المسيح الدجال

المسيح الدجال

المسيح الدجال



أعظم الفتن


لقد حذرنا نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من فتنةٍ عظيمةٍ جليلةٍ، هي أعظم الفتن من لدن آدم إلى قيام الساعة، من فتنةٍ حذرها نوحٌ قومه، وحذرها موسى قومه، وكان أشدهم تحذيرًا وإنذارًا منها نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إنها فتنة المسيح الدجال، هذه الفتنة العمياء الطغماء التي سينخدع فيها كثيرٌ من البشر، وفئامٌ من الخلق، إلا من عصمهم الله -جَلَّ وَعَلا- منه ومن شره.


علامات قرب خروج الدجال


لقد أخبر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن علاماتٍ تكون قبل خروج الدجال، ومن ذلك كثرة الزلازل والمحن، وكثرة الخسوف والكسوف في آخر الزمان، ومن ذلك أيضًا أنه لا يخرج الدجال حتى تأتي ثلاث سنواتٍ خداعات تمسك فيها السماء ثلث مائها، ثم في السنة الثانية تمسك ثلثي مائها، ثم في السنة الثالثة لا تقطر السماء من مائها شيئًا، يقول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن بين يدي الدجال سنوات خداعات يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويُخون فيها الأمين، فإذا كان ذلكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده".


صور من فتنة المسيح الدجال


روى الصعب بن جثامة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن خبره، وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر". نعم ينشغل الناس بأهوائهم ولعبهم وجمعهم وأموالهم وأولادهم، حتى يذهلوا عن الدجال، لا ينسونه، ولكن يذهلوا عن خبره وتترك الأئمة والمدرسون والوعاظ والخطباء خبره على منابرهم التوجيهية، كخطب الجمع، وكالدروس والمحاضرات، ومنابر التوجيه في الإعلام.

وهذا الأمر كاد أن يقع يا عباد الله، فمن منكم سمع عن الدجال خبرًا وُعظ به في مسجده، أو في قناته الإعلامية؟ إن ذلك من أقل القليل، ولهذا يخرج الدجال على حين غرة، وعلى حين فجأة؛ لأن الناس ذُهلوا عن خبره، وشُغلوا عن ذكره بلعبهم ودنياهم وأمورهم الخاصة.

روى النواس بن سمعان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- والحديث في صحيح مسلم أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال عن الدجال: "إنه خارجٌ خلةً بين الشام والعراق"، أي: خارج على حين غرةٍ وحين فجأة، "فعاث يمينًا وعاث شمالاً، ألا يا عباد الله فاثبتوا، ألا يا عباد الله فاثبتوا".


خطورة فتنة الدجال


ذكر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبر الدجال فشدد فيه، وخفض فيه ورفع، وزاد فيه ونقص، حتى تغيرت وجوه أصحابه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، تأثرًا بما سمعوا من فيه -عَليه الصَّلاةُ والسَّلام-، فلما راحوا إليه قال: ما لي أرى وجوهكم متغيرة؟ قالوا: يا رسول الله، ذكرتَ الدجال فخفضتَ ورفعتَ وزدتَ فيه ونقصت، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم".

سيخرج الدجال والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس فينا ولا معنا؛ لأنه مات الموتة التي كتبها الله على بني آدم، فاستخلف الله على كل مسلمٍ أن يقيه شر فتنة المسيح الدجال.

سُئل -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فتنته فذكر من فتنته شيئًا عظيمًا رهيبًا، قال: "يمر على الناس ثم يأمر السماء عليهم فتمطر، ثم يمر عليهم ويأمر الأرض لهم فتنبت إذا أطاعوه إلى قوله بأنه رب العالمين، ويمر على الناس المنعمين المرغدين" –كأنتم في هذه الأحوال والأزمان- "فيدعوهم فلا يستجيبون له، فيأمر السماء عليهم فتمسك ويأمر الأرض لهم فتجدب، فلا يغادرهم إلا وهم ممحلين مقحطين ليس في أيديهم من أموالهم شيءٌ، ويمر على الخربة فيقول: اتبعيني بكنوزك فتخرج كنوزها تتبعه كأنها يعاسيب النحل، معه جنة ونار؛ أما جنته فنارٌ تلظى، وأما ناره فماءٌ بارد، معه جبالٌ من خبز، وجبالٌ من لحم"، لأن زمانه وأوانه وقت جدبٍ عظيم وقحطٍ عظيم، ونقصٍ في الغذاء والمطعومات كبير، فيفتن الناس بدينهم.


مدة بقاء الدجال


سُئل -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مدة بقائه قال: "يبقى في الأرض أربعين يومًا"، أي من حين ادعائه بأنه رب العالمين، "فأما يومٌ كسنة، وأما يومٌ فكشهر، وأما يومٌ فكجمعة، وسائر أيامه كأيامكم"، فلما سمع ذلك الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- قالوا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يومٍ واحد، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا، اقدروا له قدره".

سُئل -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- عن إسراعه في الأرض قال: "كالغيث استدبرته الريح"؛ أي: كالسحاب إذا ساقه الريح من بلدٍ إلى بلد، ومن مكانٍ إلى مكان.

وأخبر -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- أنه سيطأ الأرض كلها إلا مكة والمدينة، فأما مكة فهي حرم الله وهي حرامٌ على هذا الخبيث وعلى أجناسه، كما قال الله -جَلَّ وَعَلا-: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾[التوبة: 28]، وأما المدينة فهي حرم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي حرامٌ على الدجال وأمثاله أن يطأها.

وهو يؤم المدينة فيقبل عليها، فإذا رأى مسجد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكانٍ بعيد قال: "هذا القصر الأبيض قصر محمد"، ثم كلما أراد أن يدخل المدينة من فجٍّ من فجاجها ومن طريقٍ من طرقها استقبله فيها ملكان معهم السيوف مسلطة تمنعانه من دخول المدينة.

فينزل عندئذٍ في شمالي المدينة في أرضٍ سبخةٍ هي ملتقى أوديتها تسمى بأرض الجرف ذات ملحٍ وسبخة، ولا تزال تُعرف بهذا الاسم إلى الآن، فيضرب في هذه الأرض صيوانه وديوانه فترتجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إلى الدجال من أهلها كل كافرٍ ومنافقٍ ومنافقة، وذلك يا عباد الله حين تنفي المدينة خَبثها، كما ينفي الكير خبث الحديد.

والدجال يا عباد الله رجلٌ مخلوقٌ من بني آدم، يدّعي أنه وليٌّ من أولياء الله، فيتبعه من يتبعه من الجهلاء والكافرين؛ لأن معه خوارق لا يستطيعون لها ردًّا، هي من استعانته بالجن والشياطين، فإذا عظم أتباعه ادعى أنه نبيٌ مرسلٌ إلى الناس، فيزداد الغوغاء من أتباعه حتى يبلغ أبلغ شره وخطره في ادّعائه بأنه رب العالمين.


لماذا يؤيد الله الدجال بأنواع من الخوارق؟


والله -عَزَّ وَجَلَّ- يؤيد المسيح الدجال بأنواعٍ من الخوارق؛ امتحانًا وتمحيصًا للناس، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾[آل عمران: 141]، ولا يرد دعوته إلا عباد الله المخلصين الذين آمنوا بالله ربًّا، وأقروا له توحيدًا وإيمانًا، وآمنوا بمحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبيًا ورسولاً.

فاحذروا عباد الله، احذروا فتنة المسيح الدجال، واستعيذوا بالله منها، وتعرفوا إلى الله بأسمائه وصفاته؛ فإن ربنا لا يخفى علينا؛ الله خالق والدجال مخلوق، الله واحدٌ أحدٌ فردٌ صمد لم يلد ولم يولد والدجال مولودٌ من أبوين، وهو عقيمٌ لا ولد له.

الدجال يُرى في الدنيا، وربنا -جَلَّ وَعَلا- لا يمكن أن تراه العيون في الدنيا؛ لما جاء في صحيح مسلم من قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "واعلموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربه حتى يموت".

الدجال يقتله عيسى ابن مريم عند باب لُد في شمال شرقي بيت المقدس، والله -جَلَّ وَعَلا- حيٌ قيومٌ لا ينام ولا يموت ولا تأخذه سنةٌ ولا نوم؛ فلا يخفى شأن الدجال عند المؤمنين، الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبةٌ طافئة، والله -جَلَّ وَعَلا- كريمٌ جميلٌ في أسمائه وصفاته، له عينان كريمتان لائقتان بجلاله وعظمته، لا تشبهان أعين المخلوقين على حد قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11].

ولقد جاء ذكر الدجال يا عباد الله بالإشارة والإيماء في قول الله -جَلَّ وَعَلا- في سورة الأنعام في أواخرها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾[الأنعام: 158].

قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا طلعت الشمس من مغربها، أو الدابة، أو الدجال فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا".


فتنٌ في آخر الزمان


أخبرنا -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- أنه ستكون فتنٌ في آخر الزمان، ستكون فتن كقطع الليل المظلم كثرةً وعظمةً، حتى يمسي الرجل فيها مؤمنًا ويصبح كافرًا، ويصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع دينه بعرضٍ قليلٍ زائلٍ من الدنيا، فاستمسكوا بإيمانكم وتوحيدكم، ولا تساوموا عليه، ولا تزايدوا فيه؛ فإن أغلى ما يملكه الإنسان هو دينه، وهو إيمانه بربه، وتوحيده ربه -جَلَّ وَعَلا-، وطاعته رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

ولقد انخدع كثيرٌ من الناس بالدنيا واستتبعوا مآلاتها وزخرفها ودينارها ودرهمها، حتى عظم ذلك على دينهم اهتمامًا بالدنيا، مقابل إسفافهم أمر دينهم، وهذه من أعظم الفتن والبلايا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

و أنه في السنة العاشرة من الهجرة كسفت الشمس في عهد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما مات ابنه إبراهيم وكان ابن نحو سنتين، فظن من ظن أن كسوف الشمس إنما كان لموت إبراهيم؛ لأنه كان من اعتقادات الجاهلية في جاهليتهم والمشركين في شركهم وباطلهم أن الشمس لا تنكسف إلا لموت عظيمٍ أو لحياة عظيمٍ، فخرج -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- يجر رداءه يظن أن الساعة قد قامت؛ لأن من كان بالله أعرف كان منه -جَلَّ وَعَلا- أجلَّ وأخوف، فأمر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلالاً أن يؤذن في الناس "الصلاة جامعة، الصلاة جامعة".

ثم صلى بهم عليه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربع ركعاتٍ بركوعين، وقف -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقوفًا طويلاً ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقرأ قراءةً طويلة، ثم ركع ركوعًا طويلاً نحوًا من قيامه، ثم سجد سجودًا طويلاً، ثم فعل في الركعة الثانية كما فعل في الأولى، فلما ختم صلاته -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- وعظ الناس موعظةً بليغة؛ فقال فيها: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة والصدقة"؛ لأنهما آيتان يخوف الله -جَلَّ وَعَلا- بهما عباده.

ولما كان يصلي -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام- رآه الصحابة تقدم، ثم رأوه تأخر، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ولما رأيتموني تقدمت فإنه أوتي إليّ قِطفٌ عنبٍ من أقطاف الجنة، ولو أخذته لأكلتم منه باقي دهركم"، ولما تقهقر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن إبليس جاءه ومعه شواظٌ من نار، فقبض عليه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخنقه حتى إن لعاب إبليس -أعاذنا الله وإياكم منه- ليصيب يده -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال: "وإني تذكرتُ دعوة أخي سليمان لما قال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾، فتركته، وإلا لربطته في ساريةٍ من سواري المسجد، يلعب به الصبيان".

وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألا وإن ربكم يغار، وغيرة الله -جَلَّ وَعَلا- أن يزني عبده أو تزني أمته"؛ فلله غيرة، فاحذروا غير الله غيركم، واحذروا غيرة الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن تصيبكم بمجاهرتكم بمعصيته والوقوع في محرماته وكبائره.


المصدر :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية