محتويات المقال
✨حال المؤمن بعد الحج✨
انتهاء شعائر الحج
إنَّ مَن رأى جُموعَ الحجاجِ الذين أقبلوا إلى بيتِ اللهِ العتيقِ رآهم يختلفونَ في أشكالهم وأجناسِهم منهم الكبيرُ والصغيرُ والغنيُّ والفقيرُ والأبيضُ والأسودُ والعربيُّ والأعجمي.
إنَّ هؤلاءِ جميعاً أقبلوا إلى البيتِ العتيقِ يَرجونَ بَرَكَةَ قَولِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ"
صلاح القلوب أهم ثمرات الحج
والحَجُّ لا يَتَعاملُ مع الجسدِ، إنما يتعاملُ مع القَلبِ؛ لذلك فإنَّ إبراهيمَ -عليه السلامُ- لما أسْكَنَ ذُرِّيتهُ عندَ البيتِ الحرامِ، رفعَ يَدَيهِ داعياً فقال: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: 37]، فإبراهيمُ -عليهِ السلامُ- لا يُريدُ الأجسادَ إنما يريدُ القلوبَ، فإذا سافرَ جَسَدُكَ إلى الحجِّ ولم يُسافرْ قلبُكَ فما حَجَجْتَ ولكنْ حَجَّتْ العيرُ.
وليسَ المقصودُ أنْ تَرجِعَ من الحجِّ وقد تغيَّرَ جسدُكَ فاسْمَرَّ لونُكَ أو بُحَّ صوتُكَ أو زُكِمَ أنْفُكَ، إنما المقصودُ أنْ يتغيَّرَ قلبُكَ.
ولو تأمَّلْتَ سورةَ الحجِّ لوَجَدْتَ أنَّ اللهَ -تعالى- لم يذكُرْ فيها كلمَةَ مُزْدَلِفَة ولا عَرَفَة ولا مِنى؛ وذلك لأنَّ المقصودَ من الحجِّ أعظمُ من أنْ تَقِفَ بعَرفَةَ وتَبيتَ بمُزدلفَةَ وتَرمِيَ الجمراتِ إنما المقصودُ الأعظمُ هو أنْ يَصْلُحَ قلبُكَ؛ لذلكَ لم يَبدأْ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- سورةَ الحجِّ بقولهِ حُجُّوا واعتَمِروا، وإنما قال –سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى﴾[الحج: 1- 2]، وتمضي الآياتُ بذكرِ الآخِرَةِ وخَلْقِ الإنسانِ وبِتَعظيمِ الرَّبِّ -جَلَّ جَلالُه-.
ولما ذكرَ اللهُ -تعالى- ذَبْحَ الهَدْيِ، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ [الحج: 37]، إذنْ ربُّنا يُريدُ هذا القلبَ لا الجسدَ.
لما وقفَ عمرُ بنُ الخطاب في الحجِّ على الصفا جعلَ يَنظرُ إلى جُموعِ الحُجَّاجِ، ووقفَ بجانبهِ ابنُه عبدُالله فلما نظرَ عبدُالله بنُ عمرَ إلى جُموعِ الحُجاجِ أعجبَه كثرةُ الحُجاجِ، فالتفتَ إلى أبيهِ وقال: "يا أبَتِ ما أكثرَ الحاجَّ؟! فقال له أبوه: "يا بُنيَّ الركبُ كثيرٌ، لكنَّ الحاجَّ قليلٌ".
يعني: الركبُ الذينَ ركِبوا وجاءوا إلى الحجِّ، وقالوا: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ كثيرٌ، لكنَّ الذي يَصدُقُ عليهِ أنه حَاجٌّ قليل. نعم، من أرادَ النجاةَ فلْيَسْلُكْ مَسالِكَها إنَّ السفينةَ لا تَجري على اليَبَسِ، المَغْفِرَةُ لها طَريقٌ يَسْلُكُه من أرَادَها.
في صحيحِ مسلمٍ أنَّ رَبيعةَ بنَ كعبٍ -رضي الله عنه- كانَ غُلامَاً يخْدِمُ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام-، فأرادَ -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُكافِئَهُ يَوماً فقال: "سَلْ" فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: "أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ"، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"، يعني: سَأدعو اللهَ لكَ بالجنةِ لكنْ أعِنِّي على نَفْسِكَ يعني: قَدِّمْ ما تَنالُ بهِ المغفرةَ، فكانَ ربيعةُ بعدَها لا يُرى إلّا راكِعاً أو ساجِداً.
وأقبلَ سعدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ يَوماً إلى النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، وسعدٌ هو خالُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وقالَ لهُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في مَعركَةِ أُحُدٍ: "فِدَاكَ أبي وأُمِّي"؛ كما في الصحيحين.
أقبلَ إلى النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- قال يا رسولَ الله: "ادعُ اللهَ أنْ يجعلَني مُستجابَ الدعوةِ"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا سعدُ أطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ"
يعني: تريدُ أنْ تُستجابَ دَعوَتُكَ اعْمَلْ واجْتَهِدْ.
فكانَ سعدٌ بعدَها لا يَأكُلُ إلّا حَلالاً حتى ذكروا أنَّ شَاةً لَه كان يَشرَبُ من لَبَنِها، فدَخَلَتْ مزرعَةً لجيرانهم وأكَلَتْ من عُشْبِهم بغيرِ إذنِ الجارِ، فلمّا عَلِمَ سعدٌ بذلكَ امْتَنَعَ أنْ يَشْرَبَ من لَبَنِها إلى أنْ ماتَ خَوفاً من أنْ يكونَ ذلكَ اللَّبَنُ تخَلَّقَ من ذلك العُشبِ الذي أكَلَتْهُ في ذلك اليومِ، فأطابَ مَطْعَمَهُ فصارَ مُستجابَ الدعوةِ.
إذنْ إذا طَلَبْتَ منَ اللهِ فلا بُدَّ أنْ تَعملَ لِتَنالَها.
علامات قبول الحج
من علاماتِ قَبولِ العمل التوفيقُ إلى العمل الصالح من بعده فالذي يكون حاله بعد الحج في صلاته وصيامه وهجرانه للمنكرات وإقباله على الطاعات خيراً من حاله قبل الحج؛ فهذا من علامات قَبولِ حجه، وهكذا جميعُ الطاعات لابدّ أن تؤثِّر في النفْسِ إيمانًا وتقوى..
والحجُّ المَبْرورُ ليسَ لَه جَزاءٌ إلّا الجنةَ، والحجُّ المبرورُ هو الذي يكونُ حالُ الحاجِّ بعدَهُ خَيراً مِن حالهِ قَبلَه فيُلاحِظُ هو وغيرُهُ أنَّه تَغيَّرَ بعدَ الحجِّ، فقبلَ الحجِّ كانَ يَتَخَلَّفُ عن صلاةِ الفجرِ فتغيَّرَ بعدَ الحجِّ وصارَ يَشْهَدُها دَوماً، قبلَ الحجِّ كانَ هاتِفُهُ مَليئاً بالصُورِ والمعازِفِ فلِأنَّه تغيَّرَ بعدَ الحجِّ صارَ من أهلِ الذِّكْرِ والقُرآنِ، تجِدْ أنَّهُ قبلَ الحجِّ كانَ يجلسُ أمامَ التلفازِ لِقَنواتٍ فاسدةٍ لكنَّه تغيَّرَ بعدَ الحجِّ وصارَ ينظرُ إلى الحلالِ، قبلَ الحجِّ كانتْ ثِيابُهُ مُسْبِلَةً وألفاظُهُ سَيِّئَةً فتغيَّرَ بعدَ الحجِّ.. فهذا حَجُّهُ مَبْرورٌ.
أمَّا مَنْ لم يَتَغَيَّرْ قَلبُهُ ولا عَمُلُهُ ولا تَحَسَّنَ حَالُهُ معَ رَبِّهِ فهذا كما قالَ عمرُ: يا بُنَيَّ الركبُ كثيرٌ لكنَّ الحاجَّ قليلٌ.
وصايا نافعة بعد مواسم الخيرات
وعلى المرءِ أن يستمرَّ بالأعمال الصالحات بعد الحج مُقبلاً مجتهداً.. ومن تأمَّلَ صفاتَ المؤمنين التي ذكرها الله في القرآن وجدَ أنهم يتَّصفون بها في جميع حياتهم وليس وقتاً دونَ وقت.
على الجميعِ أنْ يحْرِصَ على إصلاحِ حالهِ حتى من كانَ مُقَصِّراً في الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكرِ فليُصلِحْ حالَه بعدَ الحجِّ، كانَ لا يحافِظُ على صلواتِ النوافلِ والوِترِ فليُصلحْ حالَه بعدَ الحجِّ، كما قال الله عزَّ وجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾ [النساء: 136]، يعني: ازْدَادُوا إيماناً معَ إيمانِكُم.
لا تنس ذكر الله
سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مقالات عن الحج والعمرة