لماذا سمي عام الحزن بهذا الإسم

لماذا سمي عام الحزن بهذا الإسم

عام الحزن


لماذا سمي عام الحزن؟


ولم يشأ الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- أن ينعم بعد خروجه من الشعب بفترة طويلة من الراحة والطمأنينة، إذ لم تمض عدة شهور على تمزيق صحيفة المقاطعة وخروجه مع أهله إلى الحياة، حتى فاجأت محمدًا -صلى الله عليه وسلم- في عام واحد فاجعتان اهتز لهما قلبه، وهما: موت أبي طالب، وموت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ولقد حزن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليهما حزنًا شديدًا لما كان لهما من أثر بالغ في نصرة الإسلام والدفاع عنه ضد أعدائه.

فأبو طالب وإن كان قد مات مشركًا، ولكنه كافح وجاهد في مؤازرة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يتخل عن حمايته -كما رأينا- في أحرج الظروف وأعنف الأزمات، حتى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنه: "والله ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب".

وأما خديجة -رضي الله عنها- فحبسها ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنها في مواجهة نسائه الأخريات: "لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء".

فلا عجب إذا سمى هذا العام في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- عام الحزن، لكثرة ما أصاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه من الهموم والأحزان.

خديجة رضي الله عنها


إنّ خديجة من نعم الله الجليلة على محمد عليه الصلاة والسلام، فقد ازرته في أحرج الأوقات، وأعانته على إبلاغ رسالته، وشاركته مغارم الجهاد المر، وواسته بنفسها ومالها، وإنك لتحسّ قدر هذه النعمة عندما تعلم أنّ من زوجات الأنبياء من خنّ الرسالة، وكفرن برجالهنّ، وكنّ مع المشركين من قومهن والهن حربا على الله ورسوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم:١٠] .

أما خديجة فهي صدّيقة النساء، حنّت على رجلها ساعة القلق، وكانت نسمة سلام وبر، رطّبت جبينه المتصبّب من اثار الوحي، وبقيت ربع قرن معه، تحترم قبل الرسالة تأمّله وعزلته وشمائله، وتتحمّل بعد الرسالة كيد الخصوم، والام الحصار، ومتاعب الدعوة، وماتت والرسول صلى الله عليه وسلم في الخمسين من عمره، وهي تجاوزت الخامسة والستين، وقد أخلص لذكراها طول حياته.

عم النبي أبو طالب


أما أبو طالب، فإنّ المرء يحار في أمره! وبقدر ما يهتزّ إعجابا لنبله في كفالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم لبطولته في الدفاع عنه حين نبّئ، وحين صدع بأمر ربه، وأنذر عشيرته الأقربين.

إنّه- بقدر ذلك- يستغرب المصير الذي ختم حياته، وجعله يصرّح- قبل موته- أنّه على ملّة الأشياخ من أجداده.

وقد حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لموت أبي طالب حزنا شديدا، ألم يكن الحصن الذي تحتمي به الدعوة من هجمات الكبراء والسفهاء؟! وها قد ولّى الرجل الذي سخّر جاهه وسلطانه في الذود عن ابن أخيه وكفّ العوادي أن تناله.

إن قريشا أصبحت لا تهاب في محمّد عليه الصلاة والسلام أحدا بعده.

روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نالت منّي قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب» وذلك أنّهم تجرؤوا عليه، حتى نثر بعضهم التراب على رأسه.

وعن ابن مسعود قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي عند البيت، وأبو جهل وأصحابه جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس؛ فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيضعه بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبيّ صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهره، والنبيّ صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت- وهي جويرية- فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم.

فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته؛ رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاث مرات، وإذا سأل سأل ثلاثا، ثم قال: «اللهم عليك بقريش» ثلاثا.

فلمّا سمعوا، ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته.

ثم قال: «اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» وذكر السابع ولم أحفظه.

فو الذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيت الذين سمّى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر.

لقد مضت مكة في طريق الكفر حتى أوغلت فيه، وبلغت نهايته، فهي الان تستمرئ تلويث الساجدين بالأقذار، وتتمايل- ضحكا- من منظر الأنجاس وهي تسيل على كتفي المصلي، لم يبق في هذه القلوب مكان لذرة من الخير.

والبنت- في المجتمع العربي- تعيش في كنف أبيها، وتفخر بقوته، وتأنس بحمايته. وممّا يحزّ في قلب الرجل أن يرى نفسه في وضع تدفع عنه ابنته، وتشعر بالعجز وقلّة الناصر، وقد كظم محمّد صلى الله عليه وسلم على ألمه، وتحمّل في ذات الله ما لقي، إلا أنّه أخذ يفكّر في التوجّه برسالته إلى قرية أخرى، علّها تكون أحسن قبولا، وأقرب استجابة؛ فاستصحب معه زيد بن حارثة، وولّى وجهه شطر (ثقيف) يلتمس نصرتها..
المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية