محتويات المقال
قدرة الله في الكون
الكون مليء بآيات الله تعالى الدالة على وحدانيته وعظمته
إن الناظر في الكون يشعر بجلال الله وعظمته، الكون كلّه عاليه ودانيه، أحياؤه وجماداته، كلها خاضع لأمر الله، منقاد لتدبيره، شاهد بوحدانيته وعظمته، ناطق بآيات علمه وحكمته، وأمرنا بالتأمل في خلق الله -تبارك وتعالى- واصفاً ذلك الخلق بأنه لا تفاوت فيه؛ ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ﴾، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾
دعوة الله ورسوله عباده للتفكر في خلقه وكونه
ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يذكِّر أصحابه بعظمة الله وقدرته كلّما مرّ بمظهر من مظاهر عظمته سبحانه؛ وذلك لتربية قلوبهم على تعظيم الله -سبحانه- وتوقيره، فعن ابن عمر -ضي الله عنهما-: "أنّ رسول الله قرأ هذه الآيةَ ذاتَ يوم على المنبر: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، ورسول الله يقول هكذا بيده، ويحركها، يُقْبِل بها ويُدْبِر، "يمجِّد الربُّ نفسَه: أنا الجبار، أنا المتكبّر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم"، فرجَف برسول الله المنبر حتى قلنا: ليخِرّنّ به"
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "جَاءَ حَبْرٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، أَوْ يا أَبَا القَاسِمِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ يَومَ القِيَامَةِ علَى إصْبَعٍ، وَالأرَضِينَ علَى إصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ علَى إصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى علَى إصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ علَى إصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، فيَقولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ تَعَجُّبًا ممَّا قالَ الحَبْرُ، تَصْدِيقًا له، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَومَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
إذاً، هذا الكون الواسع كله دليل على وحدانية الله -تعالى-.
فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ
أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ
تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ
وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ
وإن الله -تعالى- يدعونا في آيات كثيرة إلى النظر والتفكر في خلق السماوات والأرض، قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾، وقال الله -تعالى-: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
فالله -سبحانه وتعالى- سخر لنا هذا الكون، بغير حول منا ولا قوة، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾
صور من دلائل الله المبثوثة في كونه وخلقه
ولقد أخبرنا ربنا في كتابه أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وابتدأ خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها وهيأها لما تصلح له من الأقوات في يومين آخرين فتلك أربعة أيام ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها فتلك ستة أيام خلق الله فيها السماوات والأرض، وزين الله السماء الدنيا بمصابيح وهي النجوم وجعلها رجوما للشياطين التي تسترق السمع من السماء وعلامات يهتدي بها الناس في البر والبحر.
وسخر لعباده الليل والنهار يتعاقبان على الأرض لتقوم مصالح العباد في دينهم ودنياهم وقد بين الله -تعالى- فضله علينا في ذلك حيث يقول لنبيه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
ومن آياته ما بث الله -تعالى- في السماوات والأرض من دابة؛ ففي السماء ملائكته لا يحصيهم إلا الله -تعالى- ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله -تعالى- أو راكع أو ساجد يطوف منهم كل يوم بالبيت المعمور في السماء السابعة سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.
زإن الله وحده هو الذي خلق كل ذرة في الكون، وإرادته نافذة فيه، وقدره تقديراً محكماً، وأبدعه إبداعا حسنا، قال الله -تعالى-: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾، وقال: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾، وقال: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾
فالحياة، والموت، والرزق، وتصريف الرياح، والسحاب، ونمو المخلوقات، وحركة الأفلاك، كل هذا ونظائره خاضع لإرادة الله، وقدرته.
وبين أجزاء هذا الكون تناسق عجيب، قدر الله كل شيء فيه حجمه وشكله، وقدر وظيفته وعمله، وقدر زمانه ومكانه، وقدر تناسقه مع غيره من افراد هذا الكون الكبير، فسبحان الله العظيم.
ثمار التفكر في آيات الله
واعلموا أن من ثمرات التفكّر في قدرة الله وعظمته:
أن يوحِّد العبدُ ربَّه -سبحانه-، ولا يخاف إلّا منه ولا يرجو سواه، ولا يتحاكم إلّا له، ولا يَذِلّ ولا يخضع إلّا لعظمته ولا يعبد إلا هو-جلّ وعلا-.
وأن يشعر العبد بالاطمئنان والعزّة والرفعة، وعدم الشعور بالخوف أو الذلّ حتى في أصعب الظروف وفي أشدّ الأحوال؛ ولقد جسّد لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الشعور في أصعب المواقف التي مرّ بها عند الهجرة، حينما وقف الكفار أمام الغار فخاف أبو بكر عليه، فقال له: "لا تخف إن الله معنا"، وكذلك عندما تيقّن بنو إسرائيل من الهلاك على يد فرعون قال لهم موسى -عليه السلام-: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).
ومن ثمرات التفكر في عظمة الله أنْ نخشاه سبحانه ونعظِّمه، وأن يعرف العبد قدره، وأن لا يغترّ بقدرته، فقد قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾
والتفكر في عظمة الله يورث الاجتهاد في طاعة الله والعمل على مرضاته، والبُعد عن معصيته واللجوء إليه -سبحانه- في الشدائد، والتضرع إليه سبحانه عند نزول المصائب، فقد قال -عز وجل-: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة