رقة القلب

رقة القلب

رقة القلب


أشد عقوبة يعاقب به العبد هو قسوة قلبه


إنّ أعضلَ داءٍ يُصابُ به المرءُ، أنْ يُبتلى بقسوةِ القلبِ، وانحرافِهِ، وأنْ يَحُولَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بينَهُ وبينَ قلبِهِ بذنبٍ اقترفَهُ؛ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا؛ قال تعالى: ﴿ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم﴾[التوبة: 127]، وقال سبحانه: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾[الصف: 5]؛ فمتى ما قسَى القلبُ، وانصرفَ عن اللهِ، صَرَفَهُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- عن عبادتِهِ؛ فلا يُوَفَّقُ لطاعةٍ، ولا يَخْشَعُ لآيةٍ، ولا يَنْتَفِعُ بموعِظَةٍ؛ ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾[الحج: 46].

أثر الطاعة والمعصية على قلب العبد


وَإِذَا رُمْتَ معْرفةَ مكانةِ القلبِ وأثرِه فارمِ ببصرِكَ أهلَ الإيمانِ وما يَجِدُونَهُ من اللَّذَّةِ في عبادةِ اللهِ والأُنسِ في مناجاتِهِ والسكينةِ عند تلاوةِ كتابِه والشَّوْقِ للقائِهِ فنُكتَتْ فِي قلوبِهِمْ نُكْتَةٌ بيضاءُ؛ فَأَضْحَتْ قُلُوبُهُم صافيةً نقيَّةً راضيةً مرضيَّة.

وانظُرْ لأَهْلِ المعاصي في عُكُوفِهِمْ على ذُنُوبِهِمْ، وما تَجْلِبُهُ لهُمْ هذهِ الذُّنُوبُ مِنْ الشقاءِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومع ذلكَ لا يَنْتَهُون، وإذا ذكّرُوا لا يَذْكُرُون؛ فَطَبَعَ اللهُ على قلوبِهِمْ بكُلِّ ذنبٍ نُكْتَةً سَوْدَاءَ؛ فأَضْحَتْ قلوبُهُم سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً كالكوزِ مُجَخِّيةً وصارَ الْقَلْبُ كالمنخل، أو كالغربال، لا يَعِي خيرًا، ولا يثبتُ فيه صلاحٌ.

ولقدْ كانَ السَّلفُ الصَّالِحُ يتعاهدونَ قلوبَهُم؛ فيُزِيلُونَ مَا عَلَقَ بِهَا من آثَارِ الذُّنُوبِ، وما رانَ عليها من أمراضِ الغفلةِ، وأسبابِ القسوةِ، ويُعَمِّرُونهَا بالقرآنِ وذِكْر الله، حتى تلينَ؛ قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾[الزمر: 23].

أسباب لرقة القلب


وَاعلمُوا أنّ ِالقلبَ إذا رَقّ، ذَاقَ حلاوةَ الطَّاعَةِ، ولذَّةَ المناجاةِ، وانتفعَ بالقرآنِ، ومِنْ أَهَمِّ مَا يُرَقِّقُ القلوبَ مَا يَلِي:

  • الحفاظُ على الفرائِضِ، والمبادرةُ بالطَّاعَاتِ؛ قال تعالى: ﴿.. رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾[النور: 37].

  • الإقبالُ على القرآنِ الكريمِ تلاوةً وحفظًا، وتدَبُّرًا وفَهْمًا؛ قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾[محمد: 24]، وقال سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾الشورى: 52]، وقد سَمّى اللهُ القرآنَ روحًا؛ لأنّ الرُّوح يحيا به الجسدُ، والقرآنُ تحيا به القلوبُ والأرواحُ، فمتى خلا القلبُ من القرآنِ فهو كالميِّتِ وإن كان يَنْبُضُ.

  • ذِكْرُ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28]، وقال سبحانه: ﴿وَبَشِّرِ المخبتين الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾[الحج: 34-35]، وفي الحديث: "لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي"

  • الدُّعاءُ؛ فقد كان من دعاءِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنا على طاعَتِكَ"


لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية