وداعًا رمضان

وداعًا رمضان
الفئة: رمضانيات

في وداع رمضان


أقسام الناس في رمضان


الناس في رمضان على ثلاثة أقسام :

القسم الأول : قسم ظالم لنفسه ؛ لم يصم شـهـر رمـضـان صوماً حقيقياً فلم يحفظ حدوده ولم يتحفظ مما ينبغي له أن يـتحفظ ، فلـم يـصم لسانه عن اللغو والبهتان ، ولم يصم سمعه عن سماع الباطل وكـل مـا يغضب الرحمن ، ولم تصم عيناه عن النظر المحرم الغفلان ، ولم تصم بطنه عـن أكل الحرام ، ولا يداه وقدماه عن الفحش والبهتان ، فهذا كان حظه مـن صـومه العطش والجوع وتحصيل الذل والخنوع ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر ». أخرجه أحمد

فهؤلاء لم يأخذوا من الإسلام إلا اسمه ولا من الإيمان إلا رسمه ، فهم قد وقفـوا عند مرتبة الإسلام ولم يتجاوزها بعد إلى مرتبة الإيمان .

القسم الثاني :
قسم مقتصد ؛ صان نفسه عن كل ما يغضب الله وحفظ صومه من اللغو والباطل ، كما قال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه :« إذا صـمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ، وليكن عليك وقار الـصيام ولا تجعـل يوم صومك كيوم فطرك ». ابن رجب : لطائف المعارف

وهؤلاء هم من تجاوزوا مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان ولكنهم بعد لم يصلوا إلى مرتبة الإحسان.

القسم الثالث :
هم من سبقوا بالخيرات وتنافسوا على تحصيل الحسنات ، فهـم المحسنون الذي وصلوا إلى مرتبة الإحسان فعبدوا الله حق العبادة وراقبوه حـق المراقبة ، فهم المتميزون في صومهم وعبادتهم وأخلاقهم ، فلـم يـصوموا كمـا الناس بل جعلوا صومهم خالصاً الله رب العالمين فـصانوه مـن الـشوائب وحفظوه من السفاسف والمعايب ، فصارت ألـسنتهم تلهـج بالـذكر والـدعاء ، وقلوبهم يلفها الصفاء والنقاء يصوم فقرأوا القرآن وتدبروا معانيه ، وقامت قلوبهم بالليل تصلي لله وتناجيه .

وهذه الأقسام الثلاثة هي التي عناها الله تعالى في محكم تنزيله فقال سبحانه : ﴿ثُمَّ أَورَثنَا الكِتابَ الَّذينَ اصطَفَينا مِن عِبادِنا فَمِنهُم ظالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ بِإِذنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبيرُ۝جَنّاتُ عَدنٍ يَدخُلونَها يُحَلَّونَ فيها مِن أَساوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤًا وَلِباسُهُم فيها حَريرٌ۝وَقالُوا الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي أَذهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفورٌ شَكورٌ۝الَّذي أَحَلَّنا دارَ المُقامَةِ مِن فَضلِهِ لا يَمَسُّنا فيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فيها لُغوبٌ﴾ [فاطر: ٣٢-٣٥]

قال الواحدي : { فمنهم ظالم لنفسه } وهو الذي زادت سيئاته علـى حـسناته { ومنهم مقتصد } وهو الذي استوت حسناته وسيئاته { ومنهم سابق بـالخيرات } وهو الذي رجحت حسناته . تفسير الوجيز للواحدي

وقال الرازي : { فمنهم ظالم } وهو المسيء { ومنهم مقتصد ) وهو الذي خلـط عملاً صالحاً وآخر سيئاً { ومنهم سابق بالخيرات } وهو الذي أ العمـل الله وجرده عن السيئات . تفسير الرازي . قال السعدي : { فمنهم ظالم لنفسه } بالمعاصي ، [ التي ] هي دون الكفر . { ومـنهم مقتصد } مقتصر على ما يجب عليه ، تارك للمحرم . { ومنهم سـابق بـالخيرات } أي : سارع فيها واجتهد ، فسبق غيره ، وهو المؤدي للفرائض ، المكثر من النوافل ، التارك للمحرم والمكروه . فكلهم اصطفاه الله تعالى ، لوراثة هذا الكتاب ، وإن تفاوتـت مـراتبهم ، وتميـزت أحوالهم ، فلكل منهم قسط من وراثته ، حتى الظالم لنفسه ، فإن ما معه مـن أصـل الإيمان ، وعلوم الإيمان ، وأعمال الإيمان ، من وراثة الكتاب ، لأن المـراد بوراثة علمه وعمله ، ودراسة ألفاظه ، واستخراج معانيه .

أخرج أبو نعيم في الدلائل عن عبد الرحمن المغافري أن كعب الأحبار رأى حبـر اليهود يبكي فقال له : ما يبكيك ؟ قال : ذكرت بعض الأمور فقال له كعب : أنشدك بالله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني ؟ قال : نعم . قال : أنشدك بالله هل تجـد فـي كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : رب إني أجد أمة في التوراة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال ، فقال : موسى رب أجعلهم أمتي . قال : هم أمة أحمد ؟ قال الحبر : نعـم . قـال كـعـب : فأنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : رب إني أجد أمة الحمادون رعاة الشمس المحكمون ، إذا أرادوا أمراً قال افعله إن شاء الله فاجعلهم أمتي . قال : هم أمة أحمد ؟ قال الحبر : نعم . قال كعب : فأنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : يا رب إنـي أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله ، وإذا هبط وادياً . حمد الله ، الصعيد هم لهم طهور ، والأرض لهم مسجداً حيثما كانوا يتطهرون من الجنابـة ، طهـورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء ، غر محجلون من آثار الوضـوء فاجعلهم أمتي . قال : هم أمة أحمد ؟ قال الحبر نعم . قال كعب : انشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التـوراة ، فقال : رب إني أجد أمة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب ، واصطفيتهم { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } [ فاطر : ٣٢ ] ولا أجد أحداً منه إلا مرحوماً فاجعلهم أمتي . قال : هم أمة أحمد ؟ قال الحبر : نعم . قال كعب : أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : رب إني أجد في التوراة أمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون ألوان ثياب أهل الجنة ، يـصفون في صلاتهم كصفوف الملائكة أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل ، لا يدخل النار منهم أحد إلا من بري من الحسنات مثل ما بري الحجر من ورق الشجر فـاجعلهم أمتي . قال هم أمة أحمد ؟ قال الحبر : نعم . فلما عجب موسى من الخيـر الـذي أعطاه الله محمداً وأمته قال : يا ليتني من أمة أحمد ، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن : ﴿قالَ يا موسى إِنِّي اصطَفَيتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتي وَبِكَلامي فَخُذ ما آتَيتُكَ وَكُن مِنَ الشّاكِرينَ﴾ [الأعراف: ١٤٤] الآية فرضي موسى كل الرضـا .

فيا- أيها الحبيب -من أي الأقسام أنت ؟ ومن أي الأصناف قد انتسبت ؟


إن من أعظم الجرم وإن من أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله عز وجل في هذا الشهر الكـريم ، وأن يرتـد بعـد الإقبال مدبراً وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاً ؛ فإن هذه الأمور لتدل على أن القلوب لم تحيـا حـيـاة كاملـة بالإيمان ولم تستنر نورها التام بالقرآن وأن النفوس لم تذق حـلاوة الطاعـة ولا المناجاة وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً وأن التعلق بالله عز وجل لا يزال واهناً .

ماذا عليك الآن وأنت تودع شهر رمضان ؟


أولا : تودع رمضان بمثل ما استقبلته بالطاعة والإيمان والبر والإحـسان ، ولا تكن كالتي قال الله تعالى فيها : ﴿وَلا تَكونوا كَالَّتي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكاثًا تَتَّخِذونَ أَيمانَكُم دَخَلًا بَينَكُم أَن تَكونَ أُمَّةٌ هِيَ أَربى مِن أُمَّةٍ إِنَّما يَبلوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُم يَومَ القِيامَةِ ما كُنتُم فيهِ تَختَلِفونَ﴾ [النحل: ٩٢]

بين قال أهل التفسير : المرأة المقصودة في الآية الكريمة هي امرأة عاشت في زمـن ما قبل الإسلام ( الجاهلية ) ، واسمها رابطة أو رايطة أو ريطة من بني تميم ، وكانت امرأة تلقب بالجعراء أو الجعرانة ، وإليها ينتسب الموضع المسمى بالجعرانة : مكة المكرمة والطائف ، وهو ميقات للإحرام . وإلى جانب ذلك كانت تسمى بخرقاء مكة ، ويضرب بها المثل في الحمق ، فما قصة حمقها ؟ .لقد كانت هذه المرأة تجتمع كل يـوم ، هـي ومجموعـة مـن الجـواري والعاملات لديها ، فتأمرهن بالعمل على غزل ونسج الصوف والشعر ونحوهما ، ثم إذا انتصف النهار وانتهين من أداء عملهن في الغزل ؛ أمرتهن بنقضه ، أي إفـسـاد ما غزلنه وإرجاعه أنكاثاً ، بمعنى أنقاضاً أو خيوطاً ، وذلك بإعادة تقطيع الغزل إلى قطع صغيرة ، ثم تنكث خيوطها المبرومة ، فتخلط بالصوف أو الشعر الجديد وتنشب به ، ثم تضرب بالمطارق أو ما شابه ، على أن يقمن بغزله مجدداً في اليوم التالي ، وهكذا ، تجهد هذه المرأة نفسها وعاملاتها بالعمل ثم تفسده بحمقهـا وخراقتهـا . تفسير الطبري ۱۷ / ۲۸۳ ، تفسير ابن كثير ٥٩٩/٤ .
أو من الذين قال الله فيهم : ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَعبُدُ اللَّهَ عَلى حَرفٍ فَإِن أَصابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِن أَصابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلى وَجهِهِ خَسِرَ الدُّنيا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبينُ﴾ [الحج: ١١]

قيل لبشر الحافي رحمه الله : إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان ؟ فقـال : بئس القوم قوم لا يعرفون الله حقاً إلا في شهر رمضان ، إن الصالح الذي يتعبـد ويجتهد السنة كلها . وسئل الشبلي رحمه الله : أيهما أفضل : رجب أو شعبان ؟ فقال : كن ربانيـاً ولا تكن شعبانيا ! .

بعض السلف كـانوا يـدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم خرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته :«أيها الناس إنكم صمتم الله ثلاثين يوما و قمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبـل منكم ».

كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له : إنه يوم فرح و سرور فيقول : صدقتم و لكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عمـلا فـلا أدري أيقبله مني أم لا ؟

رأى وهب بن الورد قوما يضحكون في يوم عيد فقال : إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يتقبل منهم صـيامهم فما هذا فعل الخائفين .

وعن الحسن قال :« إن الله جعل شهر رمـضـان مـضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحـسنون ويخـسـر فيـه المبطلون »

روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : «يا أنه ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه » .

وعن ابن مسعود كان يقول : «من هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه أيها المقبول . هنيئا لك أيها المردود جبر مصيبتك ».

ثانياً : كما حافظت على الصلاة بركوعها وسجودها ، وخشوعها وخـضوعها ، وذرفت الدمع بين يدي ربك ، فهلا بقيت على هذه الحالة بقية عمرك وفي سـائر عملك فالصلاة عمود الإسلام ، ولا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة .

سجن الإمام البويطي صاحب الشافعي ووضع الغل في عنقه ، والقيد في رجليـه ، وكان يقول :« لأموتن في حديدي هذا ، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات فـي هـذا الشأن قوم في حديده» .

وكان البويطي وهو في الحبس يغتسل كل جمعة ، ويتطيب ، ويغسل ثيابه ، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء ، فيرده السجان ، فيقول البويطي : اللهم ! إني أجبت داعيك فمنعوني . . وكتب البويطي إلى الذهلي : أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث ، لعل الله يخلصني بدعائهم ، فإني في الحديد ، وقد عجـزت عـن أداء الفـرائض ؛ مـن الطهارة والصلاة . فضج الناس بالبكاء والدعاء له .

ثالثاً :
كان الصوم لك جنة ووقاية ، وحصناً حصيناً من شياطين الإنس والجن ، فهل تأمن على نفسك بقية العام بلا حصن ولا عدة . فالصوم باق بقاء العام ، فطب نفساً بمواسم الصيام ، وقاوم الشيطان طوال العام ، فلو أخلصت النية في ذلك حفظك الله منه .

حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه : ما تصنع بالشيطان إذا سول لق الخطايا ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟ قال : أجاهده . قال : هذا يطول أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور ما تصنع ؟ قال : أكابده وأرده جهدي . قال : هذا يطول عليك ، ولكن استعن : بصاحب الغنم يكفه عنك . – إن صدقت هذه الرواية – لم يكن تاركاً الدنيا كسباً ، بل قلباً . ابن الجوزي : تلبيس إبليس ٣٥ .

في الإسرائيليات : أن رجلا تزوج امرأة من بلدة ، وكان بينهما مسيرة شـهر فأرسل إلى غلام له من تلك البلدة ليحملها إليه فسار بها يوماً ، فلما جنه الليل أتاه الشيطان فقال له : إن بينك وبين زوجها مسيرة شهر فلو تمتعت بها ليـالـي هـذا الشهر إلى أن تصل إلى زوجها ، فإنها لا تكره ذلك وتثني عليك عند سيدك فتكون أحظى لك عنده ، فقام الغلام يصلي فقال : يا رب ، إن عدوك هذا جاءني فسول لي معصيتك ، وإنه لا طاقة لي به في مدة شهر وأنا أستعيذك عليه يـا رب فأعـذني عليه ، واكفني مؤونته ، فلم تزل نفسه تراوده ليلته أجمع وهو يجاهـدها حتـى أسحر فشد على دابة المرأة وحملها وسار بها ، قال : فرحمه الله تعالى ، فطوی له مسيرة شهر فما برق الفجر حتى أشرف على مدينة مولاه ، قال : وشكر اللـه تعالى له هربه إليه من معصيته فنبأه ، فكان نبياً من أنبياء بني إسـرائيل . قـوت القلوب ٣٣٥/٢ .

رابـعـاً : قمت رمضان إيماناً واحتساباً ، وها قد انقضى شهر القيام . فلا تقـصر عنه سائر العام . فخذ بالجد فيه .
عن سهل بن سعد أن النبي صـلى الله عليـه وسلم قال : « أتاني جبريل ، فقال : يا محمد عش ما شئت فإنك ميت أحبـب مـن شئت ، فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شـرف المـؤمن قيامه بالليل عزه استغناؤه عن الناس » .أخرجه الطبراني

ذكر الخطيب البغدادي رحمه الله : عن عاصم البيهقي قال : بت ليلة عند الإمام أحمد بن حنبل ، فجاء بماء فوضعه ، فلما أصبح نظر إلى الماء بحاله ، فقال : سبحان الله ! رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل .

وذكر أهل التاريخ والسير : أن أبا يزيد طيفور بن عيسى البسطامي لما تعلم : { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا } [ المزمل : ۳.۱ ] قال لأبيه : يا أبت ، من الذي يقول الله تعالى هذا له ؟ قال : يا بني ، ذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم. قال : يا أبت ، ما لك لا تصنع أنت كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا بني ، إن الله تعالى خص نبيه صلى الله عليه وسلم بافتراض قيام الليل دون أمته ، فسكت عنه . فلما حفظ قول الله تعالى : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل وتصفه وثلثه وطائفة من الذين معك } [ المزمل : ۳۰ ] .قال : يا أبت إني أسمع أن طائفة كانوا يقومون من الليل ، فمن هذه الطائفة ؟ قال له أبوه : أولئك هم الصحابة رضي الله عنهم . قال : فلم تترك ما فعله الصحابة ؟ قال : صدقت يا بني ، لا أتركه إن شاء الله تعالى ، فكان يقوم من الليل ويصلي ، واستيقظ أبو يزيد ليلة فإذا أبوه يصلي.فقال : علمني كيف أتطهر وأفعل مثل فعلك وأصلي معك . فقال له أبوه : يا بني أرقد فإنك صغير بعد . قال : يا أبت ، إذا كان يوم يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم أقول لربي : إني قلت لأبي : كيف أتطهر لأصلي معك ؟ فأبى وقال لي : ارقد فإنك صغير بعد ؟ قال أبوه : لا والله يا بني ، وعلمه فكان يصلي معه . ثم قال له : إياك إياك .. أن يسبقك الديك ! فيكون أكيس منك يسبح وأنت نائم ؟ !

خامساً :
ختمت القرآن مرة ، أو بعض مرة ، وعزفت عن الشواغل حتى لا تهجره في شهره ، أيحسن بك أن تقدم الشواغل عليه وهو كلام الملك ! هلا عزمت على صرفها مرات ؛ لتحظى بختمات قال عمرو بن العاص كل آية في القرآن درجة في الحنة ومصباح في بيوتكم وقال أيضا من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه وقال أبو هريرة رضي الله عنه: « إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين وإن البيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله عز وجل ضاق بأهله وقل خيره وخرجت منه الملائكة وحضرته الشياطين» .


سادساً :
حافظت قدر وسعك على قلبك من غوائل الهوى النزاعة للشوى ، صنت سمعك ، وبصرك ، وفؤادك عما لا ينبغي في شهر الصيام رجاء كماله ، ولكن لتعلم أن صيام الجوارح لا ينقضي بغروب شمس آخر ليلة من رمضان ، فشرع الله دائم على مر العام ذلك ، فاحفظ قلبك طوال العمر من الحسد والكبر والحقد والغل .

عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «استحيوا من الله حق الحياء ، قال : قلنا : يا رسول الله ، إنا نستحيي والحمد لله ، قال : ليس ذاك ، ولكن الإستحياء من الله حق الحياء : أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، ولتذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك ، فقد استحيا من الله حق الحياء». أخرجه أحمد

قال ابن الجوزي : « عباد الله إن شهر رمضان قـد عزم على الرحيل ، ولم يبق منه إلا القليل ، فمن منكم أحسن فيه فعليه التمام ، ومن فرط فليختمه بالحسني والعمل بالختام ، فاستغنموا منه ما بقى من الليالي اليسيرة والأيام ، واستودعوه عملا صالحاً يشهد لكم به عند الملك العلام ،وودعـوه عنـد فراقه بأزكى تحية وسلام ».

عن الهيثم بن جماذ قال : دخلت على يزيد الرقاشي وهو يبكي في يوم حـار وقـد عطش نفسه أربعين سنة فقال لي : أدخل تعالى نبكي على الماء البارد في اليـوم الحار . عن مالك قال : بلغني أن حسين بن رستم الأيلي دخل على قوم وهو صائم فقـالوا له : أفطر فقال : إني وعدت الله وعدا ، وأنا أكره أن أخلف الله ما وعدته .

قال سعيد عن قتادة رحمهم الله كان يقال : من لم يغفر له في رمضان فمتى يغفر له ؟ ومن رد في ليلة القدر متى يقبل ؟ متى يصلح من لا يصلح فـي رمـضـان ، ومتى يصلح من كان فيه من داء الجهالة والغفلة .

فيا شهر رمضان غير مودع ودعناك ، وغير مقلي فارقناك ، كان نهـارك صـدقة وصياماً ، وليلك قراءة وقياماً ، فعليك منا تحية وسلاماً ، يا شهر الصيام أتراك تعود بعدها علينا أو تدركنا المنون فلا تؤول إلينا ، مصابيحنا فيك مشهورة ، ومـساجدنا فيك معمورة ، فالآن تنطفئ المصابيح ، وتنقطع التراويح . والآن تهجر المساجد ويجفوها كل راكع وساجد ، وتطـوى المـصاحف ويـأمن الخائف ، فلا وجل ولا خشوع ولا بكاء ولا دموع ، فيا شهر الصيام أسرع إلينـا ثانية فقلوبنا إليك تحن ومن ألم فراقك تبكي وتئن .

دعاء وداع رمضان من هنا

المرجع : كتاب مقالات رمضانية للكاتب بدر عبدالحميد هميسة
لا تنس ذكر الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :



الفئة: رمضانيات
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية