كيف نغنم رمضان؟

كيف نغنم رمضان؟
الفئة: رمضانيات

كيف نغنم رمضان؟


منزلة شهر رمضان ومكانته وعظيم فضله


أوشك أن يظلّكم شهرٌ مبارك وموسمٌ عظيم وموطنٌ جليل تكثُر فيه الخيرات، وتعظُم فيه البركات، وتتزايد فيه النعم والمنن؛ إنه شهر رمضان المبارك، شهر الخيرات والبركات، والمنن والهبات، والغفران والرحمات، فاحمدوا الله -عز وجل- على نعمائه، واشكروه على فضله وعطائه، وسلوه أن يبلِّغكم رمضان وأن يجعلكم من أهله حقًا وصدقا.

أيها المؤمنون إنه شهرٌ يحمل خيراتٍ عظام، وبركاتٍ جسام، ومننٍ لا تعد، بما شرّف الله -سبحانه وتعالى- به هذا الشهر، وبما خصه به من خصائص وبركات تبدأ من أول ليلة من لياليه، روى الترمذي في جامعه وغيرُه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذا كان أوّلُ ليْلةٍ مِنْ شهْرِ رمضان صُفِّدتْ الشّياطِينُ ومردةُ الْجِنِّ، وغُلِّقتْ أبْوابُ النّارِ فلمْ يُفْتحْ مِنْها بابٌ، وفُتِّحتْ أبْوابُ الْجنّةِ فلمْ يُغْلقْ مِنْها بابٌ، ويُنادِي مُنادٍ يا باغِي الْخيْرِ أقْبِلْ ويا باغِي الشّرِّ أقْصِرْ، ولِلّهِ عُتقاءُ مِنْ النّارِ، وذلك كُلُّ ليْلةٍ"، فانظر -رعاك الله- هذه البركات العظيمة والخيرات العميمة التي خُصّ بها هذا الشهر المبارك.

ولقد تكاثرت الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان عظيم فضل هذا الشهر، ورفيع قدره، وعلو مكانته، وكثرة خيراته وبركاته، ولكن -يا عباد الله- كيف نغنم شهر رمضان؟ وكيف نحوز على تلك الخيرات العظام؟ وكيف ننهض للاستفادة من هذا الموسم موسم المغفرة والرضوان؟ كيف نهيئ أنفسنا لرمضان؟ وكيف نستعد؟ وكيف نقبِل بنفوسنا لنغنم خيراته وبركاته؟

فإنه يا عباد الله لا يليق بمؤمن ولا يصح من مسلم يدرك هذه الفضائل العظام والخيرات الكثيرة ولا يهيئ نفسه لاغتنامها ولا يرتب أوقاته لتحصيلها والفوز بها؛ ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه ونحن بين يدي استقبال رمضان: "كيف نغْنم شهر رمضان؟"

الوسائل المعينة على اغتنام رمضان


فيما يلي أمور معينة وأسبابٍ مساعدة لمن وفقه الله -سبحانه وتعالى- لتأملها والعمل بها، فإن فيها معونة لاغتنام رمضان وانتهاز هذا الموسم العظيم المبارك. وأول ذلك -أيها العباد-: الإقبال على الله بالدعاء؛ فإن الدعاء مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة، إذ إنّ الخيرات كلها بيد الله -جل في علاه-، فهو المعطي المانع، القابض الباسط، المعِز المذل، الذي بيده أزمة الأمور، فلا خيرات ولا حسنات إلا من فضله وبمنِّه وعطائه؛ فليقبِل كل عبدٍ ناصح لنفسه على الله بالدعاء أن يغنِّمه شهر رمضان، وأن يوفقه لحسن اغتنامه، وليلحّ على الله بالدعاء فإن الله -عز وجل- لا يخيب عبدًا دعاه ولا يرد مؤمنًا ناجاه، وهو القائل جل في علاه: ﴿وقال ربُّكُمُ ادْعُونِي أسْتجِبْ لكُمْ إِنّ الّذِين يسْتكْبِرُون عنْ عِبادتِي سيدْخُلُون جهنّم داخِرِين﴾[غافر: 60].

ومن الأمور المعينة: أن يهيئ كلّ عبدٍ نفسه لحسن الصيام، فإنّ "منْ صام رمضان إِيمانًا واحْتِسابًا غُفِر لهُ ما تقدّم مِنْ ذنْبِه"، ولهذا فإن الصيام ذاته يحتاج إلى حفظ وعناية ورعاية، وإن أعظم الناس أجرًا في الصيام أكثرهم لله ذكرًا فيه.

وكما أن العبد مطلوبٌ منه أن يُعنى بتكميل صيامه ذكرًا لله ودعاءً ومناجاة وتلاوة للقرآن فإن عليه في الوقت نفسه أن يحفظ صيامه من القوادح والمنقِصات، فإنه ليس كل الصيام تعلو به الدرجات وتُنال به الفضائل والخيرات، فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "منْ لمْ يدعْ قوْل الزُّورِ والعمل بِهِ فليْس لِلّهِ حاجةٌ فِي أنْ يدع طعامهُ وشرابهُ"، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كمْ مِنْ صائِمٍ ليْس لهُ مِنْ صِيامِهِ إِلّا الْجُوعُ، وكمْ مِنْ قائِمٍ ليْس لهُ مِنْ قِيامِهِ إِلّا السّهرُ"؛ ولهذا لابد من تهيئةٍ للنفس لأن يكمِّل المرء صيامه ولِيحفظ صيامه ليفوز بالخيرات العظام وليفوز بالغفران.

ومن الأمور المعينة أن يستشعر العبد أن موسم رمضان موسم غفرانٍ للذنوب، موسم عتق من النار، نعم -يا عباد الله- إنّ لله -سبحانه وتعالى- في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار، نعم -عباد الله- عبادٌ تُعتق رقابهم من النار في كل ليلة من ليالي رمضان، نعم -عباد الله- لابد أن تتشوّف نفوسنا لذلك وأن تتوق قلوبنا لتحصيل ما هنالك لنكون من أهل العتق من النار ؛ بتهيئة الأسباب وإعداد العدد، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "رغِم أنْفُ رجُلٍ دخل عليْهِ رمضانُ ثُمّ انْسلخ قبْل أنْ يُغْفر لهُ" إنها مصيبة عظمى، وبليّة كبرى أن يدخل هذا الشهر العظيم بخيراته وبركاته، وما فيه من الرضوان والغفران ثم يخرج دون أن يحصِّل فيه العبد هذا الخير العظيم والفضل العميم.

ومن الأمور المهمة في هذا الباب: أن يروِّض العبد نفسه في رمضان على حُسن القيام في لياليه المباركات جماعةً مع المسلمين في المساجد يقوم مع إمامه حتى ينصرف، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "منْ قام رمضان إِيمانًا واحْتِسابًا غُفِر لهُ ما تقدّم مِنْ ذنْبِهِ"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "منْ قام مع الإِمامِ حتّى ينْصرِف كُتِب لهُ قِيامُ ليْلةٍ".

وليحذر العبد الناصح لنفسه الحريص على سعادتها وفوزها من قواطع الطريق ومعوقات السير، فإن أعداء الله -جل وعلا- وحملة الرذيلة يدأبون دأبًا شديدا على تفويت الناس خيرات رمضان وبركاته، ولاسيما من خلال البرامج المعدّة مسبقا من أفلامٍ هابطة ومسلسلاتٍ دنيئة وأمورٍ متعددة يضعونها عثرةً في طريق الصائمين وعقبةً تحول بين كثير منهم وبين تحصيل بركات الصيام وخيراته العظام، حتى إن بعض هؤلاء ليدعو إلى برامجه السيئة على مائدة الإفطار ليكون من ينتمي إليه ويصغي إلى ما ينشر ويبُث مفطرًا على هذه الآثام -أعاذنا الله -سبحانه وتعالى- جميعًا من ذلك، وحمانا وذرياتنا وحفظ لنا صيامنا وقيامنا-.

ومن الأمور العظيمة في هذا الباب: العناية في رمضان بالقرآن، فإن لرمضان خصوصية عظمى بذلك، بل إنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن: ﴿شهْرُ رمضان الّذِي أُنْزِل فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنّاسِ وبيِّناتٍ مِن الْهُدى والْفُرْقانِ﴾[البقرة: ١٨٥]، ولهذا -أيها العباد- ينبغي للمؤمن أن يرتب لنفسه وظيفةً مستمرة في أيام رمضان مع كتاب الله -عز وجل- قراءةً وتدبرًا ومجاهدةً للنفس على تحقيق هدايات القرآن، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿إِنّ هذا الْقُرْآن يهْدِي لِلّتِي هِي أقْومُ﴾[الإسراء: 9] وقال تعالى: ﴿كِتابٌ أنْزلْناهُ إِليْك مُباركٌ لِيدّبّرُوا آياتِهِ ولِيتذكّر أُولُو الْألْبابِ﴾[ص: 29].

وليُعن العبد المؤمن في رمضان بالبذل والنفقة والصدقة والجود والسخاء تأسيًا بالنبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، ففي الصحيح من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسُولُ اللّهِ -صلّى اللهُ عليْهِ وسلّم- أجْود النّاسِ، وكان أجْودُ ما يكُونُ فِي رمضان".

وكما أن المرء يعنى بنفسه في رمضان فليُعن في الوقت نفسه بأهله وولده حثًا وتشجيعا وتحفيزًا على الخيرات لتكون بيوتاتنا بيوتات إيمان وطاعة ونيل لرضوان الله -سبحانه-.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




الفئة: رمضانيات
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية