ثمرات التسبيح في الدنيا والآخرة

ثمرات التسبيح في الدنيا والآخرة

ثمرات التسبيح في الدنيا والآخرة


المكانة العظمى لذكر الله تعالى


لا شيء أعظم من الله، ولا ذِكْر أفضل من ذكره -جل جلاله-، ولذا كان ذِكره أكبر من كل شيء، ومثل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت، بل يرقى الحال بالذاكرين إلى أن يباهي بهم ربُّهم ملائكتَه، وذِكرُ اللهِ قرينُ المؤمن في حياته، في صباحه ومسائه، ونومه ويقظته، وسفره وإيابه، وطعامه وشرابه، والذاكر الصادق هو الذي يعمل في طاعة ربه، فيذكر اللهَ على كل أحيانه وشئونه، قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "كلُّ عاملٍ لله -تعالى- بطاعة فهو ذاكر لله -تعالى-"، وصدَق اللهُ إذ يقول: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[آلِ عِمْرَانَ: 191]، والتسبيح من أعظم الذِّكر، ولقد ورَد التسبيح في القرآن الكريم أكثرَ من ثمانين مرةً، وافتتح -سبحانه- به سبع سُوَر من كتابه، وأثبَت لنفسه الأسماء الحسنى والصفات العلا، وقرَن ذلك بالتسبيح له، فقال سبحانه: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[الْحَشْرِ: 23].

الله سبحانه وتعالى أهل لكل تنزيه وتقديس


التسبيح متضمِّن لتنزيه الرب عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، فالله -جل جلاله وتقدست أسماؤه- متَّصِف بالكمال في ذاته، وفي أسمائه وصفاته، متنزِّه عن العيوب والنقائص، وما لا يليق بجلاله، فهو -سبحانه- سبُّوح قدوُّس، رب الملائكة والروح، يحب أن يسبِّحه عبادُه.

حال الملائكة مع التسبيح


ان الملائكة مع ما وُكِلَ إليهم من الأعمال العظيمة الجليلة ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾[الْأَنْبِيَاءِ: 20]، وهم بتسبيحهم لربهم يشرُفون ويفخرون، ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾[الصَّافَّاتِ: 165-166]، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "‌إذا ‌قضى ‌الله ‌أمرًا ‌سبَّح حمَلةُ العرش، ثم يسبِّح أهلُ السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيحُ أهلَ هذه السماء الدنيا"؛ أي: تنزيهًا له -سبحانه- وتعظيمًا لأمره، وخضوعًا وقبولًا وطاعةً له -جل جلاله- وتقدَّست أسماؤه.

حال الأنبياء مع التسبيح


وأمَّا رُسُلُ اللهِ -تعالى- وأنبياؤه: فالتسبيح ذِكرُهم، وهو عند الشدائد مفزعُهم، فهذا نبيُّ الله موسى -عليه السلام- يدعو ربَّه بأن يجعل معه أخاه هارون وزيرًا؛ ليُعينه على التسبيح كثيرًا، فقال: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا﴾[طه: 29-34].

ونبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حياته كلها تسبيح، فإذا قرأ القرآن ومرَّ بآية فيها تنزيه للرحمن سبَّح، وإذا قام من الليل أطال التسبيح في ركوعه وسجوده، وإذا رَكِبَ دابتَه قال: "سبحان الذي سخَّر لنا هذا"، وإذا نزل واديًا سبَّح، وإذا رأى الأمر الذي يُتعجَّب منه سبَّح، وإذا أوى إلى فِراشه سبَّح ثلاثًا وثلاثين، وحين اشتدَّ أذى المشركين به فأحاط به الهمُّ، وضاق به الصدر، أمرَه ربُّه بكثرة التسبيح له؛ لينشرح صدره، ويذهب عنه همُّه وغمُّه، فقال: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾[الْحِجْرِ: 97-98]، فبالتسبيح يطمئنُّ قلبكَ، وتقرُّ عينُكَ، وينشرح صدرُكَ، ويعطيكَ ربُّكَ من الثواب العاجل والآجل، حتى ترضى؛ ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾[طه: 130].

ولعظيم فضل التسبيح لَمَّا بلَّغ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الرسالة وأدَّى الأمانة ودخَل الناسُ في دين الله أفواجًا، أخبرَه ربُّه بدنو الأجل، وأمرَه بأن يختم حياتَه بالتسبيح لله -عز وجل-؛ ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾[النَّصْرِ: 1-3].

قالت الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق -رضي الله عنها وأرضاها- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُكثِر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك"

كل المخلوقات مأمورة متعبَّدة بالتسبيح


لقد تعبَّد اللهُ -سبحانه وتعالى- جميع المخلوقات بالتسبيح له، مقِرَّة له بكماله وجلاله، خاضعة لسلطانه، وتوحيده وعظمته؛ ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾[النُّورِ: 41]، فالسماوات السبع ومَنْ فيهن يسبح، وشمسها وقمرها، ونجومها وكواكبها، والأرض بجبالها وبحارها، ورمالها وأشجارها، وكل رطب ويابس، وكل حي وميت، فالكون كله يعج بالتسبيح للكبير المتعال، بلسان الحال والمقال؛ ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾[الْإِسْرَاءِ: 44].

ولقد أسمَع اللهُ -تعالى- بعضَ أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا من تسبيح الجمادات، من حنين الجذع، وتسبيح الحصى في كفِّه، بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-، وفي سنن الترمذي ، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لقد كنَّا نأكل الطعام مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نسمع تسبيح الطعام"، فسبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته، مخلوقات لا أرواح لها، تعجُّ بالتسبيح لخالقها، فما هو حالنا نحن معاشرَ المؤمنين؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾[الْأَحْزَابِ: 41-42].

من فوائد التسبيح


التسبيح عبادة جليلة، وطاعة عظيمة، يُحيي اللهُ به القلوبَ، ويُضاعِف به الأجورَ، ويمحو الله به الخطايا، ويغفر الذنوب والرزايا، وهو زاد الآخرة، وغِراس الجنة، وأفضل الكلام، وأحبُّه إلى الرحمن، وبه يثقل الميزان، والتسبيح يشفع لصاحبه عند ربه، ويُذَكِّر به إذا وقعت له شدة؛ ففي مسند الإمام أحمد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الَّذِي ‌تَذْكُرُونَ ‌مِنْ ‌جَلَالِ ‌اللهِ، ‌وَتَسْبِيحِهِ، وَتَحْمِيدِهِ، وَتَهْلِيلِهِ تَتَعَطَّفُ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ، كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ، أَفَلَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ اللهِ شَيْءٌ يُذَكِّرُ بِهِ؟"، ونبي الله يونس -عليه السلام- كان في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[الْأَنْبِيَاءِ: 87]، فنجَّاه الله -تعالى- وقال: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[الصَّافَّاتِ: 143-144].

ولِمَا في التسبيح من نعيم القلب وانشراحه، وراحته وسروره، فهو لا ينقطع بانقضاء الدنيا، فأهل الجنة يلهَمون التسبيحَ ولا يفترون عنه، بلا مشقة ولا كُلفة؛ ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾[يُونُسَ: 10]، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة يُلهَمون التسبيحَ والتحميدَ كما تُلهَمون النَّفَسَ".

لا تنس ذكر الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية