أفي الله شك؟
الفطرة في الناس عدم الشك في الله
إِنَّهُ أَمْرٌ فِطْرِي؛ لا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ والمُعَارَضَة، وَلا يَنْفَعُ مَعَهُ الجُحُوْدُ والمُكَابَرَة؛ إِنَّهُ الله، قالَ تعالى: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[إبراهيم:10]. قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: "(أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) والمَعْنَى: مَا فِي اللهِ شَكّ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ لَيْسَ في اللهِ شَكّ! وَهَذَا يُبَيّنُ أَنَّهُمْ مَفْطُوْرُوْنَ على الإِقْرَارِ، وَلَكِنَّ شَيَاطِيْنَ الإِنْسِ وَالجِنِّ: أَفْسَدُوْا فِطْرَةَ بَعْضِ النَّاس، فَعَرَضَ لَهُمْ مَا أَزَاحَهُمْ عَنْ هَذِهِ الفِطْرَة!".
وَوُجُوْدُ اللهِ وَتَوْحِيْدُهُ، وَإِلَهِيَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ؛ أَمْرٌ لَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ؛ لِظُهُوْرِ الأَدِلَّةِ الَّتِي تَقْطَعُ كُلَّ شَكٍّ في اللهِ؛ فَهُوَ خَالِقُ الخَلْق، وَمُدَبِّرُ الكَوْن.
وكَيْفَ يُطْلَبُ الدَّلِيلُ عَلَى مَنْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؟! فَهُوَ أَعْرَفُ مِنْ كُلِّ مَعْرُوْف، وَأَبْيَنُ مِنْ كُلِّ دَلِيل، قالَ بَعْضُ السَّلَف: "وُجُودَ الرَّبِّ تَعَالَى: أَظْهَرُ لِلْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، مِنْ وُجُودِ النَّهَارِ! وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي عَقْلِهِ وَفِطْرَتِهِ؛ فَلْيَتَّهِمْهُمَا! فَوُجُوْدُهُ سُبْحَانَهُ وَرُبُوْبِيَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ؛ أَظْهَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الإِطْلَاق؛ فَهُوَ أَظْهَرُ لِلْبَصَائِرِ مِنْ الشَّمْسِ لِلْأَبْصَار، وَأَبْيَنُ لِلْعُقُوْلِ مِنْ كُلِّ مَا تَعْقِلُهُ، وَتُقِرُّ بِوُجُوْدِهِ؛ فَمَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مُكَابِر".
والْفِطْرَةُ شَاهِدَةٌ بِوُجُودِ اللهِ، والْإِقْرَارِ بِهِ، فَإِنَّ الِاعْتِرَافَ بِهِ ضَرُورِيٌّ فِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ، وَلَكِنْ قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِهَا شَكٌّ وَاضْطِرَابٌ؛ فَتَحْتَاجُ إِلَى النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ الْمُوَصِّلِ إِلَى وُجُودِهِ.
وَمِنْ تِلْكَ الأَدِلَّة: التَفَكَّرُ في مَلَكُوْتِ السَّمَاوَاتِ والأَرضِ؛ فَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الفِكْرِ: اِزْدَادَ يَقِيْنُهُ بِالله، ﴿قالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾[الشعراء:24].
والكَوْنُ كُلُّهُ يَنْطِقُ شَاهِدًا بَأَنَّ لَهُ صَانِعًا خَلَقَهُ وَأَبْدَعَهُ ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾[النمل:88].
ويسْتِحَيلُ صُدُورُ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَجِيبَةِ الْمُنَظَّمَةِ، مِنْ غَيْرِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.
وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، أَرَادُوا الْبَحْثَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: "أَخْبِرُونِي عَنْ سَفِينَةٍ تَمْتَلِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ بِنَفْسِهَا، وَتَعُودُ بِنَفْسِهَا، فَتَرْسُو بِنَفْسِهَا، وَتُفْرِغُ وَتَرْجِعُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدَبِّرَهَا أَحَدٌ!"، فَقَالُوا: "هَذَا مُحَالٌ!" فَقَالَ لَهُمْ: "إِذَا كَانَ هَذَا مُحَالًا فِي سَفِينَةٍ؛ فَكَيْفَ فِي هَذَا الْعَالَمِ كُلِّهِ!".
وَمَنْ شَكَّ فِي وُجُوْدِ الله لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثِقَةٌ بِشَيءٍ مِنَ المَعْلُوْمَات، حَتَّى في الأُمُوْرِ المَحْسُوْسَة، قالَ ابنُ القَيِّم: "أَيُشَكُّ فِي اللَّهِ حَتَّى يُطْلَبَ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِهِ؟ وَأَيُّ دَلِيلٍ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا الْمَدْلُولِ؟ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْأَظْهَرِ بِالْأَخْفَى". قال تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾[الأنعام:19].
وَمَضَى النَّاسُ عَلَى فِطْرَةِ التَّوْحِيْد قُرُوْنًا عَدِيْدَة، ثُمَّ عَرَضَ لَهَا مَا يُفْسِدُهَا؛ فَأَرْسَلَ اللهُ رُسُلَهُ تَرُدُّ الناسَ إلى فِطْرَتِهم الأُوْلَى، قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾[البقرة:213]. قال ابنُ عَاشُور: "الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ التَّوْحِيدَ هِيَ الْفِطْرَةُ، وَأَنَّهَا مَا غَشَّاهَا إِلَّا تَلْقِينُ الضَّلَالِ، وَتَرْوِيجُ الْبَاطِلِ! وَأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ النَّبِيينَ لِإِصْلَاحِ الْفِطْرَةِ".
وغَالِبُ الأُمَمِ كَانَتْ مُقِرَّةً بِوُجُوْدِ الله، وَلَكِنْ تَعْبُدُ مَعَهُ غَيْرَهُ مِنَ الْوَسَائِطِ الَّتِي يَظُنُّونَهَا "تَنْفَعُهُمْ أَوْ تُقَرِّبُهُمْ" مِنَ اللَّهِ زُلْفَى، قالَ الطَّبَرَيّ: "أَفِي اللَّهِ شَكٌّ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ للْأُلُوهَةُ وَالْعِبَادَةُ، دُونَ جَمِيعِ خَلْقِهِ؟".
أَدِلَّةُ رُبُوْبِيَّةِ الله، وَبَرَاهِيْنُ إِلَهِيَّتِه، وَشَوَاهِدُ حِكْمَتِه، وَآيَاتُ قُدْرَتِه، لَا يَسْتَطِيعُ الْعَقْلُ لَهَا جُحُودًا، إلا مُكَابَرَةً بِاللِّسَانِ.
والظَّالِمُوْنَ المُتَكَبِّرُوْنَ لا يَجْحَدُوْنَ الحَقَّ لِأَنَّهُمْ لا يَعْرِفُوْنَه، بِلْ لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُوْنَه وَقَدْ اسْتَيْقَنَتْهُ نُفُوْسُهُم، وَلَكِنَّهُمْ يَقِفُوْنَ في وَجْهِهِ مُكَابِرِيْن، وَهُوَ وَاضِحٌ مُبِيْن، ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾[النمل:14].
قالَ ابنُ تَيْمِيَّة: "عَامَّةُ الكُفَّارِ مِنْ هَذَا النَّوْع، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيْمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ مُخْطِئ؛ لِاشْتِبَاهِ مَعْنًى بِمَعْنًى آخَر، أَوْ لِـخَلَلٍ وَقَعَ في عَقْلِهِ، أو لِهَوَىً خَالَطَ اعْتِقَادَه؛ كَمَا قالَ تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾[الأنعام:110]".
فَتَمَسَّكُوا بِالحَقِّ المُبِيْن، وَاحْذَرُوْا مِنْ شُبُهَاتَ المُشَكِّكِيْن، وَأَعْدَاءِ الفِطْرَةِ والدِّيْن، مِن المُبْتَدِعَةِ والمُلْحِدِيْن، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[الروم:30].
المصدر :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة