محتويات المقال
اسم الله الجواد
لا أنفع للعبد من التأمل في أسماء ربه الجواد الكريم والعيش بالقرب من مولاه البر الرحيم؛ فتلك حياة السُعد والأمان والراحة والاطمئنان؛ ومن أسماء الله الحسنى التي ورد ذكرها في النصوص الشرعية اسم الله الجواد.
ورود اسم الله الجواد في السنة النبوية
الجواد من أسماء الله -تعالى- التي وردت في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد روى البيهقي في شعب الإيمان من حديث طلحة بن عبيد الله وابن عباس -رضي الله عنهم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -تعالى- جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها"
قال ابن عثيمين -رحمه الله-: "وفي سنة رسول الله الجميل الجواد الحكم الحيي".
معنى اسم الله الجواد
ومعنى اسم الله الجواد؛ كما عرفه ثلة من أهل العلم، ومن ذلك العلامة السعدي -رحمه الله-؛ حيث قال: "الجواد المطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات، وملأها من فضله، وكرمه، ونعمه المتنوعة، وخص بجوده السائلين بلسان المقال أو لسال الحال، من بَرّ، وفاجر، ومسلم، وكافر".
وقال -رحمه الله-: "الجواد الذي عم بجوده أهل السماء والأرض؛ فما بالعباد من نعمة فمنه، وهو الذي إذا مسهم الضر فإليه يرجعون، وبه يتضرعون، فلا يخلو مخلوق من إحسانه طرفة عين، ولكن يتفاوت العباد في إفاضة الجود عليهم بحسب ما منَّ الله به عليهم من الأسباب المقتضية لجوده، وكرمه، وأعظمها تكميل عبودية الله الظاهرة والباطنة، العلمية والعملية، القولية والفعلية، والمالية، وتحقيقها باتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- بالحركات والسكنات".
وعرفه الإمام ابن القيم -رحمه الله-؛ فقال:
وَهُوَ الجَوَادُ فَجُودُهُ عَمَّ الوُجُو
دَ جَمِيعَهُ بِالفَضْلِ وَالإحْسَانِ
وَهُوَ الجَوَادُ فَلا يُخَيِّبُ سَائِلاً وَلَوْ أنَّهُ مِنْ أُمَّةِ الكُفْرَانِ
بعض مظاهر جود الجواد -سبحانه-
ومن تأمل في هذا الكون وجد عظيم جوده -سبحانه وتعالى- على عموم خلقه من الجن والإنس؛ برهم وفاجرهم مسلمهم وكافرهم، وسائر المخلوقات والكائنات؛ ولعلنا نشير إلى بعض صور ومظاهر جود الجواد -سبحانه-؛ فمن ذلك:
جوده عليهم بخلق السماوات والأرض وإنزال الغيث، وتسخير الليل والنهار والشمس والقمر: قال -جل في عليائه-: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾[النمل: 60]، وقال -تعالى-: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[النمل: 61]، وقال -تعالى-: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾[إبراهيم: 33].
ومن مظاهر جود الجواد: جوده على أنبيائه ورسله بالاصطفاء والنبوة؛ ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾[الحج: 75]؛ بل إن من تمام جوده عليهم أن أيدهم بالمعجزات والبراهين على صدق نبوتهم؛ إضافة إلى ما اختص بعضهم بالملك والنعيم.
ومن مظاهر جود الجواد على العباد: أنه يثيبهم على أعمالهم اليسيرة الأجور العظيمة والدرجات الرفيعة في الدنيا والآخر؛ فمن ذلك؛ أنه -تعالى- جعل لمن قرأ حرفا من كتابه الكريم حسنة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وجاد على من واظب على صلاة البردين بالجنة، وجاد على من قال لا حول ولا قوة إلا بالله بنخلة في الجنة، وجاد على كافل اليتيم بمرافقة النبي الكريم في الجنة، وجاد على من صام يوما في سبيل الله بأن باعد وجهه عن النار سبعين خريفا.
وجاد على من حسن خلقه بأن حرمه على النار؛ كما في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ". وجوده على المنفقين في سبيله وأصحاب الصدقات على الضعفاء والمساكين؛ كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "مَن تصدَّقَ بعدلِ تَمرَةٍ من كِسبٍ طَيِّبٍ ولا يقبَلُ اللَّهُ إلا طيِّبًا فإنَّ اللَّهَ يقبَلُها بيمينِهِ أي مُلتَبِسَةً بيمينِهِ وبركتِهِ ثُمَّ يُرَبِّيها لصاحِبِها كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ بفتحٍ فضَمٍّ فتشدِيدٍ: مُهرَهُ أوَّلَ ما يولَدُ حتّى تكونَ مثلَ الجبلِ وفي روايةٍ: كما يرَبِّي أحدُكم مُهرَهُ حتّى إنَّ اللُّقمَةَ لتصيرُ مثلَ أُحُدٍ"
ومن مظاهر جود الجواد: أنه -سبحانه- يجيب المضطرين ويكشف الضر عن البائسين؛ ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾[النمل: 62].
ومن جود الجواد -سبحانه- على العباد: أنه يغفر ذنوبهم، ويعفو عن سيئاتهم؛ قال -تعالى-: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر: 53]؛ بل أعظم من ذلك أن يبدل سيئات التائبين المحسنين من عباده إلى حسنات قال -جل شأنه-: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[الفرقان:70]
ومن جود الجواد: أنه -سبحانه وتعالى- يضاعف الحسنات إلى أضعاف كثيرة؛ كما قال في كتابه العزيز: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[البقرة:245]. وجاء في السنة الغراء عن إمام الهدى -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى- أنه قال: "من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله -عز وجل- عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة"
ومن مظاهر جود الجواد على العباد يوم التناد: ما أعده لعباده المؤمنين من النعيم المقيم في جنة رب العالمين؛ قال -تعالى-: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾[الزخرف: 70 - 73].
وجاء في السنة المطهرة عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من يدخلُ الجنةَ يحيى فيها لا يموتُ، وينعَم فيها لا يبأَسُ، لا تَبلى ثيابُه، ولا يَفنى شبابُه"، قيل: "يا رسولَ اللهِ ! ما بناؤها؟" قال: "لَبِنَةٌ من ذهبٍ، ولَبِنَةٌ من فضةٍ، وملاطُها المسكُ، وترابُها الزَّعفرانُ، وحصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ".
ورحم الله ابن القيم؛ حيث وصف جود الجواد على العباد في الجنة بقوله:
هي جنة طابت وطاب نعيمها
فنعيمها باق وليس بفان
وبناؤها اللبنات من ذهب
وأخرى فضة نوعان محتلفان
للعبد فيها خيمة من لؤلؤ
قد جوفت هي صنعة الرحمن
أنهارها في غير أخدود جرت
سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاءوا
مفجــرة وما للنهر من نقصان
ولقد أتى ذكر اللقاء لربنا
الرحمن في سورة من القرآن
حظ المؤمن من اسم الله الجواد
فإنه ينبغي على المسلم أن يكون له أوفر الحظ والنصيب من إيمانه باسم ربه الجواد -سبحانه وتعالى-؛ فيتخلق بخلق الجود والكرم؛ كما كان الأسوة الحسنة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد ثبت في الصحيحين أن النبي الكريم كان يتخلق بخلق الجود والكرام؛ فكان: "أجود الناس".
وفي الصحيحين -أيضا- واللفظ لمسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "ما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قط فقال: لا".
وصدق الشاعر حين وصف جود النبي الكريم -عليه الصلاة وأتم التسليم-:
تعود بسط الكف حتى لو أنه
ثناها لقبض لم تجبه أناملـه
تـراه إذا ما جئته متهـللا
كأنك تعطيه الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سـائله
وحظ المسلم من اسم ربه الجواد كذلك: أن يدعوه بهذا الاسم استجابة لأمره الله -سبحانه وتعالى- لعباده؛ القائل: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأعراف:180]؛ فعلى المسلم أن يدعو ربه الجواد؛ فإنه لا يرد السائلين من عباده؛ كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفعها إليه"
المرجع :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: أسماء الله الحسنى