهـذه هي ثمرة العبادة ولبها ، إذ الهدف والغرض من جميع العبادات أن تزيد المرء قرباً وتقوى الله عز وجل ، كما أن من علامات قبول العبادة حـسن المداومـة عليهـا وتذوق حلاوتها .

لا تنس ذكر الله
لا إله إلا الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



الفئة: رمضانيات
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية