محتويات المقال
رمضان ومداخل الشيطان
مداخل الشيطان إلى الإنسان كثيرة ومتباينة ، فالشيطان لا يريد أن يعدم حيلة ولا أن يترك وسيلة في إضلال الإنسان وإغوائه ، وفي جعله يتنكـب الطريـق فـي الوصول إلى ربه وخالقه .
وهناك مداخل ظاهرة ومداخل خفية للشيطان لكي يصل من خلالها إلى الإنسان ، فمن الداخل الظاهرة في الإنسان والتي من خلالها يلج الشيطان إليه : العين والأذن واللسان والفرج ، وأما المداخل الخفية فهي العقل والقلب . والصوم من غاياته وأهدافه وثماره أنه يسد على الشيطان كـل تلـك المـداخل ويقف حصناً حصيناً ضد محاولات الشيطان المتعددة والمتتالية .
الصوم ومدخل االعين
﴿قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم وَيَحفَظوا فُروجَهُم ذلِكَ أَزكى لَهُم إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما يَصنَعونَوَقُل لِلمُؤمِناتِ يَغضُضنَ مِن أَبصارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُروجَهُنَّ وَلا يُبدينَ زينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنها وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيوبِهِنَّ وَلا يُبدينَ زينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعولَتِهِنَّ أَو آبائِهِنَّ أَو آباءِ بُعولَتِهِنَّ أَو أَبنائِهِنَّ أَو أَبناءِ بُعولَتِهِنَّ أَو إِخوانِهِنَّ أَو بَني إِخوانِهِنَّ أَو بَني أَخَواتِهِنَّ أَو نِسائِهِنَّ أَو ما مَلَكَت أَيمانُهُنَّ أَوِ التّابِعينَ غَيرِ أُولِي الإِربَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفلِ الَّذينَ لَم يَظهَروا عَلى عَوراتِ النِّساءِ وَلا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ ما يُخفينَ مِن زينَتِهِنَّ وَتوبوا إِلَى اللَّهِ جَميعًا أَيُّهَ المُؤمِنونَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [النور: ٣٠-٣١]
وعن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم : «ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة : عين بكت من خشية الله ، وعـين حرست في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله ». أخرجه الطبـرانـي
فإطلاق البصر يعود على المرء بآثام وحسرات ومصائب وهموم كثيرة .
وفي شهر رمضان يتعلم المسلم معنى غض البصر ، فالصوم يحجزه عن إطـلاق بصره إلى المحارم إذ أن الصوم يتنافى مع إطلاق البصر ، فالعين لا بد أن تصوم كما تصوم البطن وباقي الجوارح . وغض البصر له فوائد وثمار كثيرة منها :
- القلب من الحسرة .
- أنه يورث القلب نوراً وإشراقاً يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح ، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه .
- أنه يورث صحة الفراسة فإنها من النور وثمراته ، وإذا استنار القلب صحت الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة المجلوة ، تظهر فيها المعلومات كما هي ، والنظر بمنزلة التنفس فيها ، فإذا أطلق العبد نظرة تنفست نفسه الصعداء في مرآة قلبـه فطمست نورها .
- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل له سلطان البصير مع سـلطان الحجة ، ولهذا يوجد في المتبع لهواه من ذل القلـب وضـعفه ومهانـة الـنفس وحقارتها ما جعله الله لمن آثر هواه على رضاه .
- أنه يورث القلب سروراً وفرحة وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه ... وأيضاً فإنه لما كـف وحبس شهوته الله وفيها مسرة نفسه الأمارة بالسوء أعاضـه الله سبحانه و لذته مسرة ولذة أكمل منها كما قال بعضهم : والله للذة العفة أعظم من لذة الذنب .
- أنه يخلص القلب من أسر الشهوة ، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه فهو كما قيل : طليق برأي العين وهو أسير ، ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكـن منه عدوه وسامه سوء العذاب .
- أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم ، فإن النظر باب الـشهوة الحاملـة علـى مواقعة الفعل ، وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول ، فمتى هتـك الحجاب وقع في المحظور ولم تقف نفسه منه عند غاية ، فإن النفس في هذا الباب لا تقنع بغاية تقف عندها ، وذلك أن لذتها في الشيء الجديد ، فغض البصر يسد عنه ، هذا الباب قال السفاريني في : ( غذاء الألباب ٦٦/١ ) : قال الحجاوي : فضول النظر أصـل البلاء لأنه رسول الفرج ، أعني الآفة العظمى والبلية الكبرى ، والزنا إنما يكـون سببه في الغالب النظر ، فإنه يدعو إلى الاستحسان ووقوع صورة المنظور إليـه في القلب والفكرة ، فهذه الفتنة من فضول النظر ، وهو من الأبواب التـي تفـتـح للشيطان على ابن آدم .
الصوم ومدخل الأذن
يسأل الإنسان يوم القيامة عن إطلاقه لبصره فإنه سوف يسأل – كذلك – عما سمعت أذناه من لغو ومن باطل ومن غيبة ومن نميمة ، قال تعالى : ﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا﴾ [الإسراء: ٣٦]
فهناك مجالات السمع المشروعة والتي منها :
- الإستماع إلى القرآن الكريم ، قال تعالى : ﴿وَإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]
- سماع الحديث النبوي وآثار الصحابة والصالحين وقصصهم ، وسماع القـول الطيب كالشعر والخطبة والمحاضرة والدرس والنصيحة والنشيد الديني ، قال تعالى : ﴿وَالَّذينَ اجتَنَبُوا الطّاغوتَ أَن يَعبُدوها وَأَنابوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ البُشرى فَبَشِّر عِبادِالَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُم أُولُو الأَلبابِ﴾ [الزمر: ١٧-١٨]
أما الاستعمالات الغير مشروعة والتي يجب تجنبها : الاستماع لمن يسخر من آيات الله ورسوله ودينه لأنه يفسد العقيدة ، قال تعالى : ﴿وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللَّهِ يُكفَرُ بِها وَيُستَهزَأُ بِها فَلا تَقعُدوا مَعَهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللَّهَ جامِعُ المُنافِقينَ وَالكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعًا﴾ [النساء: ١٤٠]
وكذلك التنصت والتجسس لأنه من فضول السمع وتتبع عورات الناس ، قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجتَنِبوا كَثيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ وَلا تَجَسَّسوا وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخيهِ مَيتًا فَكَرِهتُموهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوّابٌ رَحيمٌ﴾ [الحجرات: ١٢]
والاستماع لمن يغتـاب الآخـرين لأنـه مشاركة في انتهاك أعراض الناس ، والاستماع للهو الحـديث كالغنـاء الفـاحش والشعر الماجن والكلام القبيح لم فيه من إثارة للغرائز والشهوات المحرمة ، قـال تعالى : ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَشتَري لَهوَ الحَديثِ لِيُضِلَّ عَن سَبيلِ اللَّهِ بِغَيرِ عِلمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُوًا أُولئِكَ لَهُم عَذابٌ مُهينٌ﴾ [لقمان: ٦]
الصوم ومدخل اللسان
اللسان هو ملك الأعضاء في جسم الإنسان ، وهو دليل على ما في قلب المرء من خير أو من شر ، قال تعالى : ﴿ما يَلفِظُ مِن قَولٍ إِلّا لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيدٌ﴾ [ق: ١٨]
وعن أبي سعيد الخدري ، رفعه ، قال :« إذا أصبح ابن آدم ، فإن الأعـضاء كلهـا تكفر اللسان ، فتقول : أتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا ، وإن أعوجت أعوججنا ». أخرجه أحمد
فضمان صلاح اللسان ضمان لفوز المسلم برضوان الله عز وجل ، عن سهل بـن سعد ، عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : «من يضمن لى ما بين لحييه وما بين رجليه ، أضمن له الجنـة ». أخرجه أحمد
وعن المطلب عن عبادة بـن الـصامت أن النبـي ، صـلى الله عليـه وسـلم ، قال : « اضمنوا لى ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حـدثتم وأوفـوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيـديكم» . أخرجه أحمد
قال ابن مسعود : «والله الذي لا إله غيره ؛ ما شيء أحق بطول سجن من لسان» . ذكر الإمام مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه ، فقال له عمر : مه ! غفر الله لك ! فقال أبو بكر : إن هذا أوردني الموارد !.
قيل لبكر بن عبد الله المزني : إنك تطيل الصمت ! فقال : «إن لساني سبع ، إن تركته أكلني» .
وفي شهر رمضان يجب على المسلم حفظ لسانه من اللغو والرفث والسب والشتم والسخرية والغيبة والنميمة والقيل والقال وقول الزور ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ، فليقل : إني صائم ، إني صائم ».أخرجه مالك
وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به ، والجهل ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» . أخرجه أحمد
عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أن امرأتين صامتا ، وإن رجـلاً قال : يا رسول الله ، إن هاهنا امرأتين قد صامتا ، وإنهما قد كادتا أن تموتا مـن العطش ، فأعرض عنه ، أو سكت ، ثم عاد ، وأراه قال : بالهاجرة ، قال : يا نبي الله ، إنهما والله قد ماتتا ، أو كادتا أن تموتا ، قال : ادعهما ، قال : فجاءتا ، قال : فجيء بقدح ، أو عس ، فقال لإحداهما : قيئي ، فقاءت قيحا ، أو دما ، وصديدا ، ولحما ، حتى قاءت نصف القدح ، ثم قال للأخرى : قيئي ، فقاءت مـن قـيـح ، ودم ، وصديد ، ولحم عبيط ، وغيره ، حتى ملأت القدح ، ثـم قـال : إن هـاتين صامتا عما أحل الله ، وأفطرتا على ما حرم الله ، عز وجل ، عليهمـا ، جلـست إحداهما إلى الأخرى ، فجعلتا يأكلان لحوم الناس . أخرجه أحمد ٤٣١/٥ ( ٣٤٠٥٣ )
الصوم ومدخل الفرج
وصف الله سبحانه المؤمنين الفالحين بأنهم يحفظـون فـروجهم عـن الفاحـشة والوقوع فيما حرم الله ، قال تعالى : ﴿وَالَّذينَ هُم لِفُروجِهِم حافِظونَإِلّا عَلى أَزواجِهِم أَو ما مَلَكَت أَيمانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلومينَفَمَنِ ابتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادونَ﴾ [المؤمنون: ٥-٧]
وعن أبي هريرة ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر مـا يلـج الناس به النار ؟ فقال : «الأجوفان : الفم ، والفرج» ، وسئل عن أكثر ما يلج الناس ، به الجنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسـلم : «حـسن الخلـق» . أخرجه أحمد
وعن ابن عباس ، قال :« ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ،« إن الله ، عز وجل ، كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه لا محالة ، وزنا العين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والـنفس تمنـى وتـشتهي ، والفرج يصدق ذلـك أو يكتبـه» . أخرجه أحمد
الصوم ومدخل العقل
وكما يحفظ المسلم في شهر رمضان مداخل جسده الخارجية ويقف حارساً عليها ضد مداخل الشيطان ، فإن هناك مدخلان مهمان وخطيران للشيطان يسطو مـن خلالهما على الإنسان ، فيستولي عليه ويتلاعب به كما يشاء . وهذان المدخلان هما : العقل والقلب ، فعن طريق العقل والفكر يلـج الـشيطان غليه فيشوش عليه تفكيره الراشد المستقيم ، فيجعله دائم التفكير فـي شـهواته وملذاته بدلا من التفكير في مرضاة ربه وفيما يعود عليه وعلى من حوله بالنفع والخير ، ولقد ختم الله تعالى آيات الصوم بحكمة الرشد وهي التعقل الحكيم ، قال تعالى : ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾ [البقرة: ١٨٦]
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : «لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله علیه و سلم قام يصلي فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة فرآه يبكي فقال : يا رسـول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ! فقال : يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا » .
وقال عمر ابـن عبد العزيز : التأمل في نعم الله أفضل عبادة ، وقال أبو الحسن : تفكر ساعة خيـر من قيام ليلة ، وقال يوسف بن أسباط : إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها بل لينظـر بها إلى الآخرة .
الصوم ومدخل القلب
في الصوم تربية للقلب على حب الخير للناس والبعد عن الحقد والحـسد والغـل والكراهية ، فالقلب السليم الصافي هو أقرب القلوب إلى الله سبحانه ، قال تعالى : ﴿يَومَ لا يَنفَعُ مالٌ وَلا بَنونَإِلّا مَن أَتَى اللَّهَ بِقَلبٍ سَليمٍ﴾ [الشعراء: ٨٨-٨٩]
عن النعمان بن بشير ، قال : سمعته يقول : سمعت رسول الله صـلى الله عليـه وسلم يقول ، وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه :« إن الحلال بين ، وإن الحرام بين ، وبينهما مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينـه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمـى ، يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمـه ، ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهـي القلـب» . أخرجـه أحمد .
قال ابن رجب – رحمه الله – تعليقا على ذلك : ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم كلمة جامعة لصلاح حركات ابن آدم وفسادها ؛ وأن ذلك كله بحسب صلاح القلب وفساده ، فإذا صلح القلب صلحت إرادته ، وصلحت جميع الجوارح ؛ فلم تنبعـث إلا إلى طاعة الله واجتناب سخطه ، فقنعت بالحلال عن الحرام . وإذا فسد القلب فسدت إرادته ، ففسدت الجوارح كلها ؛ وانبعثت في معاصي الله عز وجل - ، وما فيـه سخطه ، ولم تقنع بالحلال ؛ بل أسرعت في الحرام بحسب هوى القلب وميلـه عـن الحق .
وسلامة القلب هي دليل ومعيار النجاة من عذاب الله تبارك وتعالى ، ومن الخـزي يوم القيامة وشدته ، وعبوسه ، وكرباته ، كل هذا يكون بسلامة القلب ، وسلامة القلب تكون بسلامته من الشبهة ، وأعظم ما ينبغي في ذلك أن يسلم القلب من الشرك بالله تبارك وتعالى ، وألا يكون في قلب العبد المؤمن شيئا من الشرك لغير الله -عز وجل – سواء كان ذلك بالتقرب ، أو بالتأله في الدعاء ، أو التوكل ، أو الخـشوع ، أو الخوف ، أو الرجاء ، وفي أصول هذه الأعمال التي هي أساس أعمال القلب ، فليحذر العبد أن يكون مشركا مع الله -تبارك وتعالى- بشيء من هذه الأعمال والتعبدات .
فثمرة الصوم تعلم التقوى والتقوى تحتاج إلى قلب طاهر وصادق ، قال تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾ [البقرة: ١٨٣]
قال أحد الصالحين :« اطلب قلبك في ثلاث مواطن : عند سـماع القـرآن ، وفـي مجالس الذكر وفي أوقات الخلوة ، فإن لم تجده في هـذه المـواطن فاسـأل الله أن يعطيك قلبا فإنه لا قلب لك ».
عن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال : بعث الأمراء إلى عمر ابن المنكدر بمال ، فجاء به الرسول فوضعه بين يديه ، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي ، ثم جاء أبو بكر ، فلما رأى عمر يبكي جلس يبكي لبكائه ، ثم جاء محمد ، فجلس يبكي لبكائهما ، فاشتد بكاؤهم جميعاً . فبكى الرسول أيضاً لبكائهم ، ثم أرسل إلى صـاحبـه فـأخبره بـذلك ، فأرسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن ليستعلم عن ذلك البكاء ، فجاء ربيعة فـذكر ذلـك لمحمد ، فقال محمد : سله فهو أعلم ببكائه ، فاستأذن عليه ربيعة ، فقال : يا أخي مـا الذي أبكاك من صلة الأمير ؟ قال : والله إني خشيت أن تغلب الدنيا على قلبي ، فـلا يكون للآخرة فيه نصيب ، فذلك الذي أبكائى قال : وأمر بالمال فتصدق به على فقراء أهل المدينة ، قال : فجاء ربيعة فأخبره الأمير بذلك ، فبكى وقال : هكذا يكون والله أهل الخير .
عن زيد بن أسلم قال : دخل على أبي دجانة رضي الله عنه وهـو مـريض وكـان وجهه يتهلل فقيل له : ما لوجهك يتهلل ؟ فقال : ما من عملي شيء أوثق عنـدي من اثنتين :
-كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني.
- كان قلبي للمسلمين سليما .
اللهم إنا نسألك أن تنير قلوبنا وعقولنا ، وأن تعطر ألسنتنا بذكرك ، وقلوبنا بحبك وحب نبيك ، وحب كل ما يقربنا لحبك . اللهم طهر قلوبنا من النفاق ، وألسنتنا من الرياء ، وأعيننا من الخيانة ، وحبب إلينا الطاعة والإيمان وثبت قلوبنا على دينك . اللهم آمين تقبل يا رب العالمين .
المرجع : كتاب مقالات رمضانية للكاتب بدر عبدالحميد هميسة
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: رمضانيات