من يقع منه الطلاق

من يقع منه الطلاق

من يقع منه الطلاق


اتفق العلماء على أن الزوج، العاقل، البالغ، المختار هو الذي يجوز له أن يطلق، وأن طلاقه يقع. فإذا كان مجنونا، أو صبيا أو مكرها، فإن طلاقه يعتبر لغوا لو صدر منه، لان الطلاق تصرف من التصرفات التي لها آثارها ونتائجها في حياة الزوجين، ولابد من أن يكون المطلق كامل الاهلية، حتى تصح تصرفاته.
وتكمل الاهلية بالعقل والبلوغ، والاختيار، وفي هذا يروي أصحاب السنن، عن علي كرم الله وجهه، عن النبي ﷺ ، أنه قال: «رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ » أخرجه الترمذي والنسائي
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ، قال: « كل طلاق جائز، إلا طلاق المغلوب على عقله ».رواه الترمذي والبخاري موقوفا.

وللعلماء آراء مختلفة في المسائل الآتية نجملها فيما يلي:

طلاق المكره


المكره لا إرادة له ولا اختيار، والارادة والاختيار هي أساس التكليف، فإذا انتفيا، انتفى التكليف، واعتبر المكره غير مسؤول عن تصرفاته، لانه مسلوب الارادة، وهوفي الواقع ينفذ إرادة المكره.
فمن أكره على النطق بكلمة الكفر، لا يكفر بذلك لقول الله تعالى: ﴿.. إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ ..﴾ [النحل: ١٠٦]
ومن أكره على الاسلام لا يصبح مسلما، ومن أكره على الطلاق لا يقع طلاقه.

وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ : « إنَّ اللهَ تعالى وضع عن أُمَّتي الخطأَ ، و النسيانَ ، و ما اسْتُكرِهوا عليه» أخرجه ابن ماجه

وإلى هذا ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وداود من فقهاء الامصار، وبه قال عمربن الخطاب، وابنه عبد الله، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: طلاق المكره واقع، ولا حجة لهم فيما ذهبوا إليه، فضلا عن مخالفتهم لجمهور الصحابة.

طلاق السكران


ذهب جمهور الفقهاء إلى أن طلاق السكران يقع، لأنه المتسبب بإدخال الفساد على عقله بإرادته.
وقال قوم: لا يقع وإنه لغو لا عبرة به، لأنه هو والمجنون سواء، إذ أن كلا منهما فاقد العقل الذي هو مناط التكليف، ولأن الله سبحانه يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكارى حَتّى تَعلَموا ما تَقولونَ ...﴾ [النساء: ٤٣]
فجعل سبحانه قول السكران غير معتد به ، لأنه لا يعلم ما يقول. وثبت عن عثمان أنه كان لا يرى طلاق السكران. وذهب بعض أهل العلم أنه لا يخالف عثمان في ذلك احد من الصحابة.

وهو مذهب يحيى بن سعيد الانصاري، وحميد بن عبد الرحمن وربيعة، والليث بن سعد، وعبد الله بن الحسين، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، والشافعي في أحد قوليه واختاره المزني من الشافعية وهو إحدى الروايات عن أحمد، وهي التي استقر عليها مذهبه، وهو مذهب أهل الظاهر كلهم، واختاره من الحنفية أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن الكرخي.
قال الشوكاني: إن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الاحكام، وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا، ونقول يقع طلاقه عقوبة له، فيجمع له بين غرمين.

طلاق الغضبان


والغضبان الذي لا يتصور ما يقول، ولا يدري ما يصدر عنه، لا يقع طلاقه لانه مسلوب الارادة. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ».رواه أحمد وأبو داود، وابن ماجه

وفسر الاغلاق بالغضب، وفسر بالإكراه ، وفسر بالجنون. وقال ابن تيمية كما في زاد المعاد: حقيقة الاغلاق أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به كأنه انغلق عليه قصده وإرادته، ويدخل في ذلك طلاق المكره، والمجنون، ومن زال عقله بسكر أو غضب، وكل ما لا قصد له، ولا معرفة له بما قال، والغضب على ثلاثة أقسام:

  1. ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
  2. ما يكون في مبادئه بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده، فهذا يقع طلاقه.
  3. أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية، ولكنه يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زاد، فهذا محل نظر.

طلاق الهازل والمخطئ


يرى جمهور الفقهاء أن طلاق الهازل يقع، كما أن نكاحه يصح، فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة». رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجة والترمذي

وهذا الحديث وإن كان في إسناده عبد الله بن حبيب، وهو مختلف فيه، فإنه قد تقوى بأحاديث أخرى.

وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع طلاق الهازل. منهم: الباقر، والصادق، والناصر.
وهو قول في مذهب أحمد ومالك، إذ أن هؤلاء يشترطون لوقوع الطلاق الرضا بالنطق اللساني، والعلم بمعناه، وإرادة مقتضاه، فإذا انتفت النية والقصد، اعتبر اليمين لغوا، لقول الله تعالى: ﴿وَإِن عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٧]

وإنما العزم ما عزم العازم على فعله، ويقتضي ذلك إرادة جازمة بفعل المعزوم عليه، أو تركه ويقول الرسول ﷺ : «إنما الاعمال بالنيات». والطلاق عمل مفتقر إلى النية، والهازل لا عزم له ولا نية.
وعن ابن عباس: «إنما الطلاق عن وطر »صحيح البخاري.

أما طلاق المخطئ، وهو من أراد التكلم بغير الطلاق فسبق لسانه إليه. فقد رأى فقهاء الأحناف: أنه يعامل به قضاء، وأما ديانة فيما بينه وبين ربه فلا يقع عليه طلاقه وزوجته حلال له.

طلاق الغافل والساهي


ومثل المخطئ، والهازل، الغافل، والساهي، والفرق بين المخطئ والهازل، أن طلاق الهازل يقع قضاء وديانة، عند من يرى ذلك، وطلاق المخطئ يقع قضاء فقط، وذلك أن الطلاق ليس محلا للهزل ولا للعب.

طلاق المدهوش


المدهوش الذي لا يدري ما يقول، بسبب صدمة أصابته فأذهبت عقله وأطاحت بنفكيره، لا يقع طلاقه، كما لا يقع طلاق المجنون، والمعتوه، والمغمى عليه، ومن اختل عقله لكبر أو مرض، أو مصيبة فاجأته.

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية