محتويات المقال
الوقاية من السحر وأذى الشيطان
حقيقة السِّحر
ممَّا عمَّ به البلاءُ في زمانِنَا ممارسَةُ السّحر والاستعانةُ بالشياطين، وكثرةُ اتّصالِ النّساءِ والرّجال بالدّجّالين والسّحرةِ المجرِمين، وقد كَثُر حديثُ النّاسِ عن السّحرِ وتأثيرِه، حتّى تجاوزُوا الحدَّ في حقيقته الظاهرَة، وانشغلُوا بظاهِرِها عن التفكيرِ في تحصينِ النفسِ منها.
السّحرُ حقيقةٌ واقعة، لا يُنكرُها إلاَّ جاحدٌ أو مكابِر، وهو في حقيقته علمٌ وصناعةٌ قديمةٌ يُتَوصَّلُ بهِ إلى التأثير في عقل المسحور وإرادته بقَدَرِ الله.
ارتباط السحر بالشرك
للسِّحْر أبوابٌ وفصولٌ ومسائلُ، ولكن لا يُمكنُ التوصُّلُ إلى إحكامِ تلكِ الأبوابِ إلاَّ عبرَ الشّركِ بالله -عز وجل- ومصاحبةِ الشياطين، كما قال ربنا -سبحانه- عن هاروت وماروت: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ﴾ [البقرة:102].
وممّا يدلُّ على أنَّ السّحرَ علمٌ يُتعلّم حديثُ الراهبِ والسَّاحر والغلام الذي ذكرهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وأخرجَهُ الإمامُ مسلمٌ في صحيحه، وفيه قولُ السَّاحرِ للمَلِك: "إني قد كبرت؛ فابعث إليَّ غلاما أعلّمه السحر". بمعنى أنَّ السّحرَ عِلمٌ يُتعلَّم.
تجريم وتحريم السحر
جريمةُ السّحر لم يمنع من انتشارها تقدُّمُ الزَّمان، ولا عمومُ العلم بين الناس، فكم من نفوس أزهقت بسبب السحر! وكم من عقول أُفسدت وجُنَّ أصحابها بسبب السّحر! وكم من أعراض انتُهكت بسبب السّحر! وكم من منازل دُمّرت وخُرّبت بسبب السّحر والشعوذة! وكم من سنينَ ضاعت من عمر الشباب والفتيات بسبب السّحر والشعوذة! إنهُ جناية -بأتمّ معنى الكلمة- على الدين والنفوس والأعراض والعقول والأموال.
لا يزالُ قطاعٌ كبيرٌ من الأمَّةِ يمارسُ هذه الجناية، فيجني بذلك على توحيده ودينه في مقابل عَرَضٍ من الدنيا قليل، ولسنا نتحدَّثُ عن السَّحرة الأشرار، والكهنة الفُجَّار، ليس لنا حديثٌ معهم، إلاَّ قولُنا: يا معشر السَّحرة الفجرة! قولوا: لا إله إلا الله؛ تفلحوا.
ذلك أنَّ السَّاحرَ والسَّاحرةَ من أولياء الشياطين،كافرٌ بالله -تعالى-، استمتع في الدنيا بأوليائه من الجن، وبما يعطيه الناسُ من المال والجاه والأعراض، ثم النَّار مأواه خالدًا فيها لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً، وإن حجَّ مائة مرَّة، ولبسَ ألفَ عِمَامة، وأطلقَ لحيتَهُ ذراعاً، كما قال الله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون﴾ [البقرة:102].
ليسَ لنا حديثٌ مع أولئكَ؛ إنَّما حديثُنا مع الذين يذهبون ويتصلون بهم من الرجال والنساء، وخاصَّةً النساء، حتَّى يفتحوا عليهم الكتاب، وغضبَ ربِّ الأربابْ، يقبضُون منهم الدراهم والذهب والأعراض مُقابلَ أوراقٍ يحرقُونَها، أو أشياءَ يدفنُونَها، أو خَلطاتٍ من السّحر توضعُ في الطعام والثياب، لتفسدَ عقلَ المسحور وتؤثّرَ في إرادته وعقله.
هذا هو السّحر الذي حرَّمهُ اللهُ في الكتاب والسنَّة؛ فعن جابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد" صححه الألباني.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منَّا من تطيَّرَ أو تُطُيِّرَ له، أو تكهَّنَ أو تُكُهِّنَ له، أو سَحرَ أو سُحِرَ له" صححه الألباني.
العجيب أنَّ من هؤلاءِ الرّجالِ والنّسوة من يصلّي في المسجد، ويسمعُ المواعظَ والذكر، وربما كانَ أو كانت حاجَّةً أو معتمرة، وهي اعتادت الذهاب إلى السحرةِ والمشعوذين، وقد سَحَرَت زوجها أو ولدها، أو سحرَت عروسَ ولَدِها، أو أُناسًا آخرين، ولا تعلمُ أنَّها جنَت على إيمانِها وتوحيدِها بذلك العمل وتلك الجريمة النكراء!.
أسباب اشتداد نفاذ السحر في الناس
صحيحٌ أنَّ السّحرَ حقيقةٌ واقعة، والمسَّ والتلبسَ والإصابةَ بالعين كلُّهَا حقائقُ شرعيةٌ وواقعية، ولكنَّ السؤالَ الحقيقي العملي هوَ: لماذا اشتدَّ نفاذُ السّحرِ في النَّاس؟ ولماذا استحكمَ فيهم مختلَفُ صنوفِ الأذَى الشيطاني؟.
الجوابُ : بسببِ ضعفِ الدّين في النّاس استحكمت فيهم الشياطين!.
قد جعل الله للشياطين وجنودهم تسلطًا على بني آدم، ابتلاءً منه وامتحانًا، ولكنَّ اللهَ عصمَ المتّقينَ من هذا البلاء، فكلَّما زادت تقوى العبدِ وطاعته لربّه؛ صانَهُ اللهُ من كيدِ الكائدين، وإن كادَ لهُ من في الأرضِ جميعًا.
وكلما بعد الإنسان عن ربه اجتالته الشياطين، وأخذته بصنوفِ الأذَى والتسلّط؛ هذه سُنَّةٌ قضاها اللهُ -تعالى-، فهي تعملُ مادامت السمواتُ والأرض: قال الله -تعالى-: ﴿إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ [الإسراء:65].
عصمة المتقين من أذى السحر
كيفَ يطلبُ العبدُ العصمةَ من الأذى والشرورِ، أو ينشُدُ الشّفاءَ؛ وعقيدتُهُ خراب، وإيمانُهُ مهلهَل، وهو لا يستعينُ باللهِ الواحدِ القهّار، ولا يربطُ بهِ قلبَه في الأزمات؛ ويرتبطُ قلبُهُ في المقابِل بالمخلوقِ الضعيفِ العاجِز؟!.
كيفَ يطلبُ العبدُ العصمةَ من الأذى والشرورِ، أو ينشُدُ الشّفاءَ؛ وهو مُقيمٌ على المعاصي والمخالفات في نفسِهِ وأهلِهِ وبيتِه؟.
كيفَ لا تتسلّطُ عليه الشياطين وبيتُهُ عامرٌ بسبّ الدّين، وتركِ الصلاة، والعُريِ، وسماعِ المعازِفِ ومشاهدةِ الأفلامِ التي يُعصَى فيها اللهُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النّهار؟!.
كيفَ تطلبُ المرأةُ العصمةَ من الأذى والشرورِ، أو تنشُدُ الشّفاءَ والرّاحة؛ وهيَ مقيمةٌ على التبرُّجِ والسُّفور، وإظهارِ الزّينةِ ونشرِ العُطُور، ورُبّما تترُكُ الصلاةَ أو تتكاسلُ عنها؟!.
كيفَ يعصِمُها اللهُ -تعالى- من السّحرِ وأذَى الشياطين وهي قد تعاقدت معهم على تركِ الواجبات، ومعاقرةِ المعاصي والمنكرات؟!.
كيفَ يطلبُ العبدُ العصمةَ من الأذى والشرورِ، أو ينشُدُ الشّفاءَ؛ وهو ما قرأَ القرآن الكريمِ في بيتِه قَط، وما فكّرَ يومًا في تحصين أولادِهِ من العينِ والأذَى، وما حافظَ على أذكارِ الصباح والمساء والنومِ قَط، وما خطرت على قلبِهِ أذكارُ الدخول والخروج وتحصين البيت أبدًا؟!.
العجيبُ أنَّنا نطلبُ الحصادَ بلا زرع، ونبتغي جَنْيَ الثّمارِ مع تركِ الغرسِ والسّقيِ والتعاهُد، ثمَّ نقولُ: لماذا حصدَ النّاسُ ولم نحصُد، واغتنى النّاسُ وافتقرنا، وسعدَ النّاسُ وتعِسنا؟! هذا من أعجبِ الحال ومن أغربِ المُحال!.
إنَّ كيدَ الشيطانِ كان ضعيفًا، وإنَّما الإنسانُ هو مَن سلّمَ زمامَ أمرِهِ للشيطان فتسلّطَ عليه، واستحكمَ فيه أذاه.
أحسِنوا الارتباط باللهِ يحفظكم اللهُ ويحميكم من شرّ شياطين الإنسِ وكيدِ شياطينِ الجن؛ أمّا أن نطلبَ جنيَ الثّمارِ مع تركِ البذر والسقيِ والتعاهُد؛ فهو المُحالُ بعينه!.
المصدر :
لا تنس ذكر الله